28
وبالتالي لن تصبح مسألة المعنى متوقفة على تحديد مواطن الحقيقة. بل إن مفهوم الحقيقة ذاته سيتخذ معنى آخر ليصبح مجموع الطرق والعمليات التي يتم بفضلها إنتاج العبارات وتوزيعها وتداولها. صحيح أن الحقيقة ستظل مرتبطة بأنظمة السلطة التي تولدها وتدعمها، لكنها سترتبط أيضا بنتاجات السلطة التي تتولد عنها، يقول فوكو: «لا شيء أضعف من نظام سياسي لا يكترث بالحقيقة، لكن لا شيء أخطر من نظام سياسي يدعي تحديد الحقيقة.»
29
حينئذ سيصبح لكل مجتمع نظام معين للحقيقة، وسياسة للمعرفة؛ أي أنواع من الخطابات يقبلها ويسمح بتداولها على أنها خطاب الحقيقة، وآليات ومنابر تسمح بتمييز الصواب من الخطأ، وتقنيات وطرق للتوصل إلى الحقيقة، ووضعية معينة لأولئك الذين يوكل إليهم إصدار قول ما يعمل كحقيقة. يقول جرامشي
Antonio Gramsci : «الجماعة التي تمسك بزمام السلطة في المجتمع تصر دوما على أن المناقشة الفكرية يجب أن تتم من خلال اللغة التي تستخدمها (هذه الجماعة) أو التي تفهمها وتقدم طريقتها للنظر إلى العالم وتأويله والهيمنة عليه.»
30
وقد رأى دولوز في نظرية العلامات ل «دي سوسير»، ما يعضد هذا الجانب السلطوي للغة، وما يجعل من النص بنية مغلقة لا تسمح بتعددية المعنى.
إن أحد الإسهامات الهامة لدولوز، في تيار ما بعد الحداثة، هو الاهتمام بتفكيك الخطاب السلطوي والكشف عن تجلياته وأشكاله في مجالات عدة،
31
وسيكون هذا عبر تحرير المعنى، وتأسيس تعدديته. وبعد أن كان الحديث عن السلطة ولغتها لا يتم إلا لماما وبواسطة طرق رمزية ملتوية - مثل جعل الخطاب على لسان الحيوانات كما في مزرعة الحيوان لأورويل
Неизвестная страница