الخالية؛ فأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها، وينتهى إلى رأيها، مهد بهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، تحيا القلوب بأخبارهم، وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم; فحفظ الله لهم دينهم حفظا لم يحفظ به دينا سواه.
وذلك أن نبي هذه الأمة، هو خاتم النبيين، لا نبي بعده، يجدد ما دثر من دينها، كما كان دين من قبلنا من الأنبياء، كلما دثر دين نبي جدده نبي آخر يأتي بعده، فتكفل الله بحفظ هذا الدين، وأقام له في كل عصر حملة ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتمويه الزائغين، ميزوا ما دخل فيه من الكذب والوهم والغلط، وضبطوا ذلك غاية الضبط، وحفظوه أشد الحفظ.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم، حتى إنه ليتكلم بالكلمة الجامعة العامة، التي هي قضية كلية، وقاعدة عامة، تتناول أنواعا كثيرة، وتلك الأنواع تتناول أعيانا لا تحصى، والنصوص بهذا الوجه محيطة بأحكام أفعال العباد، اقتضت حكمة الله تعالى أن نصب للناس أئمة هدى من أهل الدين والإيمان، والتحقيق والعرفان، يخلفون النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون أمته ما قاله، ويفهمونهم مراده، بحسب اجتهادهم واستطاعتهم; وأعلمهم وأفضلهم: أشدهم تمسكا بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وأفهمهم لمراده، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم،
Страница 10