أما الرأي الثاني فيرى أن المشروع الحداثي الغربي هو «مشروع متأزم في الأساس بحيث يحتاج إلى تصحيح مسار، وأن نهايات هذا المشروع (ما بعد الحداثة) جاءت نتيجة طبيعية لما آل إليه المشروع الحداثي في القرن الثامن عشر (عصر التنوير).»
39
وهذا الفريق يرفض الرؤية التاريخية «لما بعد الحداثة» بوصفها شيئا يأتي بعد «الحداثة»، فما بعد الحداثة كامنة في قلب المشروع الحداثي، بحيث إنها لا تمثل انقطاعا عنه، إنما هي تفعيل لبعض المقولات والأفكار المتضمنة في الحقبة الحداثية. يقول ليوتار: «لا الحداثة ولا ما بعد الحداثة يمكن تحديدهما كحقب تاريخية واضحة، تكون ما بعد الحداثة فيها شيئا يأتي «بعد» الحداثة. يجب القول على العكس من ذلك إن ما بعد الحداثة محايث للحداثة، بما أن الحداثة الزمنية تحمل في داخلها رغبة في الخروج من ذاتها داخل حالة أخرى.»
40
ما يقوله ليوتار هنا يتوافق مع مبادئ المشروع الحداثي بوصفه مشروعا «مفتوحا» يقبل الاختلاف والتطور، كما يتوافق مع حضور النص الحداثي في المؤلفات الكبرى لفلاسفة ما بعد الحداثة، بداية من ليبنتس وسبينوزا مرورا بكانط وهيجل وحتى ماركس ونيتشه وهيدجر.
هذا الحضور للنص الحداثي لا يفهم إلا بكونه محاولة لإعادة النظر في مقولات الحداثة من داخلها، وكما يقول دولوز في «منطق المعنى»
Logique du Sens 1969 «يتعين على الفلسفة أن تبرز في الحداثة شيئا كان نيتشه يحدده كشيء ضد الزمان؛ أي شيء ينتمي إلى الحداثة، ولكنه في الوقت ذاته ينبغي أن ينقلب ضدها، من أجل زمان بديل.»
41
والواقع أن أعمال دولوز كلها تسير في هذا الاتجاه، العمل على نصوص الفلاسفة الحداثيين من أجل إعادة قراءتها وتأويلها بحيث يخرج الفيلسوف في النهاية في صورة جديدة غير المتعارف عليها، وقد اتبع دولوز هذه الطريقة في كتاباته عن هيوم وليبنتس وسبينوزا وبرجسون ونيتشه «لا ينبغي لتاريخ الفلسفة إعادة ما يقوله فيلسوف ما، بل قول ما يضمره بالضرورة؛ أي ما لا يقوله وهو ماثل مع ذلك فيما يقوله.»
42
Неизвестная страница