(قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ، وَالزَّبُورِ، وَالْإِنْجِيلِ لَا) قِرَاءَةُ (الْقُنُوتِ) لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ (وَلَا يُكْرَهُ لَهُ مَسُّ الْقُرْآنِ بِالْكُمِّ) عَلَى مَا سَبَقَ (وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلَ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلَانِ بِهِ فَقَالَ (وَيَجُوزَانِ) أَيْ الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ (بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْعَيْنِ، وَالْبِئْرِ، وَالْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) أَيْ تَسْخِينَهُ بِالشَّمْسِ (وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَائِلُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَفِي قَوْلِهِ " قَصَدَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا.
(وَ) يَجُوزَانِ (بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْمِلْحُ) كَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ (لَا بِمَاءِ الْمِلْحِ) أَيْ الْحَاصِلِ بِذَوَبَانِ الْمِلْحِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالثَّانِيَ انْقَلَبَ إلَى طَبِيعَةٍ أُخْرَى (وَإِنْ مَاتَ) أَيْ يَجُوزَانِ بِالْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ (فِيهِ) أَيْ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ (غَيْرُ دَمَوِيٍّ) أَيْ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلًا (كَالزُّنْبُورِ)، وَالْعَقْرَبِ، وَالْبَقِّ، وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهَا (أَوْ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ كَالسَّمَكِ)، وَالسَّرَطَانِ، وَالضُّفْدَعِ وَنَحْوِهَا، وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ (أَوْ خَارِجَهُ) عَطْفٌ عَلَى فِيهِ أَيْ وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ (فَأُلْقِيَ فِيهِ) يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ فَأُلْقِيَ فِيهِ (لَا مَائِيُّ الْمَعَاشِ وَبَرِّيُّ الْمَوْلِدِ) عَطْفٌ عَلَى مَائِيِّ الْمَوْلِدِ (كَالْبَطِّ)، وَالْإِوَزِّ فَإِنَّ مَوْتَهُ فِي الْمَاءِ يُفْسِدُهُ (كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ (سَائِرُ الْمَائِعَاتِ) فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ غَيَّرَ) عَطْفٌ عَلَى مَاتَ (أَوْصَافَهُ) أَيْ أَوْصَافَ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ وَهِيَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ (مُكْثٌ أَوْ طَاهِرٌ جَامِدٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ هَكَذَا أَوْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ طَاهِرٌ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَحَدِ احْتِرَازٌ عَمَّا فَوْقَهُ حَتَّى قَالَ إذَا غَيَّرَ الْوَصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ أَوْ الْبَاقِلَاءَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ جَوَازُهُ حَتَّى أَنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَتُغَيِّرُ مَاءَهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَأَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَيْهِ وَلَكِنْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى رِقَّتِهِ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَارَ بِهِ ثَخِينًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي (كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ وَفَاكِهَةٍ وَوَرَقٍ فِي الْأَصَحِّ) إشَارَةٌ إلَى مَا نَقَلَ مِنْ الْيَنَابِيعِ، وَالنِّهَايَةِ (إنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ) قَيْدٌ لِلْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ غَيَّرَ أَوْصَافَهُ (مَا غَيَّرَ أَحَدَهَا) أَيْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ (نَجَسٌ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ ﵊ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» هُوَ النَّجَسُ لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا (وَبِجَارٍ) عَطْفٌ عَلَى مَاءٍ يَنْعَقِدُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمَاءِ الْجَارِي فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي وَهُوَ مَا (يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) وَقَعَ (فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يُرَ) أَيْ لَمْ يُدْرَكْ.
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشُبْهَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ أُبَيًّا ﵁ كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْمُطَابَقَةِ.
(فَرْعٌ مُهِمٌّ): لَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ هَذَا أَفْضَلُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
[أَحْكَام الْمِيَاه]
[الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبِئْرِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ]
(قَوْلُهُ: وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) يَعْنِي بِلَا كَرَاهَةٍ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.
، وَالْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَائِعِ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ بَرِّيُّ الْمَوْلِدِ وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ نَجَّسَهُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا غَيَّرَ أَحَدَهُمَا نَجَسٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَلِيلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَلِأَنَّ عَطْفَهُ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ ﵇. . . إلَخْ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ﵀ لِاعْتِبَارِهِ الْأَوْصَافَ مُطْلَقًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . . . إلَخْ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَلَى جُزْءِ الدَّعْوَى.
(قَوْلُهُ: فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي) أَقُولُ لَمْ يَقَعْ مُخْتَارًا فِي الْهِدَايَةِ بَلْ نُقِلَ فِيهَا عَلَى صِيغَةِ الضَّعْفِ وَعِبَارَتُهَا
1 / 21