هذا والإمام خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس له إلا الاقتفاء لآثاره، والاهتداء بنوره، وقد ظهر واشتهر ما اتفق وصدر من سيد البشر من إعطاء المؤلفين العطايا الواسعة، وإيثارهم على أهل المناصرة والمشايعة، كما فعل يوم حنين، فإنه أعطى جماعة من المؤلفين كل واحد منهم مائة من الإبل، وخصهم بذلك دون الأخيار من المهاجرين والأنصار، ولم يؤثر أنه أعطى فقيرا ذلك اليوم للافتقار من ذلك عشر المعشار، ولعل المعطين أولئك لا يساوون كلهم ولا يزنون عند الله تعالى آثار أخمص واحد من السابقين الأولين وسادة الأنصار والمهاجرين، وكفى بذلك دليلا واضحا وضوح النهار، ولكن من جهل الأمور خاض فيها بغير اعتبار، ومن اعتلق به هوى النفس جانب مقتضى البصر والاستبصار.
ومما يقضي منه العجب أن هذا المعنى المشار إليه قد يرتكز في ذهن كثير من أرباب الزكاة، الذين لهم مسكة من التمييز، فترى منهم من يسوم الإمام إلى صرف ما أعطاه من واجبه إلا إلى الفقراء، ومنهم لا يثق به في ذلك فيشترط في واجبه أن يوجه للفقراء من عنده، ويكون هو المسلم إليه ذلك من يده، وغفلوا عن كون الإمام أتقى الناس، في الناس وأعرفهم بطرق الخلاص، وأنه لو لم يكن الفضيلة إلا في الصرف إلى الفقراء لكان ذلك ممكنا بغير واسطة الإمام، فكان مقتضاه أن لا يشرع التسليم إليه، ولا يجعل مدار الخلاص عليه، ولو كان المقصود هو الصرف إلى الفقراء -وهو الغرض المهم- لما كان تسليم الحقوق الواجبة إلا إلى الإمام هو الأفضل والأكثر ثوابا والأوفر التسليم إلى الفقير ممكن بغير ذلك مما يقتضي الأفضلية.
Страница 204