شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
Жанры
واجبنا نحو القرآن
إذا علمت أن الله جل وعلا يتكلم فانظر إلى كلام الله واقترب منه ولا تتركه أبدًا، فمن أراد جليسًا وأنيسًا فكلام الله خير جليس وخير أنيس، فإن الله جل وعلا تكلم بالوحي، تكلم بالكتاب، تكلم بالقرآن، ولذلك كما في الشُعَب بسند صحيح أن ابن مسعود قال: (من أراد أن يختبر حبه لله فليعرض نفسه على كتاب الله، فإن أحب كلام الله -يعني: القرآن- فهو ممن يحبه الله).
وكان عثمان بن عفان يقول: لا أهنأ أبدًا في ليلة لم أطلع فيها على كلام الله.
فأنت أخي الكريم! اسمع هذا الكلام واجعل لنفسك حفظ ثلاث آيات أو آية واحدة، واقرأ ربع جزء أو نصف جزء، اقرأ ما تستطيع، الغرض المقصود ألا يمر عليك يوم وأنت لا تقرأ فيه كتاب الله، لا تترك القرآن أبدًا، فإن النبي ﷺ يقول: (اقرءوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة، الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن أقول: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، فهذا خير عظيم، وكلام الله جل وعلا إذا طهرت القلوب لم تشبع منه، فقد ورد عن عثمان بن عفان كما في شعب الإيمان بسند صحيح أنه يقول: (لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام الله).
فأنت أخي الكريم! هيئ نفسك وانظر عند سماعك لكلام الله جل وعلا هل ترى قلبك يرق أم هو قاس كالحجارة؟ وانظر هل ترى نفسك تميل إلى السماع والزيادة من السماع أم لا؟ إن كان الأولى فهذا هو الخير العظيم، وهذا فضل الله عليك، فعض عليه بالنواجد، واحمد ربك، وطوق هذه النعم بالشكر، فإن مع الشكر الزيادة.
أما إذا كانت الثانية فاستغفر ربك، وارجع إليه، وتب وسارع في مرضات الله جل وعلا، فإن الله سيقبل التوبة، وعليكم بذكر الله جل وعلا، وبالقرآن فهو خير الذكر، كما قال النبي ﷺ: (إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه، يعني القرآن) أي: ما خرج من الله جل وعلا القرآن هو كلامه، ولن ترجع إلى الله بخير مما خرج منه ﷾.
أيضًا لا بد أخي الكريم أن تقرأ القرآن وتتدبر القرآن، قال الله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد:٢٤]، وقال ﷿: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، وابن عباس ﵁ وأرضاه يفسر هذه الآية العظيمة: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ [البقرة:١٢١] قال: يحفظون حروفه، ويطبقون حدوده، تراهم في الليل رهبانًا، يقيمون الليل بما حفظوا من كتاب الله جل في علاه، وتراهم في النهار يطبقون القرآن عليهم.
نسأل الله أن نكون منهم.
الغرض المقصود أن تتعبد لله بتلاوة كتابه، ولا تهجر القرآن حتى لا تقع تحت قول النبي ﷺ عندما اشتكى لربه كما نقل الله عنه ذلك لنا في كتابه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان:٣٠]، العلماء قالوا: وهجر القرآن على أقسام ثلاثة: هجر تلاوته، وهجر سماعه، وهجر تطبيقه والعمل به، فمنا من يتلو ولا يعمل بالقرآن، ومنا من يسمع ولا يعمل به، ومنا من يعمل فلا يتلو ولا يقرأ، وهذا أيضًا من الهجران للقرآن، فنحن نعتبر بهذا الكلام، فنقرأ القرآن، فلا نهجر قراءته، ونسمعه فلا نهجر سماعه، وأيضًا نطبقه على أنفسنا وعلى أهلينا، وعلى مجتمعاتنا، حتى يرضى الله عنا فلا نهجره تطبيقًا وعملًا.
19 / 9