ويذهب كريستوفر نوريس
C. Noriss
إلى أن ما تشترك فيه اتجاهات ما بعد البنيوية، رغم ما بينها من اختلاف في المنهج والاهتمامات، هو التزامها بشكل أو آخر بالتحول إلى اللغة والخطاب والنص. وهو تحول يشكل سمة بارزة في مجالات عديدة لا تقتصر على الفلسفة والتاريخ. أما موضع الخلاف بينها فهو القدر الذي يسمح به كل منها بحيز لفكرة الحقيقة التاريخية ، وسط انهماكها في النصوص والدلالات اللانهائية المتولدة عنها، وهي تختلف كذلك في مدى تقبلها لمقولة فريدريك جيمسون أن التاريخ «أفق لا يمكن تجاوزه».
6
على الرغم من وجاهة رأي كريستوفر نوريس؛ إذ النصية هي السمة الأبرز التي تشترك فيها معظم تيارات ما بعد الحداثة على اختلافها، إلا أن هذه واحدة من أسس عديدة أخرى تبنى عليها وتشترك فيها هذه التيارات، سنحاول العرض لها تفصيلا كما يأتي: (1) ضد السلطة
هي القيمة الأبرز والأهم، وهي الأصل الذي تفرع منه باقي القيم الأخرى. وباختصار يمكن النظر إلى ما بعد الحداثة على أنها الثقافة التي تجتهد في البحث عن السلطة في كل شيء كي تهدمها؛ سلطة التاريخ، السلطة السياسية، سلطة الخطاب، سلطة المجتمع والأسرة، سلطة العقل والحقيقة والميتافيزيقا، سلطة الشمولية والكلية، سلطة الإعلام والصورة والفن.
ولا يشير مفهوم السلطة عند فلاسفة ما بعد الحداثة إلى شيء محدد المعالم يمكن الإمساك به وتحديده، إنما هو مفهوم فضفاض يتسرب إلى كل مجالات الحياة وظواهرها، وهو ذو مستويات متعددة وأشكال خفية كامنة خلف كل خطاب من الخطابات التي تحيطنا، ذلك إذا اعتمدنا تعريف فوكو للخطاب من أن كل ظواهر المجتمع يمكن النظر إليها على أنها أنظمة خطابية. والنتيجة أن العالم خطاب، والتاريخ خطاب، والعالم سلطة، والخطاب سلطة، والحقيقة سلطة، والتاريخ سلطة والفيلسوف هو أيضا سلطة، سلطة الأستاذ؛ يقول رولان بارت: «ها نحن نرى أن السلطة حاضرة في أكثر الآليات التي تتحكم في التبادل الاجتماعي رهافة، في الدولة، وعند الطبقات والجماعات، ولكن أيضا في أشكال الموضة والآراء الشائعة، والمهرجانات، والألعاب، والمحافل الرياضية والأخبار والعلاقات الأسروية
Familialism
والخاصة، بل وحتى عند الحركات التحررية التي تسعى إلى معارضتها.»
7
Неизвестная страница