شرح تفسير ابن كثير - الراجحي
شرح تفسير ابن كثير - الراجحي
Жанры
اختلاف العلماء في موضع الاستعاذة عند قراءة القرآن الكريم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل:٩٨ - ١٠٠].
قالت طائفة من القراء وغيرهم: يتعوذ بعد القراءة، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة].
أي: أن حجة هؤلاء: أن الله قال: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:٩٨]، قالوا: فظاهر الآية أن الاستعاذة تكون بعد قراءة القرآن، وأيضًا فيه فائدة أخرى وهي دفع الإعجاب.
وقال آخرون من أهل العلم: أنه يستعيذ بعد قراءة الفاتحة، وهذا قول ضعيف.
وقال آخرون: يستعيذ قبل القراءة، ومعنى قوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ [النحل:٩٨] أي: فإذا أردت، وهذا له نظائر، مثل قوله ﵊ (إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: باسم الله) يعني: إذا أراد دخول الخلاء، وهنا: (فإذا قرأت) يعني: إذا أردت، وهذا هو الصواب، وسيأتي أن الاستعاذة تكون قبل القراءة.
قوله: [وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيمن نقله عنه ابن قلوقا وأبو حاتم السجستاني، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جنادة الهذلي المغربي في كتاب العبادة الكامل، وروي عن أبي هريرة أيضًا وهو غريب، ونقله محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه، قال: وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي، عن المجموعة، عن مالك ﵀ أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة، واستغربه ابن العربي].
هذا غريب؛ لأن الفاتحة أم القرآن.
قوله: [وحكى قولًا ثالثًا وهو: الاستعاذة أولًا وآخرًا؛ جمعًا بين الدليلين، نقله الرازي].
وهذا قول ثالث: أن يستعيذ قبل القراءة ويستعيذ بعد القراءة، والقول الرابع: أنه يستعيذ مرة واحدة قبل القراءة، وهو الصواب.
قوله: [والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة؛ لدفع الموسوس عنها].
الموسوس: هو الشيطان، وهذا هو الصواب: أن الاستعاذة مرة واحدة قبل القراءة، وأما القول بأنها بعد القراءة أو القول أنها بعد الفاتحة أو القول بأنه يستعيذ مرتين فهي أقوال مرجوحة، والصواب: أنه يستعيذ مرة واحدة قبل القراءة؛ لدفع الموسوس وهو الشيطان.
قوله: [ومعنى الآية عندهم: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:٩٨] أي: إذا أردت القراءة، كقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ [المائدة:٦] الآية أي: إذا أردتم القيام].
يعني: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، ومنه قوله ﵊: (إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل باسم الله) يعني: إذا أراد.
قوله: [والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله ﷺ بذلك.
قال الإمام أحمد بن حنبل ﵀: حدثنا محمد بن الحسن بن أنس حدثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي الرفاعي اليشكري عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان عن علي بن علي وهو: الرفاعي، وقال الترمذي: هو أشهر شيء في هذا الباب، وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق].
يعني: صرع الشيطان للإنسان.
قوله: [والنفخ: بالكبر، والنفث بالشعر].
فالتفسير: من همزه يعني: صرعه، ونفخه: وهو الكبر، ونفثه: وهو الشعر.
قوله: [كما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن نافع بن مطعم عن أبيه قال: رأيت رسول الله ﷺ حين دخل في الصلاة قال: (الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، الحمد لله كثيرًا ثلاثًا، سبحان الله بكرة وأصيلًا ثلاثًا، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه)].
هذا نوع من أنواع الاستفتاحات، قوله ﷺ: (الله أكبر ثلاثًا، الحمد لله ثلاثًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا ثلاثًا) أي: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، سبحان الله بكرة وأصيلا، سبحان الله بكرة وأصيلا، سبحان الله بكرة وأصيلا.
فهذا أحد الاستفتاحات.
ومن الاستفتاحات وهو أخصر الاستفتاحات وأفضلها في ذاته؛ لأنه ثناء قوله ﷺ: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) وهذا الذي كان يعلمه عمر بن الخطاب ﵁ الناس على المنبر، واختاره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وهو مختصر، وأصح منه ما رواه عن أبي هريرة ﵁ أنه قال: (يا رسول الله! إذا كبرت سكت هنيهة ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، فهذا أصح ما ورد في الاستفتاحات؛ لأنه رواه الشيخان، و(سبحانك اللهم وبحمدك)، هذا أفضل الاستفتاحات في ذاته؛ لأنه ثناء على الله.
وهناك استفتاحات كثيرة وطويلة في قيام الليل، ومن ذلك ما رواه مسلم عن عائشة: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
وهناك استفتاح ابن عباس، وهو استفتاح طويل: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، لقاؤك حق، ووعدك حق، ومحمد حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق والنبيون حق) إلى آخره، لكن هذا في قيام الليل، والمقصود: أن هذا نوع من الاستفتاحات.
قوله: [قال عمرو: وهمزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر.
وقال ابن ماجة: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه) قال: همزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا شريك، عن يعلى بن عطاء، عن رجل حدثه أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: (كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثًا، ثم قال: لا إله إلا الله ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
6 / 3