Мусульманская энциклопедия наук о Коране
موسوعة علوم القرآن
Издатель
دار القلم العربى
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
Место издания
حلب
Жанры
مقدمة
موسوعة علوم القرآن بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم رسل الله.
وبعد:
فإن القرآن الكريم، كتاب ختم الله به كتبه، وجعله لخاتم أنبيائه، فحوى في تضاعيف آياته دستور أخلاق إصلاحيا، وقانون حكم يحكم به في قضايا البشرية جمعاء.
قال الله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ....
ثم أقامه الله حجّة في فم الزمان، يستنبط دلائل صدقه العلماء، على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم، ما من شأنه أن يخلّد في تقاريره، وأحكامه، وتوجيهاته.
قال الله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ.
ولم يكن كتاب مواعظ وتراتيل، كسابقيه من الكتب المنزلة، وإنّما
1 / 5
جمعت فيه كل مقوّمات الإعجاز العلمي، ليدفع جاحديه، ويؤيّد تابعيه.
لذا. فقد عكف علماؤنا من السلف الصالح على استخراج علومه، فألفوا أنها لا تنتهي، فمهما استخرجوا منه، فلسوف يأتي من يثوّر قواعد علوم أخرى.
قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ....
وجدير بنا أن ندرك أنّ آياته لا تخلق على كثرة الردّ، فكلّ يوم ترشح بجديد، وكأنها الآن قد نزلت، ويلمس هذا المدبّر لسوره وآياته.
قال الله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ....
هذا. وإنّ كتبا كثيرة قد ظهرت في هذا المجال، ويغلب عليها طابع التخصص، فكانت عسيرة الوصول إلى الشرائح العامّة من الناس.
لذا. كان لي الشرف أن أسهم في هذا الميدان، بسهم متواضع يقرّب البعيد، ويسهّل الحزن، ويفكّ الرمز والمبهم، من شئون علوم القرآن.
فكانت هذه الموسوعة القرآنية المبسّطة! وعساها أن تقدّم للقارئ مأدبة من مآدب القرآن، على طبق صغير، يلبّي رغبة من رغبات القرّاء لهذه المناحي الثقافية.
1 / 6
كما وألفت نظر القارئ الكريم، إلى أنّني قد وفّقت من خلال تدبّري لكتاب الله، أن أستخرج عددا من علوم القرآن، لم يتناوله أسلافنا، رحمهم الله تعالى، وكتبت في كلّ منها كتابا.
العلم الأوّل الجديد: فنّ الزينة في القرآن.
العلم الثاني الجديد: فنّ الضحك والمضاحيك.
ثمّ إنّ علم الأجنّة اليوم قد بدا واضحا لدى أهله، أنّ أصوله قد قرّرها القرآن الكريم، ولم يعقّب عليه فيها، وإنّما اعتمدها الباحثون أساسا لتجاربهم وبحوثهم.
وكان لي مساهمة في هذا العلم.
فقد صنفته تحت بند (الحيوات) لبني الإنسان، فكان علم الأجنة يحكي حياة الإنسان الثانية، التي تسبق الحياة الثالثة له. وهي الدّنيا.
أرجو من الله أن يظهره إلى الوجود.
ولم يخلق القرآن الكريم- يوما- فهو جديد على الدوام، وكأنّه الآن ينزّل!! وكلّ يوم يقول: إنّه الكتاب المنزل الأوحد، لا كتاب يشاركه في صدقه، ولا في تقاريره، عقيدة وشريعة.
فهلمّ أيها الإنسان- إليّ!! لتجد الحياة الطيبة، والسعادة الحقّة،
1 / 7
والمتعة الحلال.
وصدق الله العظيم إذ يقول: مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ....
وفي الختام أسأل الله الثواب، والتوفيق، والسداد.
إنّه وليّي وحسبي. آمين د. عبد القادر منصور «إمام وخطيب جامع سيف الدولة» «حلب»
1 / 8
الوحي القرآنيّ
نقطة البداية في الموسوعة القرآنية هذه، تكون من فنّ الوحي من السماء. فهو الأساس، وعليه تبنى لبنات الموسوعة من فنون أخرى ولسوف نأتي عليها تباعا.
فما حقيقة الوحي إذا؟.
قبل أن نحدّد له حقيقة، علينا أن نعلم أنّه غيب من غيوب الله تعالى يطلع عليه من يشاء من رسله، أمّا ما سواهم: فهم محجوبون عنه وهو عنهم في حجاب.
وقد حدّ له في لسان الشرع حدّا، حتى لا يدّعيه المدّعون، ويلتبس عن النّاس هويّته.
فقيل فيه:
[إنّه فنّ إعلام الله تعالى من اصطفاه من عباده، عمّا يريده لهم من ألوان الهداية، وفنون العلوم، بطريقة سريّة خفيّة، وغير معتادة للبشر، بيد أنّ لها مؤشرات تدلّ على صاحبه].
والدين كلّه لن يقبل، ولن يسلّم إليه، إلّا لمن صدّق بالوحي وأساليبه، وما هو من لوازمه، وإلّا فلا فائدة من حلّ ما سنعرضه من فنون القرآن، وخصائصه.
1 / 9
أنواع الوحي
والوحي- كما تقدّم- إعلام الله رسله بما يريده منهم، وما يطالبهم به من أوامر ونواه، أن يبثوها بين أقوامهم، هداية وإرشادا.
فهل له نمط واحد أم هو ذو أنماط؟.
أجل. إنّه ذو أنماط شتّى، في النهاية تؤدي وظيفة واحدة، ولله فيها حكم وأسرار، فما تلك الأنماط الوحييّة؟.
هي- كما دوّنت في مصادرها- أربعة أساسية:
١ - ما يكون كفاحا بين الله وعبده
وذلك كما كلّم الله سيدنا موسى ﵇، وكما كلّم الله سيدنا محمدا ليلة الإسراء.
قال الله تعالى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا النساء/ ١٦٤/.
٢ - ما يكون إلهاما
يقذفه الله في قلب مصطفاه، على وجه اليقين.
٣ - ما يكون مناما صادقا
، يجيء في تحققه، ووقوعه مثل فلق الصبح في تبلّجه وسطوعه، وهو أوّل ما يبدأ به الموحى إليه، من الأنبياء.
فقد أخرج البخاري (٣). عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
[أوّل ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح].
1 / 10
٤ - ما يكون بواسطة أمين الوحي جبريل ﵇
، وهو ملك كريم، ذو قوّة عند ذي العرش مكين، مطاع ثمّ أمين.
وهذا النوع هو الأشهر، والأكثر في إرساليات. الوحي للأنبياء. والقرآن الكريم كلّه من هذا القبيل، واصطلح عليه باسم: (الوحي الجليّ).
قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ الشعراء/ ١٩٣ - ١٩٤ - ١٩٥ - /.
وهذا النوع أيضا هو المحدّد في هوية النّبيّ، المرسل من ربّه.
أمّا الأنواع الأخرى، فقد يشاركه فيها من سواه من البشر، لكنّها باقية في دائرة الأنواع أو الأنماط.
1 / 11
الوحي الجليّ
وإذا علمنا أنّ الوحي الجليّ هو العلامة الفارقة ما بين النبي والبشر يتحتّم علينا، أنّ نلمّ بأحوال هذا النوع حتى لا تختلط المسائل علينا ويمكن أن نطلق عليها هيئات الوحي.
فما تلك الهيئات ..
لم يهبط جبريل ﵇ على النبي ﷺ بهيئة واحدة، وإنّما تعدّدت الهيئات.
فتارة يظهر في صورته الحقيقة، فيوحي إلى الرسول، وتارة في صورة إنسان يراه الحاضرون، ويصغون إليه.
وتارة يهبط خفية فلا يرى، إلّا أنّه يظهر على النبي ﷺ أثر التغير والانفعال، فيغط غطيط النائم، ويغيب غيبة كأنها غشية أو إغماء، وما هي من هذه، ولا تلك.
وإنّما هي استغراق في لقاء الملك الروحاني، فينخلع عن حالته البشرية المعتادة، فيتأثّر الجسم، فيغط، ويثقل ثقلا غريبا، فينجم عنه تصبب عرق في الجوّ البارد، بل الشديد البرد.
1 / 12
١ - هيئة الوحي بصورته الحقيقية
وهذه نادرة لو قيست بلداتها، وقد سجّلت عدّتها، فلم تتجاوز المرتين بل حصرت بهما، مرة بأجياد، وأخرى في سدرة المنتهى.
فعن عائشة ﵂ قالت:
[إنّ النّبي ﷺ كان أول شأنه- يرى في المنام، وكان أول ما رأى جبريل بأجياد، صرخ جبريل: يا محمد!!.
فنظر يمينا وشمالا، فلم ير شيئا، فرفع بصره، فإذا هو على أفق السماء، فقال: يا محمّد! ... جبريل، جبريل.
فهرب، فدخل في الناس، فلم ير شيئا، ثم خرج عنهم، فناداه، فهرب.
ثم استعلن له جبريل من قبل حراء، فذكر قصة إقرائه:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... العلق/ ١/.
ورأى حينئذ جبريل، له جناحان من ياقوت يخطفان البصر] (١).
وفي صحيح مسلم عن عائشة مرفوعا:
_________
(١) فتح الباري (١/ ٣٥). وفي هذه الرواية (ابن لهيعة) وهو ضعيف.
1 / 13
[لم أره- يعني جبريل- على صورته التي خلق عليها إلّا مرتين].
ثم إنّ الإمام أحمد قد بين في حديث ابن مسعود:
أنّ الأولى: كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها.
والثانية: عند المعراج.
وللترمذي عن عائشة:
[لم ير محمد جبريل في صورته إلّا مرتين:
مرة عند سدرة المنتهى، ومرّة في أجياد].
ورواية الترمذي تتوافق مع الأولى، وتقوّيها.
وجاء في سيرة التيمي:
[أنّ جبريل أتى النبي ﷺ في حراء، وأقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.
ثم انصرف، فبقي مترددا، فأتاه من أمامه في صورته، فرأى أمرا عظيما].
٢ - هيئة الوحي بصورة إنسان
وقد اشتهر أنّ جبريل كان يتمثل صورة صحابي، واسمه (دحية
1 / 14
الكلبي) فقد أخرج البخاري عن عائشة أمّ المؤمنين ﵂ أنّ الحارث بن هشام ﵁ سأل رسول الله ﷺ فقال:
[- يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟.
فقال رسول الله ﷺ: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال.
وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا، فيكلّمني فأعي ما يقول].
قالت عائشة ﵂:
[ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا].
ولم يقتصر تمثّل جبريل بصورة دحية فقط، وإنّما تمثّل بصورة أعرابي أيضا، كما جاء في حديث سيدنا عمر ﵁ في الرجل الذي سأل رسول الله ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان ثمّ الساعة. ولما غادر قال عنه ﷺ: [إنّه جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم].
ويمكن أن نحمل قوله ﷺ [إنّ روح القدس نفث في روعي].
على هيئة، لمجيء الملك إليه بالوحي، ويكون نوعا من أنواع الجليّ.
1 / 15
وقع الوحي على رسول الله ﷺ
وحديث عائشة هذا، ليصوّر لنا وقع الوحي على النبي ﷺ فقد كان شديدا، وأشدّه كصلصلة الجرس. وقد أوضح القرآن حقيقة ذلك فقال إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا المزمل/ ٥/.
فالوحي إذا، كلّه شديد، وأشدّه مثل صلصلة الجرس، وذلك لعظمة التنزيل، وفي حديث ابن عباس [كان يعالج من التنزيل شدّة].
وعند البيهقي في الدلائل [وإن كان ليوحى إليه، وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل ما يوحى إليه].
وحسبه شدّة ما وصفته به أم المؤمنين عائشة ﵂ بقولها الآنف الذّكر.
أوّل ما نزل من الوحي القرآني
وكان أول ما نزل من القرآن، صدر سورة (اقرأ) وهي قوله تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ.
فقد أخرج البخاري ومسلم. [عن عائشة أم المؤمنين ﵂ أنها قالت: أوّل ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم.
1 / 16
فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه- وهو التعبّد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله.
ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزوّد لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء.
فجاءه الملك. فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارئ. (ما أحسن القراءة).
فأخذني فغطّني، حتى بلغ مني الجهد، ثمّ أرسلني.
فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطّني الثانية، ثمّ أرسلني.
فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطّني الثالثة، ثمّ أرسلني. فقال:
- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥).
1 / 17
فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ﵂ فقال:
- زمّلوني. زمّلوني.
فزمّلوه، حتى ذهب عنه الرّوع. فقال لخديجة وأخبرها الخبر:
- لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة: كلّا، والله- ما يخزيك الله أبدا!!.
إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عم خديجة- وكان امرأ نصرانيا في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا، قد عمي.
فقالت له خديجة: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة: يا ابن أخي! ماذا ترى؟.
فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى.
يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله ﷺ: أو مخرجيّ هم؟!.
1 / 18
قال: نعم. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلّا عودي.
وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي (١)].
مفردات الحديث اللغوية
هذا. وإنّ حديث عائشة السالف الذكر، قد تضمّن مفردات لغوية هي بحاجة إلى توضيح، وبيان، حتى يستطيع القارئ استيعاب ما جاء فيه من الأفكار.
ولنبدأ ب (مثل فلق الصبح):
وفلق الصبح: ضياؤه الصادق. فقد شبهت الرؤيا الصادقة بضياء الصبح وسطوع نوره.
وخصّ التشبيه بهذا، لعلاقة الظهور الواضح الذي لا لبس فيه ولا ريب.
ونثني ب (ثم حبّب إليه الخلاء):
_________
(١) بخاري رقم (٣) واللفظ هنا له.
1 / 19
جيء ب (حبّب) بصيغة المجهول، لإسقاط الباعث له، وإظهار الفاعل الحقيقي للحبّ وهو الله جلّ وعزّ، ففيه إشارة: إلى أنّ باعث البشر عليه منعدم، وأنّ ذلك بوحي الإلهام قد تحقق.
والخلاء: الخلوة. وكان محببا له لأنّه يفرّغ القلب عما يشغله عن التوجّه إلى ربه سبحانه.
وحراء: جبل معروف بمكة، أطلق عليه بعد الوحي اسم جبل (النور).
والغار: نقب في الجبل. وجمعه: غيران.
ونثلث ب (فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي ذوات العدد).
والتحنث: التحنّف. أي: يتبع الحنيفية دين إبراهيم.
والفاء تبدل ثاء في كثير من كلام العرب. ويقوي ذلك رواية ابن هشام في السيرة (يتحنف).
وإما أن نفسّرها ب: إلقاء الحنث. وهو الإثم- كما قيل- يتأثّم أو يتحرّج.
وذوات العدد: إبهام لها، لاختلاف المدد التي كانت يتخللها مجيئه إلى أهله ﷺ.
أمّا أصل الخلوة: فقد عرفت مدتها، وهي شهر، وذلك الشهر كان رمضان كما جاء في رواية ابن إسحاق.
1 / 20
وينزع: يرجع. والتزود: استصحاب الزاد.
ونربّع ب (حتى جاءه الحق):
أي: جاءه الأمر الحق. وفي رواية (حتى فجئه الحقّ).
أي: بغته.
ونخمّس ب (ما أنا بقارئ ثلاثا):
لماذا كررها ثلاثا؟ وما معناها في كلّ مرة؟.
كرّرت ثلاثا للتقوية والتأكيد.
ففي المرة الأولى: أفادت الامتناع. ف (ما) هنا: نافية.
والباء: زيادة في التأكيد. أي: ما أحسن القراءة.
وفي المرة الثانية: أفادت النفي المحض.
وفي المرة الثالثة: أفادت الاستفهام.
ويؤيّد هذا، رواية عروة في مغازي أبي الأسود أنه قال: كيف أقرأ؟.
وعند ابن إسحاق:
ماذا أقرأ؟.
وفي مرسل الزهري عند البيهقي في الدلائل:
1 / 21
- كيف أقرأ؟.
فهذه الروايات جميعا تقرّر الاستفهام (١).
ونسدّس ب (فغطّني .. حتى بلغ مني الجهد):
فغطني: وفي رواية: فغتني. ويراد منها: ضمني، وعصرني.
والغطّ: حبس النفس، ومنه غطه في الماء.
أو أراد: غمني. ومنه الحنق.
ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن [فأخذ بحلقي].
الجهد: غاية وسعي. زمّلوه: لفّوه. الرّوع: الفزع.
خشيت على نفسي: الخشية هنا اختلف فيها كثيرا، وأقربها للصواب أنه ﷺ خشي على نفسه الموت من شدّة الرعب، أو المرض، أو دوامه.
ونسبّع ب (كلّا، والله ما يخزيك الله أبدا ..... نوائب الحق.
ف (كلّا): تعني النفي والإبعاد. و(يخزيك) من الخزي.
وفي رواية (يحزنك). من الحزن. و(الكلّ): من لا يستقلّ بأمره.
_________
(١) فتح الباري (١/ ٣٥).
1 / 22
كما قال الله تعالى وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ النحل/ ٧٦/.
(المعدوم): الفقير. لأنّ المعدوم لا يكسب، والكسب: هو الاستفادة.
(نوائب الحق): كلمة جامعة لأفراد ما تقدّم، ولما لم يتقدّم.
ونثمّن (بنبذة عن ورقة بن نوفل) كان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل، حين كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها، يسألان عن الدين.
فورقة بن نوفل: أعجبته النصرانية فتنصّر، وكان قد لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى، ولم يبدّل.
لذا. فقد أخبر بشأن النبي ﷺ والبشارة به، وغير ذلك مما أفسده أهل التبديل.
إشكال وحله
ويبقى سؤال: لماذا ورقة يدين بالنصرانية ثم يذكر موسى بنزول الناموس (١) عليه؟ أما أولى أن يذكر عيسى؟.
_________
(١) والناموس: صاحب السرّ، وقيده بعضهم في البحر. والمراد به: جبريل ﵇.
1 / 23
وأجيب بإجابات متنوعة:
١ - لأنّ كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى.
والنبيّ كتابه كتاب موسى ﵇.
٢ - لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى، وكذلك وقعت النقمة على يد النبي ﷺ بفرعون هذه الأمة أبي جهل بن هشام، ومن معه ببدر.
٣ - أو لأنه قاله تحقيقا للرسالة، فنزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى، فكثير من اليهود ينكرون نبوّته.
ابن حجر يحلّ المشكلة
وفي الفتح (١): «نعم. في دلائل النبوّة لأبي نعيم- بإسناد حسن، إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة: [أنّ خديجة- أولا- أتت ابن عمّها ورقة، فأخبرته الخبر. فقال:
لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم].
فعلى هذا: فكان ورقة يقول تارة (ناموس عيسى) وتارة (ناموس موسى) فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها: ناموسى عيسى. بحسب
_________
(١). (١/ ٣٨).
1 / 24