بل إن السلطة تمتد لتشمل حروف اللغة ذاتها «إننا نحس سلفا أن
A, Z, E, R, T ، على ملامس الآلة الكاتبة، مجموعة من بؤر السلطة، مجموعة من علاقات القوى بين الحروف الأبجدية في الفرنسية، حسب نظام ورودها، وبين أنامل اليد، حسب البعد الذي يفصل بعضها عن بعض.»
8
كان تجاوز تاريخ الفلسفة ومحاولة الخروج عليه والالتفاف حوله الهم الأول عند فلاسفة ما بعد الحداثة، يقول دولوز: «لقد كان تاريخ الفلسفة دائما عاملا سلطويا داخل الفلسفة وحتى داخل الفكر. لقد لعب دور المضطهد (القامع)، كيف تودون التفكير دون قراءة أفلاطون وديكارت وكانط وهيدجر وكتاب فلان أو فلان عنهم؟ ... لقد تكونت عبر التاريخ صورة عن الفكر تدعى «الفلسفة تمنع الناس تماما من التفكير».»
9
لذا يدعونا دولوز لتجاوز تاريخ الفلسفة والتمرد عليه من أجل إبداع جديد. إن خطورة تاريخ الفلسفة هو أنه يقدم صورة نمطية لأساليب التفكير وطرق البحث بحيث تصبح مع الوقت هي الصورة المشروعة التي من خلالها يجب أن يفكر الآخرون، يتحول تاريخ الفلسفة إلى «تابو»
Taboo
مقدس يحدد شكل التفكير وموضوعات البحث وأسلوب الكتابة والصياغة، وفي هذا يقول فوكو: «خلال السنوات (1945-1965م)، أفكر في أوروبا، كانت هناك طريقة مستقيمة معينة في التفكير، كان هناك أسلوب معين في الخطاب السياسي، وأخلاقية معينة للمثقف. كان عليك أن تكون مع ماركس في كل شيء، وألا تترك أحلامك تتيه بعيدا عن فرويد، وأن تعالج نسق العلامات - الدال - باحترام كبير. كانت هذه هي الشروط الثلاثة التي تعطي الاعتبار وطابع القبول لهذا الاهتمام المتفرد الذي هو فعل الكتابة، وقول جانب من الحقيقة حول ذات المثقف وعصره.»
10
في هذا الإطار يدعونا دولوز إلى الخروج عن تاريخ الفلسفة؛ «إذ الهدف ليس الإجابة على أسئلة، وإنما الخروج، الخروج منها.» لا توجد نقطة نهاية أو لحظة اكتمال، كأن ندعي أنها موجودة عند هيجل؛ ذلك أن نقاط النهاية أو فجوات الخروج لا متناهية، يقول: «كنت أفضل الكتاب الذين كان يبدو كأنهم ينتمون إلى تاريخ الفلسفة. لكنهم كانوا ينفلتون من إحدى جوانبه، ومن ثم يخرجون منه كلية، أمثال لوكريس وسبينوزا وهيوم ونيتشه وبرجسون. ففي ميدان الفكر، ليس هناك أساس مشترك، والمفكرون لا يطرحون الأسئلة ذاتها، ولا يستعملون المفاهيم عينها. ليس هناك ما يجمع المفكرين ويضمهم داخل تاريخ موحد. كل ما هناك حركات متفردة وخطوط متقاطعة ... ينبغي الخروج من الفلسفة والقيام بأي شيء كان للتمكن من إنتاجها من الخارج.»
Неизвестная страница