Duroos by Sheikh Ibn Jibreen
دروس للشيخ ابن جبرين
Жанры
سبب تفضيل السلف على من بعدهم
وأما البحث الثاني فهو: لماذا فضلوا على من بعدهم؟ والسبب أنه قد ورد الشرع بتفضيلهم ووردت السنة بأفضليتهم، فذكر الإمام أحمد في رسالته في الصلاة أن النبي ﷺ قال: (أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم، وأبناؤهم خير من أبنائهم)، يعني: أن الخيرية تكون للأول، ولا شك أن الأولين حازوا قصب السبق وهو صحبة النبي ﷺ، فكانوا أفضل ممن بعدهم، ولهذا اتفقوا على أن الصحابة ﵃ عدول تقبل روايتهم، ولم ينقل على أحد منهم ضعف ولا كذب ولا رد في رواية ولم يجرح أحد منهم في الرواية، بل قبلت روايتهم كلهم، واتفقوا على أنهم كلهم عدول، فهذه من ميزاتهم.
وثبت أيضًا في الصحيح قول النبي ﷺ: (خير الناس قرني -أي: القرن الذي بعثت فيهم- ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويقولون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)، أي: السمنة؛ فهذا دليل على أفضليتهم، وعلى أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الوجود، فأفضلهم القرن الأول الذي انقضى بسنة مائة، ويليه القرن الثاني الذي انقضى بسنة مائتين، ويليه القرن الثالث الذي انقضى بثلاثمائة.
هذا إذا عبر عن القرن بأنه مائة سنة، ومنهم من يقول: إن القرن هم الجماعة الذين يتواجدون في زمان واحد وتتقارب أعمارهم ثم يفنون، فآخرهم هو آخر القرن.
وعلى هذا يحمل حديث: (أنتم خير من أبنائكم)، أي الصحابة خير من أبنائهم (وأبناؤكم خير من أبنائهم)، أي: أبناء الصحابة خير من أولادهم.
ولا شك أنهم في ذلك الزمان أو في تلك القرون كان فيهم الفضل والشرف والعقيدة السليمة، ولم تظهر فيهم البدع والمحدثات، وإذا ظهرت بدعة كانت مضطهدة وأهلها أذلة، فكانوا بذلك أفضل من غيرهم.
وكانوا مع ذلك قدوة لمن بعدهم، ولهذا تتخذ أقوالهم حجة لا سيما علماؤهم وعبادهم الذين تبصروا في دين الله، وعبدوا الله على نور وبرهان؛ وذلك لأن العلماء حسنوا الظن بهم، بحيث جعلوا الأصل فيهم أنهم لا يعملون إلا عن دليل، ولا يقولون إلا عن توقيف، ولا يروون إلا عن تثبت، ولذلك تقبل مراسيل الصحابة بالاتفاق، ومراسيل كبار التابعين فيها خلاف، ولكن يترجح أنها تقبل إذا دلت القرائن على صحتها ولو لم تثبت مسندة.
وهكذا أيضًا أقوالهم التي يذهبون إليها تتخذ دليلًا، فيقال: هذا القول قد سبقنا إليه فلان الصحابي، أو قد قال به قلبنا من التابعين فلان وفلان، وهم من العلماء الأجلاء الذين لا يقولون إلا عن توقيف.
3 / 3