التسمية الثالثة: التوحيد
لقد صنف الإمام ابن خزيمة ﵀ كتابًا في العقيدة وأصول الديانة، وسماه: كتاب التوحيد، ومثل هذا نجده في كتب المحدثين أحيانًا، كما في صحيح البخاري، فإنه وضع كتابًا في صحيحه سماه: كتاب التوحيد
وهلم جرا.
فتسمية هذا العلم بالتوحيد، هي تسمية له بأشرف مسائله ومقاصده، فإن ما يسمَّى بمسائل العقائد، والكليات والضروريات من الديانة، المراد منها: تحقيق توحيد الله ﷾، فإنه يصح لك أن تقول: إن حقيقة الإسلام كله من أوله إلى آخره هي: تحقيق التوحيد لله ﷾؛ لأن الله يقول: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٨ - ١٩] ويقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣] ويقول في سياق آخر: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران:٨٣] فالمسائل الواجبة؛ بل حتى المسائل المستحبة هي من تحقيق التوحيد؛ لأن التوحيد معناه: عبادة الله ﷾، والإقبال على طاعته، والإخلاص له، واتباع ما أنزله.
ومعلوم أن كل فعل أو قول يقوم به العبد على جهة التدين لله، فهو تحقيق لهذه العبودية، فإن التوحيد: هو العبودية لله، فإذا فعل العبد مستحبًا، فضلًا عن الواجب، أو ما إلى ذلك من سبل الخير؛ فهو من توحيد الباري ﷾، ولذلك قال النبي ﷺ كما في الصحيحين: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، زاد الإمام مسلم: (فأعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، فكل هذه المسائل تدخل في تحقيق التوحيد ومعناه.
إذًا: سُمِّي هذا العلم بهذا الاسم من باب التسمية له بأشرف مقاصده، وأوائل مسائله، فإن هذا العلم إذا ذُكر فأول ما يقرر فيه: التقرير لربوبية الله وكماله في أفعاله وصفاته، والتقرير لفردانيته ووحدانيته في العبودية، وأنه المعبود وحده بالحق، وأنه لا يُصرف شيء من العبادة لغيره.
وهذا هو معنى كلمة التوحيد التي هي فاتحة دين المسلمين، بل فاتحة دين المرسلين، فإن الله قد بعث جميع المرسلين بالدعوة إلى (لا إله إلا الله) وهذه الكلمة متضمنة للإقرار لله ﷾ بالربوبية، وهي أيضًا تحقيق وتقرير بأنه ﷾ هو المعبود وحده بحق، فلا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله ﷾.
إذًا: هذه التسمية تسمية مناسبة.
1 / 6