391

Дурр Мансур

الدر المنثور في طبقات ربات الخدور

Издатель

المطبعة الكبرى الأميرية

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٣١٢ هـ

Место издания

مصر

وتألف العزلة وتميل إلى الأزياء، ولما كنت على بينة من صفاء نيتها وحسن طويتها وكانت من قلبها ظاهرة للعيان ظهور الشمس في رابعة النهار قلت لها: إنني سأعرض ذكرها في رسالتي، والتمست لها أن تأذن لي في ذلك فلبت طلبي، وأجابت مسؤلي، وصرحت بسذاجة تامة أنها لا مانع من ذلك أصلًا حتى حملني هذا التصريح على أن أسألها عن الطريقة التي تحب بها آتي على ذكرها في هاته الرسالة. فقالت جوابًا عن ذلك إنها على يقين من محبتي لها فهي واثقة بأنني لا يمكن أن أذمها أو أعرض في ذكرها بالسوء ثم قالت: وهب أنك هوجتني أو طعنت علي فلا يؤثر ذلك شيء في قلبي لما أنك ستكتمين اسمي ولا تصرحين به بل إن الانتقاد علي أحسبه مفيدًا جدًا لي لما أنني أضطر على إصلاح الفاسد من صفاتي وأخلاقي.
وأما رفيقتي الثانية فكان اسمها ن ... خانم فكانت تحسن لغتها التركية تكلمًا وقراءة وكتابة على أنها كانت تدل بعلمها وتحسب نفسها فوق درجتها، وهذا الوهم قد بعثها على الوقوف عند الحد الذي كانت فيه فلم تتقدم عن تلك الدرجة شيئًا على أنها لم تكن خالية من الذكاء، وكانت أيضًا ميالة إلى مساعدة غيرها، راغبة في فائدة السوي وكانت ودودة راسخة في الصداقة لأحبائها تكره الأزياء إلا أنها كانت تضطر عند الذهاب إلى الولائم وجميعات الأفراح أن تجاري غيرها في الاكتساء بألبسة على آخر طرز، وأما في سائر أوقاتها فكانت تلبس الألبسة التركية وهذه الألبسة التركية هي عبارة عن ثوب بسيط مما يقال له: ثوب الغرفة على أن هذا الثوب إن لم يكن يعرف حقيقة ما إذ كان يصح أن يقال له ثوب تركي إلا أنه يستعمل على هذه الصورة.
وجملة القول أن السيدة "ن" كانت تميل إلى الأزياء التركية في حين إن السيدة (ص ...) كانت لا تهوى ولا تحب سوى الألبسة الافرنجية.
وكانت السيدة (ص ...) كثيرة الملل والضجر في ذاك الصباح لأنها قد اضطرت على عمل ثوب جديد للذهاب به إلى أحد الأفراح كلفها ٣٥ ليرة، وحيث أن الزفاف تأخر إلى فصل الشتاء مست الحاجة إلى عمل ثوب آخر إذ أن الثوب الأول لا يصلح للفصل المذكور وفضلًا عن ذلك فإنها لو قصدت أن تلبس ثوب السنة الماضية الذي لم تلبسه أصلًا لامتنع عليها الأمر بسبب ما طرأ على الزي من تغير، وقد صرحت هذه السيدة بضجرها وكدرها من التغيرات المذكورة ومن غلاء الأسعار في قيم الأقمشة وغيرها من صاحبات الأثواب ذاكرة أنها ابتاعت ذراع التخريم بثلاث ليرات، ونظرًا لتغير الزي الأول قد أحوجها الأمر إلى طرحه في زاوية الاهمال.
وكانت السيدة (ص ...) تروي أسباب كدرها على الوجه المذكور غير أن السيدة (ن ...) التي كانت تكره الأزياء قد أدت بها تلك الرواية إلى الحدة والانتقاد، فصرحت بما أورثها بيان تلك السيدة من التأثر والكدر، ثم عقب ذلك جرت المباحثة الآتي بيانها بين السيدتين فقالت السيدة (ص ...): إنني منذ السنة الماضية قد ازددت سمنًا بحيث إن مشد الألبسة قد ضاق علي فهل يمكنني أن أجد من جنس القماش من أجل توسيعه، وعلى كل فإنني لو وضعت له قماشًا بسيط اللون لوجب مزجه لا فقط من جهة الصدر بل من سائر أطرافه.
قالت السيدة (ن ...): (كلا لا يجب أن تحملي نفسك ثقلة لهذا الأمر) .
قالت "ص" لها: ولماذا؟ قالت: ربما هزلت إلى أن يحل الأجل المضروب فحينئذ ينطبق عليك المشد كما يلزم.

1 / 406