شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
Жанры
ثبوت صفتي السمع والبصر لله تعالى في السنة
وأما السنة: فقد جاءت أحاديث بينة تثبت لله السمع والبصر، ففي الصحيح عن عائشة ﵂ قالت (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات) وسبحان: تنزيه وتقدير لرب البرية جل وعلا، (إن المجادلة لتشتكي إلى رسول الله ﷺ وأنا في ناحية المنزل يخفى علي بعض حديثها، فأنزل الله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة:١]).
وأيضًا في السنن: لما سألت عائشة ﵂ وأرضاها النبي ﷺ: (هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟)، ويوم أحد معلوم، وقد كان فيه نكاية شديدة على المسلمين، فقد قتل حمزة أسد الله وأسد رسوله، وقتل ما يقارب السبعين من صحابة رسول الله ﷺ، وقد قال أبو سفيان للمسلمين يومئذ: يوم بيوم بدر والحرب سجال، ثم قال: اعلُ هبل، فلما قال ذلك قال الرسول ﷺ: أما أحد منكم يرد عليه ويقول: (الله أعلى وأجل)، فقال: يوم بيوم بدر، فقال عمر بن الخطاب: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
فيوم أحد كان فيه مرارة شديدة على المسلمين.
فقالت: (هل مر عليك يوم أشد من يوم أحد؟ فبين لها الرسول ﷺ أن أشد الأيام صعوبة مرت عليه هو يوم أن عرض نفسه على ابن عبد ياليل فُرد النبي ﷺ، فلما رد النبي ﷺ بات مهمومًا مغمومًا، فجاءه جبريل -تسلية من الله جل وعلا لرسوله ﷺ ومعه ملك الجبال، فسلما عليه ﷺ، فقال: إن الله جل وعلا قد سمع قول قومك لك).
ووجه الشاهد هنا: أن الله جل وعلا يبين صفة السماع، فهو سمع ما حدث وما دار، وهذا تسلية للنبي ﷺ.
وأيضًا من الأحاديث التي تثبت صفة السمع ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ﵁ وأرضاه أنه قال: (كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا، فلما كنا على مشارف المدينة كبرنا تكبيرًا عاليًا، فقال النبي ﷺ: أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا بصيرًا).
فهنا صفات سلبية وصفات ثبوتية، فقوله: (إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا) نفي لصفة الصمم، وقوله: (إنما تدعون سميعًا بصيرًا) فيه إثبات السماع والرؤية لله جل وعلا.
وأيضًا: أجمع أهل السنة والجماعة على أن هذه الصفات ثابتة لله جل وعلا ثبوتًا يليق بجلاله وكماله ﷾ وعظمته وبهائه، وإذا أثبتنا ذلك فحري بكل مسلم أن يعلم أن سمع الله جل وعلا أحاط بكل شيء، فلا تختلف عليه اللغات، ولا يشكل عليه صوت من جهر ولا من سر، فهو سبحانه يعلم السر وأخفى، ويسمع كل شيء، ويسمع دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، فأحاط الله جل وعلا بكل شيء سمعًا.
فإذا كان المؤمن يعتقد هذا الاعتقاد الجازم بأن الله يسمع سره، ويسمع ما يخفض به من الكلام، ويسمع ما يجهر به، فحري بكل مسلم ألا يسمع الله جل وعلا إلا ما يحبه ويرضاه، وألا يسمع الله إلا ما يقربه منه، ولا يسمع الله إلا الثناء عليه سبحانه، أو الصلاة على النبي ﷺ، أو مجالس الذكر والعلم، أو قراءة القرآن، فلا يهذي بكلمات تبعده عن رب البرية جل وعلا، وإذا اعتقد أن الله يسمع ما يقول فحري به أن يتدبر ما يقول، ويعي الدرس جيدًا كما وعاه قبله الصحابة الكرام عندما قال النبي ﷺ: (وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) فالرجل إذا وعى الدرس جيدًا، وعلم أن ربه يسمع ما يقول، فإنه لا بد أن يكون رقيبًا على كلامه، ولا يتكلم إلا بما يحب الله جل وعلا ويرضاه.
12 / 4