وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ (وَلَمْ يُكْرَهْ) مَسُّهُ (بِالْكُمِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ لِلْحَائِضٍ وَالْجُنُبِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ (وَرُخِّصَ الْمَسُّ بِالْيَدِ فِي) الْكُتُبِ (الشَّرْعِيَّةِ إلَّا التَّفْسِيرَ) ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهِ (وَلَا) يَمَسُّ (دِرْهَمًا فِيهِ سُورَةٌ) قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْآيَةُ (إلَّا بِصُرَّةٍ وَإِنْ جَازَ قِرَاءَتُهُ) فَرَّقَ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَسِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُ الْيَدِ لَا الْفَمِ، وَاسْتَوَيَا فِي الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ حَلَّا بِالْفَمِ وَالْيَدِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِيهِمَا وَلَا تَرِدُ الْعَيْنُ لِأَنَّ الْجُنُبَ حَلَّ نَظَرُهُ إلَى الْمُصْحَفِ بِلَا قِرَاءَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَكُرِهَ دُخُولُهُ) أَيْ الْمُحْدِثِ (مَسْجِدًا) مِنْ الْمَسَاجِدِ (وَطَوَافُهُ) بِالْكَعْبَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَالْحَيْضِ، وَالْجَنَابَةِ.
[أَحْكَام الْغُسْل]
[فَرَائِضُ الْغُسْلِ]
(فَرْضُ الْغُسْلِ) الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ الِاعْتِقَادِيَّ وَالْعَمَلِيَّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ (غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَ) سَائِرِ (الْبَدَنِ حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ وَ) غَسْلُ (السُّرَّةِ وَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ وَجَمِيعِ اللِّحْيَةِ) أَيْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ اللِّحْيَةِ كَمَا يَجِبُ إلَى أُصُولِهَا إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ (لَا) غَسْلُ (مَا فِيهِ حَرَجٌ كَالْعَيْنِ وَثَقْبِ الْفَمِ) لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] فِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ثَقْبِ الْقُرْطِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ وَكَذَا إنْ انْضَمَّ بَعْدَ نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ فِيهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ أَيْضًا (كَذَا) أَيْ كَالْعَيْنِ فِي الْحَرَجِ (نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ غَسْلُهَا (وَكَفَى بَلُّ أَصْلِهَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (لَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهِ) حَيْثُ يَجِبُ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَسُنَّتُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (الْبَدْءُ بِمَا ذَكَرَ فِي
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ، وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ اهـ.
وَلِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَجَافِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْكُمُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْجِلْدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ: هُوَ الْجِلْدُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ) قَدْ عَلِمْت تَعَيُّنَ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا) أَقُولُ عِبَارَةُ الْكَافِي: وَلَا يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: فَرْضُ الْغُسْلِ) الْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ، وَالْغُسْلُ يَعْنِي بِهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ وَهُوَ لُغَةً: بِضَمِّ الْغَيْنِ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَاصْطِلَاحًا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْبَدَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ لَا اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَيُدْخِلُهُ أَيْ الْمَاءَ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا.
وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً اهـ.
(قُلْت) يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ يُمْكِنُ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّاخِلِ قَالَ الْكَمَالُ: وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
(قَوْلُهُ: كَذَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀: أَنَّهَا تَبُلُّ ذُؤَابَتَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجِبُ بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ،.
وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ، وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ.
، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ.
1 / 17