مقاساته في الطلب وخروجه إلى مكة:
كان ابن حجر ﵀ يتردد على مكة المكرمة، وقد جاور بها في بعض السنين.
وأول زيارة سنة (٩٣٤ هـ) مع شيخه البكري.
ثم مرة ثانية سنة (٩٣٨ هـ) .
ثم في سنة (٩٤٠ هـ) قرر الرحلة إلى مكة والإقامة بها، وكان سبب خروجه من مصر ما حصل من سرقة بعض كتبه من قبل بعض الحسّاد، وهو كتابه «بشرى الكريم» الذي شرح به العباب شرحا عظيما، ولم يزل متأثرا بذلك الحادث، حتى إنه كان كثير الدعاء بالعفو عن ذلك الفاعل، ويقول:
سامحه الله وعفا عنه.
وقال ذاكرا مجاهداته والشدائد التي عاناها: (قاسيت في الجامع الأزهر من الجوع ما لا تحتمله الجبلة البشرية لولا معونة الله وتوفيقه، بحيث إني جلست فيه نحو أربع سنين ما ذقت اللحم إلا في ليلة، دعينا لأكل فإذا هو لحم يوقد عليه، فانتظرناه إلى أن ابهارّ الليل، ثم جيء به، فإذا هو يابس كما هو نيء، فلم أستطع منه لقمة.
وقاسيت أيضا من الإيذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشد من ذلك الجوع، إلى أن رأيت شيخنا ابن أبي الحمائل قائما بين يدي سيدي أحمد البدوي، فجيء باثنين كانا أكثر إيذاء لي، فضربهما بين يديه فمزقا كل ممزق) «١» .
كل هذه الأسباب كانت حاملة له على مغادرة مصر والإقامة بمكة، فسكنها لمدة (٣٤) سنة، حتى توفي بها، وكان منزله بالحريرة قريبا من سوق الليل، كما كانت له خلوة برباط الأشرف قايتباي بقرب المسجد الحرام.
_________
(١) مقدمة «الفتاوى الفقهية» (١/ ٥) .
1 / 12