281

Дурр Манзум

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

لقد حكى لي ثقة أن بعض ولاة بعض الدعاة في زماننا كثر تردده إلى بعض الجهات لقبض الواجبات، وهو كثير الدعاء إلى إمامه، والحث على محبته، واعتقاد إمامته وفضله وبركته، وتسليم الحقوق إليه، وكثير الترغيب في ذلك، حتى أنه بذلك شوق إلى نصر إمامه والتماس البركة منه، فما شعر أهل تلك الجهة حتى وصلهم ذلك الوالي ومعه عبد من الحاكة، عليه ثوب شديد البياض، فظن من ظن من أهل تلك الجهة أن العبد المذكور هو الإمام، وسألوا الوالي عنه، وقال قائلهم: أهذا الإمام الذي تذكره وتدعو إليه؟ ولو جنحت إلى شرح ما يصدر عن العامة في هذا الشأن وغيره مما يعلم به حمقهم وبلههم، ومما يلحق بحكايا المغفلين، لطال الكلام، والأمر في ذلك واضح غني عن الاستشهاد، فكيف يمكن حمل من هذه صفته على ما ذكره الأخ أيده الله؟

قوله: فذلك حمل منه لهم على غير ما ينبغي.

يقال: إن كان المراد على غير ما ينبغي أن يكونوا عليه، فنعم هو كذلك على قاعدة الأصحاب، واللائمة في ذلك على المقدمين لا عن نظر ودليل، وإن كان المراد على غير ما ينبغي منه حملهم عليه، فذلك إنما يتوجه لو كان ذلك الحمل من قبيل الظن المنهي عنه، وأما اليقين المستبين فلا لائمة على من أظهره وصرح به.

قوله: لا يلزم فيما علمه شخص أن يعلمه آخر.

يقال: الأئمة " أهل التنوير والتحديث، وهم أجل من أن يجهلوا حال أهل زمانهم المخالطين لهم مع ظهوره وعدم خفائه، وليس دونهم في الفراسة وقوة الحدس يجهل أن العوام يجهلون دقائق المسائل التي تدق عن نظر النحارير، حتى وقع الاختلاف والخبط الكثير.

قوله: لسنا نسلم أن تسليم العامة الحقوق إلى الأئمة صدر عن تقليد.

يقال : نحن مع معرفة ذلك والقطع به لا نحتاج إلى تسليم، وهو مما لا يعزب عن ذهن ذي الفكر والنظر السليم، والأخ أيده الله تعالى لا يجهل ذلك، ولكنه بنى هذا وأمثاله على أساس علم الجدل وقاعدته، ونسجه على منواله وأبرزه في حلته.

Страница 294