175

شرح الحموية - يوسف الغفيص

شرح الحموية - يوسف الغفيص

Жанры

الكلام عن أبي إسماعيل الهروي [وروى هذا اللفظ بإسناد عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في كتاب الفاروق]. أبو إسماعيل الأنصاري الهروي المعروف بشيخ الإسلام حنبلي متصوف، من أشد المائلين عن علم الكلام الذامين له، والمكفرين للجهمية، وله تصنيف في هذا مشهور، من كتبه الفاروق كما يشير المصنف هنا، كذلك كتاب ذم الكلام وهو كتاب فاضل، فيه آثار متواترة عن كبار أعيان الأئمة سواء الأئمة الأربعة أو غيرهم في ذم العلم الكلامي. ولكنه -أعني: أبا إسماعيل الأنصاري الهروي ﵀ ممن يزيدون في إثبات بعض الصفات تارة، يقول شيخ الإسلام ﵀ في غير ما موضع من منهاج السنة وغيره: وأبو إسماعيل الأنصاري الهروي من المبالغين في ذم الجهمية وتكفيرهم. ولهذا لما ذكر الهروي الأشعري في كتابه ذم الكلام قال: وقد شاع في المسلمين أن رأسهم علي بن الحسن الأشعري لا يصلي ولا يتوضأ. وهذه زيادة، وإنما أذكرها حتى ينتبه إليها طالب العلم، فإن أبا الحسن الأشعري قد أثني عليه فيما وافق فيه الحق كثير، حتى من علماء الحنابلة، ولم ينضبط عن أحد من أهل العلم، بل ولا حتى من أهل التاريخ والأخبار أن الأشعري لم يكن يصلي ولا يتوضأ. فينبغي لطالب العلم دائمًا ألا يجعل من الحق طريقًا للاستطالة على الخلق -وهذا ليس من باب الوقوف على أخطاء الهروي فالرجل اجتهد، وربما بلغه هذا بإسناد ظنه صحيحًا فقاله، أو بلغه عن بعض من أهل العلم أو شيء من ذلك-. ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ مع أنه حنبلي، وممن يثنون على أبي إسماعيل الأنصاري كثيرًا، حتى إنه يصفه بشيخ الإسلام -وهو وصف مشهور له عند الحنابلة قبل شيخ الإسلام - إلا أنه تعقب الهروي كثيرًا، ووهمه في قوله في الأشعري، بل قال: إن أبا الحسن الأشعري في بعض المسائل أقرب إلى السلف والأئمة من أبي إسماعيل الأنصاري الهروي ولا سيما في مسألة تعليل الأفعال، فإن أبا إسماعيل الأنصاري الهروي يميل إلى الجبر ولا يميل إلى تعليل الأفعال، على طريقة بعض المتصوفة، والأشعري يقرر قريبًا من هذا المذهب بالطريقة الكلامية، فهذا الأشعري يقررها تقريرًا كلاميًا، والهروي يقررها تقريرًا صوفيًا، والنتيجة في الجملة واحدة، لكن شيخ الإسلام يقول: وأبو الحسن الأشعري في هذا المقام أقرب إلى قول السلف من أبي إسماعيل الأنصاري الهروي. فالمقصود: أن الهروي نفسه له بعض المسائل التي غلط فيها، بل غلطه فيها أشد من غلط أبي الحسن الأشعري، وإن كان قول الأشعري في الصفات لا شك أنه دون قول أبي إسماعيل الأنصاري، فإن قول أبي إسماعيل الأنصاري الهروي فاضل في الجملة، وإن كان أحيانًا قد يزيد، لكنه على كل حال أفضل من قول أبي الحسن الذي عرف عنه عدم إثبات الصفات الفعلية بطريقة محققة. كذلك عنده تصوف، وقد غلط في بعض المسائل غلطًا شديدًا، وقد وقع هذا في كتابه منازل السائرين، وإن كان ابن القيم ﵀ يعتذر له كثيرًا، لكن عند أغلاط محققة، حتى إن ابن القيم قد صرح بأن في الكتاب بعض الأغلاط المتحققة. فالقصد: أن له بعض الغلط وبعض الصواب، فما كان من صوابه فإنه يقبل، وما كان من خطأه فهو اجتهاد، والله يغفر له.

13 / 10