شرح تفسير ابن كثير - الراجحي
شرح تفسير ابن كثير - الراجحي
Жанры
الاستعاذة بالله من أسباب إزالة الغضب
وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب ﵁ قال: (تلاحى رجلان عند النبي ﷺ فتمزع أنف أحدهما غضبًا، فقال رسول الله ﷺ: أني لأعلم شيئًا لو قاله لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن يوسف بن عيسى المروزي عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد به.
وقد روى هذا الحديث: أحمد بن حنبل، عن أبي سعيد عن زائدة، وأبو داود، عن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، والترمذي والنسائي في اليوم والليلة عن بندار عن ابن مهدي عن الثوري والنسائي أيضًا من حديث زائدة بن قدامة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل ﵁ قال: (استب رجلان عند النبي ﷺ فغضب أحدهما غضبًا شديدًا حتى يخيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه، فقال النبي ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب، فقال: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضبًا وهذا لفظ أبي داود، وقال الترمذي: مرسل، يعني: أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل فإنه مات قبل سنة عشرين.
قلت: وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب كما تقدم، وبلغه عن معاذ بن جبل، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ﵃.
قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت قال: قال سليمان بن صرد ﵁: (استب رجلان عند النبي ﷺ ونحن عنده جلوس، فأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول رسول الله ﷺ، قال: إني لست بمجنون)].
فهذا يحتمل أنه لا زال في غضبه وأنه سريع الغضب أو أنه منافق، لكن الأقرب أنه يستولي عليه الغضب، وجاء في اللفظ الآخر أنه قيل له: (إن الرسول ﷺ يقول لك قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: أبي جنون حتى أقولها؟!)، فهذا يدل على أنه قد استولى عليه غضب وأنه ما أفاق من غضبه، ويحتمل أنه من المنافقين.
وهذا فيه دليل على أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم من أسباب زوال الغضب، ومن أسباب إزالة الغضب الوضوء كما جاء في الحديث الآخر؛ لأن الغضب من الشيطان، والشيطان مخلوق من نار، والنار يطفئها الماء.
ومنها: أنه يغير حالته التي هو عليها، فإن كان قائمًا فليجلس، وإن كان جالسًا فليضطجع، وليخرج أيضًا من البيت إذا كان في البيت، أو من المكان، فكل هذه من أسباب إزالة الغضب، فقد يحصل بين بعض الناس وبين أهله مغاضبة فليخرج، كما حصل بين علي ﵁ وفاطمة مغاضبة، فذهب ونام في المسجد، وسأل عنه النبي ﷺ فاطمة فقال: (أين ابن عمك؟ قالت: غاضبني فخرج إلى المسجد) أو كما جاء في الحديث، فيشرع للإنسان أن يخفف الغضب، ويعمل الأسباب التي تزيل هذا الغضب: من استعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء، وتغيير الحالة، والانتقال والخروج من المكان أو من البيت، حتى يهدأ غضبه ويعود إليه رشده، وحتى لا يفعل شيئًا يندم عليه، ولا تحمد عقباه في المستقبل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد رواه أيضًا مع مسلم وأبي داود والنسائي من طرق متعددة عن الأعمش به.
وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها ههنا وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال، والله أعلم.
6 / 4