شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Жанры
بلوغ تقوى الله هو ثمرة الصيام
والغرض الأسمى من الصيام هو بلوغ التقوى، كما قال الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:١٨٣].
إذًا: ثمرة الصيام هي أن تبلغ العبد منتهى وكمال تقوى الله ﷿، ومعلوم أن السباب والشتام واللعان والفاسق والمقاتل لإخوانه لا يحصل التقوى، فهذا يعني أنه قد عذب نفسه، ولا بد أن يعذب نفسه حتى يسقط عنه فرض الصيام، لكن هل له عند الله تعالى ثواب؟
الجواب
ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.
فقوله: (وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)، يعني: له فرحتان: فرحة في الدنيا، وفرحة في الآخرة، أما فرحة الدنيا فهي بإتمام نعمة الله ﷿ عليه، وأنه أتم اليوم والشهر، وختم له بعيد يفطر فيه ويسعد فيه ويهنأ ويلعب ويلهو لهوًا مباحًا في ليله ونهاره، جزاء طاعته التي أقام عليها طيلة الشهر، وأما في الآخرة فإن الله تعالى يكافئه المكافأة التي وعد بها، قال: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) فإذا تولى الكريم ﷾ الجزاء والهدية والعطية، فاعلم أنها لا منتهى لها.
فتصور لو أن ملكًا من ملوك الدنيا قال لعامله: كافئ فلانًا فإنه قد خدمنا، فإن مكافأة هذا العامل محدودة ولا شك، لكن لو قال العامل لهذا الملك: هل أكافئ فلانًا؟ فقال له الملك: لا، دعه، فأنا سأكافئه، فكيف ستكون الفرحة لدى هذا العامل الذي عمل وخدم هذا الملك قبل أن يقبض الهدية؟ فرحة عظيمة، وقلَّ أن يكون هناك ملك من ملوك الدنيا بخيلًا؛ لأن البخل يتنافى مع الأبهات ومع الملك، وهو في النهاية لا يدفع من جيبه، إنما يدفع من خزينة الدولة، فتصور لو أن ملكًا من ملوك الدنيا كافأ رجلًا من شعبه، فلا بد أن تكون هذه المكافأة عظيمة جدًا، وإلا لا يستقيم أبدًا أن يقول ملك: أنا أكافئك، ثم يعطيه عشرة جنيهات، فمن حق هذا المهدى إليه أن يردها، ويقول: لا، أنت ملك، ولا تعطيني على قدر عملي، وإنما تعطيني على قدر مكانك ومنزلتك، والعشرة الجنيهات لا تليق بك، فقد يقول له الملك: خذ خزينة البلد كلها.
إذًا: فقوله: (وإذا لقي ربه فرح بصومه) لأن الملك ﷾ هو الذي يجازيه ويكافئه، فلا بد أن تكون هذه المكافأة عظيمة جدًا؛ لأنها من الكريم ﷾.
13 / 8