بِالِاتِّفَاقِ، وَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ إلَى حِينِ نُزُولِهَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «عَنْ جَابِرٍ ﵁ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ» .
وَلِمَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ «إذَا أَحْدَثَ امْتَنَعَ مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا» حَتَّى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ جَوَابَ السُّؤَالِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ إلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْوُضُوءُ بِالْوَحْيِ الْغَيْرِ الْمَتْلُوِّ أَوْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ حِينَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» فَإِنْ قِيلَ إذَا ثَبَتَ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ قُلْنَا لَعَلَّهَا لِتَقْرِيرِ أَمْرِ الْوُضُوءِ وَتَثْبِيتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ وَيَتَسَاهَلُونَ فِي مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَنٍ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ وَأَيْضًا إذَا وَرَدَ فِيهِ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ يَتَأَتَّى اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ
(غَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً) لِأَنَّ أَمْرَ فَاغْسِلُوا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَجْهُ (مَا بَيْنَ مَنْبِتِ الشَّعْرِ غَالِبًا) هَذَا الْقَيْدُ يُخْرِجُ النَّزَعَتَيْنِ وَهُمَا جَانِبَا الْجَبْهَةِ يَنْحَسِرُ الشَّعْرُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْبِتِ الشَّعْرِ: مَحَلُّ نَبَاتِهِ غَالِبًا سَوَاءٌ نَبَتَ أَوْ لَا.
(وَ) بَيْنَ (أَسْفَلِ الذَّقَنِ، وَالْأُذُنَيْنِ) وَبِهِ يَتِمُّ تَحْدِيدُ الْوَجْهِ بِحَسَبِ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَلَمَّا اقْتَضَى هَذَا التَّحْدِيدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلَ الْوَجْهِ أَنْ يَجِبَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ) أَقُولُ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُبُوتُ الْوُضُوءِ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمَسْحُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَدْ أَثْبَتُوا الْوُضُوءَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَكِنَّهُمْ أَنْكَرُوا بَقَاءَ جَوَازِ بَقَاءِ الْمَسْحِ بَعْدَ النُّزُولِ لِظَنِّ نَسْخِهِ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَأَثْبَتَ الْمَاسِحُ بَقَاءَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا أَسْلَمْت بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَمَحَلُّ هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى بَقَاءِ جَوَازِ الْمَسْحِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ، وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْوُضُوءِ قَبْلَ نُزُولِ آيَتِهِ دِرَايَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَفْرُوضًا وَمَنْقُولُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فُرِضَ بِمَكَّةَ وَنَزَلَتْ آيَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَزَعَمَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَنْدُوبًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ هَذَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ جَابِرٍ صَوَابُهُ عَنْ جَرِيرٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَلَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَإِسْحَاقُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ «بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ نَعَمْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» .
قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ إبْرَاهِيمُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِمَا - قَوْلُهُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] فَلَوْ كَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ﵁ قَالَ: مَا سَمِعْت فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ ﵁ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
قُلْت وَإِمَامُ جَابِرٍ ﵁ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى بِعَامٍ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ مَعَ النَّفَرِ السِّتَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعُدُّ مِنْ النَّفَرِ السِّتَّةِ عُتْبَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ النِّبْرَاسِ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ ﵃ أَجْمَعِينَ - (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَسَلْته غَسْلًا وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ أَيْ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَالْمَاءُ الَّذِي يَغْتَسِلُ بِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَالْغَسْلُ إسَالَةُ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَعَدُّدِ الْقَطَرَاتِ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ الْمَحَلُّ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ وَلَا يَغْسِلُ دَاخِلَ الْعَيْنِ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ إنْ غَمَّضَ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَلَوْ تَرَمَّصَتْ عَيْنُهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ
1 / 7