فلوح الآخر كأنما يشير إلى القبور وقال: في كل شيء، أعني الأمور الجديدة التي تتطلب أسرع الحلول، طبعا عليك أن تشرع فورا في إجراءات إثبات الوراثة، وقبل ذلك علينا أن نستشير المحامي بصفة رسمية، بعد ذلك تصبح أنت والست أختك المالكين - وحدكما إن شاء الله - للبيت ونقود البريد.
فهز عبد العظيم رأسه بالإيجاب، ولكنه حسب للمجهود ألف حساب. وقرب الآخر فمه من أذنه كأنما يخشى أن يسمعه من في القبور وقال: الحق أن المتاعب ستبدأ بعد ذلك. - المتاعب قبل ذلك. - أتظن هذا؟! ماذا تعرف عن مهمة أصحاب البيوت؟
فقال عبد العظيم بقلق: لا أدري، هل ثمة شيء خلاف تحصيل الإيجار في أول الشهر؟ - وكيف يحصل الإيجار في أول الشهر؟
فابتسم عبد العظيم في حيرة دون أن ينبس فقال الحاج: واحد يدفع وعشرة يتهربون، هذا يجب أن تمهله أسبوعا، وذاك وقعت له مصيبة ويطلب التأجيل إلى الشهر القادم، وثالث لن تجده في مسكنه أبدا، ورابع وخامس، أنت لا تعرف أهل حينا ولا سكان هذا البيت بصفة خاصة، الله يرحم عمتك، كانت مجاهدة عظيمة، ولكن أنت، الموظف المحترم، المؤدب المهذب، ماذا تستطيع أن تفعل؟
فقال عبد العظيم، وهو يشعر بأن جدارا يرتفع أمامه ليخفي عن عينيه أحلامه العسلية: في البلد قانون! - إذن فلتلزم نقطة البوليس، ولتسكن في مكتب محام. - الدنيا ما تزال بخير.
فقال الآخر بتوكيد: البيت كالعروس الجديدة، مرة ترجع إليك؛ لأن زوجها ضربها، ومرة لأن حماتها شتمتها، ومرة لأن المصروف غير كاف، صدقني أن هذا هو حال البيت، الحنفيات خربت، دورة المياه انسدت، السلم تشقق، وهذا هو وجع الدماغ الأصلي.
تجهم وجه عبد العظيم وشعر بضيق شديد، ورمق صاحبه بنظرة استياء، ثم سأله: ماذا تقصد؟
فقال الحاج بصراحة مذهلة: بعه!
فقطب عبد العظيم مستنكرا، ولكن الآخر قال: أنا رجل صريح، لا أخفي عنك أن البيع مفيد لي، كل بيع أو شراء في حينا مفيد لي، ولكن هذه الصفقة مفيدة أكثر لك أنت، هذا هو المهم، أنا لا أكذب عليك فأقول إني أراعي مصلحتك، الحق أني أجري وراء مصلحتي، ولكنها في هذه الحال مصلحتك أيضا، ستأخذ ألفا أو ألفا وخمسمائة، إن شاء الله ألفين، وستستغلها استغلالا أحسن، وبعيدا عن وجع الدماغ.
فكر عبد العظيم في الأمر باهتمام جدي، لكنه تمتم متظاهرا بالجزع: يا لها من خسارة! - أبدا وحياتك! سيكون المبلغ كله بين يديك، بما فيه نصيب أختك، لن تجد معارضة من ناحيتها أبدا، فيمكن أن تستغله باسمك وباسمها، وهي وحيدة، لا أحد لها في الدنيا سواك، وسيئول كل المال إليك وإلى أولادك من بعدك!
Неизвестная страница