الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
مقدمة الدمية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
أحمد الله على ما أسبغ من أذيال أفضاله، وأشكره على ما أفرغ من سجال نواله، حمدا يقتضي كلّ يوم جديد صنعا جديدا وشكرا يمتري «١» كلّ وقت مزيد برّا مزيدا، وأخصّ نبيّه محمدا المحمود طرائقه في الدلالة، الممدود سرادقه في الرسالة، بتحيات متضاعفات يضعّف الحاسب تضاعفها [١]، فيفوق الحدّ، ويفوت العدّ، قفاء صلوات مترادفات، يضع الترادف آذان لواحقها، بين أصلاء «٢» سوابقها، فتكبو بالإفاضة [٢] في حلبات نسيمها دخن الكباء «٣»، وتسرّ [٣] باستعارة نفحات شميمها سرر «٤» الظّباء، ما نفحت السّحب
_________
[١]- في ب ٣: تضاعيفها.
[٢]- في ب ٣ ول ١ وف ٢: بالاضافة.
[٣]- في ل ١: وتسير.
1 / 13
بذنابها، ولألأت الفور «١» [١] بأذنابها.
وأقول بعد: [٢] إني منذ ناست «٢» على الشّطاط عذبة ذؤابتي، وأومضت للمتفرّس المتصوّب [٣] المحتاط مخيلة نجابتي، وآنس مني والدي، ﵁، في متصرّفات أحوالي رشدا. وكشف عن وجوه الحقائق أغطية من الظنون ربدا «٣» [٤]، وكحّل بإثمد «٤» البصائر أبصارا قرحى الجفون رمدا، فشغل بي وكده وكدّه، وحبس عليّ وهمه وهمّه، وصرف عنايته إلى جذب لضبعي «٥» وشحذ لطبعي، نظر المثقّف بأناته في كعوب قناته، حتّى يقوّم سنادها، ويثقّف منآدها «٦» [٥]، وباشر أمري بجدّ كعلوّ الجدّ، وودّ لي أن أكون في مجالس الفضلاء
_________
[١]- في ف ١: النور.
[٢]- في ل ١: بيد.
[٣]- في با وح وب ٣ وف كلها: المتصون.
[٤]- في ف ١: أبدا.
[٥]- في را: ميادها.
1 / 14
أرسى من الودّ. ولم أزل حرك [١] الحرص على الرّتوع من أكلاء «١» الفضل، بين الخلّة والحمض. قلق التّشوّق إلى التفكّه بثمار الأدب الغضّ، صادق الرغبة في أخذ الحظّ من راحه بالغبّ ومن تفّاحه بالعضّ، عزمة مني على صياغة [٢] الشّعر، تبيض في فؤادي، وتفرّخ في رأسي، وهمّة في إشاعة الذكر، تطير [٣] نواهض فراخها بأجنحة من أنفاسي.
ولمّا [٤] فرغت من حفظ كتاب الله ﷿، وهو الحلي الّذي يتزيّن بلبسه العاطل، والحقّ الذي لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه الباطل، وغنيت قرير ناظر العين بصوره المجلوّة، قرين ناضر العيش بسوره المتلوّة، وارتفع عن مثاقفة المتعلّمين [٥] أمري، وكبر [٦] عن تقلّد طوقهم عمري، وذهبت بنفسي عن أن أكون قرين المقرنين، ألقيت الألواح دأبا موسويّا، وتمثّل بحذاء عيني شخص الأدب خلقا
_________
[١]- في ح وف ٣ وف ١: حرد.
[٢]- في ف ٣: صناعة.
[٣]- في ح: تطير في.
[٤]- في ب ٣ وف ١: فلمّا.
[٥]- في ب ٣ ول ١ وف ١: المعلمين.
[٦]- في ب ٣: وأكبر.
1 / 15
سويّا، فضمّ والدي- ﵀ إليّ من الأدباء كلّ موثوق به مستوثق منه، استظلّ براية الدّراية، وتميز من بين أكفائه [١] بحسن الكفاية. وجعل يصقل من حسامي ما يطبعه الأديب، ويريش من سهامي ما يفوقه «١» [٢] التأديب، ثاقب العزيمة كما يلسن [٣] في الظلام شواظ النار، نافذ الصّريمة، كما طنّ في العظام ذباب «٢» البتّار. وأنا منيخ على المواظبة بالثّفنات «٣» الخمس، أسقي كلّ يوم على رجاء ثمرة الغد [٤] غراس أمس، مغرى بملاحظة الصّحف، مغرما بمطالعة الكتب. ألزمها العين شطرا فشطرا، وأكاد أقشرها بمحكّ النّظر سطرا فسطرا، وبلغني أنّ بعضا من جناة ثمرتي ورماة مدرتي «٤»، يزعم أنّ عليّا قد أنجب به إزمان والديه [٥]، وليس كذا ولا ردّا عليه،
_________
[١]- في ب ٣: الكفاية.
[٢]- في با: يعوقه.
[٣]- في ب ٣ وب ١: تلسن.
[٤]- في ب ٣: للغد.
[٥]- في ب ٣: والده.
1 / 16
ولكن ربّما أخلف وميض [١] المزن الواعد، وكذب صلف «١» تحت الغيم الراعد [٢]، وما عندي من هذه الصّناعة إلّا تكثير [٣] سوادها. وإن كنت فسكل «٢» آمادها «٣»، وكلفا في دارات بدورها، وريما «٤» من فضلات جزورها. ولما أضرّ بي طول الجمام، وقرمت «٥» إلى علك شكيمة اللّجام، خلعت عذاري على الاستنان «٦»، ورقصت مرحا في سير العنان، ونزعت الأخيّة «٧» [٤] أرنا «٨» واستقبلت وطرا وودّعت وطنا وذلك في شهور سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. وعهد الصّبا مخيّم ما انتقل، والوجه بالنبت موشم همّ
_________
[١]- في ح وب ٣ ول ١: ومض.
[٢]- في ب ٣: الواحد.
[٣]- في ف ٣ وف ١: تكثر.
[٤]- في را: الآخية.
1 / 17
وما بقل، والخطّان المتورّدان من يمينه ويساره لم يتصافحا، والضّدّان المتناقضان من ليله ونهاره لم يتصالحا.
وسرت على اسم الله تعالى جدّه، والمشيّعون يذرّون «١» على الهواء [١] فتات الأكباد، والمودّعون يزرّون «٢» لعناق التوديع أعضادهم على الأجياد، فلم يثن عناني عمّا عناني من الإيضاع «٣» مقلة ينبوع، ولا زمّني عمّا أهمّني من الإسراع بنانة أسروع، فعل امرىء جدّ في طلب العلم جدّه، وما رأيه في عسجد يستفيده، ولكنّه في مفخر يستجدّه. فلم يحفل بحمارّة «٤» [٢] قيظ جوّها محموم، ورشحها
_________
[١]- في ح وف ٣: الهواء.
[٢]- في ب ٣ وب ١: حمارة.
1 / 18
يحموم «١»، يتوسّد وحشها ظلّ الأرطاة «٢»، وتسجر [١] رمضاؤها «٣» وطيس «٤» الأفحوص «٥» على القطاة، واعتنق على التهاب الضّرام أمرها، والتقط النقاط النعام جمرها، ولا صبارّة «٦» شتوة؛ ريحها صرّ، وشرّها [٢] شمر، ونحسها- حاشا المجلس العالي- مستمرّ، يرسي قرّها [٣] القطب، ويندف صنبرها «٧» العطب، وتجمد سواقيها كالأحجار [٤]، وتنكفت أفاعيها إلى الأجحار. فلم يرتعد [جسمي] [٥] لأبردي الصباح والرواح، وذمّ الرعدة حتى عاد ينكرها من عادات الرّماح:
_________
[١]- في ح: يستجر، وفي ب ٣ وف ١: يسجر.
[٢]- في ب ٣: شربها.
[٣]- في ب ٣: قربها.
[٤]- في ب ٣: كالأجحار.
[٥]- اضافة في ح وف ٣ وف ١.
1 / 19
وقائلة «١» من أمّها طال ليله ... يزيد [١] بن عمر وأمّها فاهتدى لها
طويل وكفى بالعلم مفخرا، يقدع «٢» [٢] به أنوف المفاخرين، وبالثّناء الجميل مدّخرا، وهو لسان الصدق في الآخرين، والموفّق من إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه، ونكّب عن ذكر العواقب ومدّ [٣] أطناب خيامه على النّجوم الثّواقب. ولهذا من الشأن لا أزال أهبّ على كلّ بقعة مذكورة، وأحطّ رحلي من كورة إلى كورة، وقد ولّيت وجهي شطر الفضلاء والوجاه، وبسطت حجري لالتقاط درر الشّفاه، وتركت [٤] اليراعة، التي هي أنبوب [٥] من رمح البراعة، يطول انضمامها إلى أناملي سادسة لخامسها، والمداد الذي هو (مستقى أرشية «٣») [٦] الأقلام منهلا [منهلّا] [٧] لخوامسها، لا جرم أحمدت سراي [٨] عند الصّباح، ونادى بي داعي الخير: حيّ على الفلاح، وهيّأ الله لي من أمري رشدا،
_________
[١]- في ف ١: زياد.
[٢]- في ف ٣ وف ١: يقزع.
[٣]- في ب ٣: فقد.
[٤]- في ح وف ١: فتركت.
[٥]- في ب ٢: أنبوبة.
[٦]- في ب ١: المستقى بأرشية.
[٧]- اضافة في ح ول ١ وف ١.
[٨]- في ح وف ١: السرى.
1 / 20
وثمّر لي من طول معاناة المخض زبدا، وتحقّق لي كلّ ظن بما [١] تجمّع لي من كلّ فنّ، فكأنّ [٢] الأرض ذلّلت لي على امتناع جوانبها، فمشيت في مناكبها. (وزويت لي) [٣] الفضلاء من مشارقها ومغاربها، وكأني في تخليد آثارهم وتجديد الدارس من آثارهم [٤]، قبليّ من اللواقح «١» السواحب «٢»، ذيولها على الأرض الخاشعة إحياء لمواتها أو ربعي «٣» [٥] من السوافح النوافخ في صور رعدها على الرّوضة الهائجة إنشارا لنباتها. فلله سلّم فيه ارتقيت وأعيان بهم التقيت، ونجوم بأيّهم اقتديت اهتديت، وإن لم يتيسّر الوصول إليها والفراغ منها، إلّا وقد وخط القتير «٤»، وطلع النذير، وانضمّ الخيط الأبيض من الفجر إلى الخيط الأسود من الشّعر، فخلّى الفود مشتعلا والفؤاد مشتغلا، وأضاف الذّود إلى الذود فصارت إبلا، وذلك في شهور سنة أربع
_________
[١]- في ح وف ١: فيما.
[٢]- في ح وبا وف ١: وكأن.
[٣]- في ب ٣ ول ١ وف ٢: ورويت إلى
[٤]- في ح وب ١: أخبارهم.
[٥]- في ب ٣: وارتعى.
1 / 21
وستين [وأربعمائة «١»] [١] . وقد أدركت بنيسابور «٢» من المقيمين [بها] [٢] أبا فضلها، وأخا أفضالها، وابن ميكالها، المستوفي للفضائل بواف من مكيالها، وثعالبيّها أبا منصور «٣»، وأسد الصّناعة في غابة ثعالب، وتصنيفاته للأنس جوال جوالب، وأسلاته «٤» في النّطق والكتابة قواض قواضب، وبلّت يدي من الطارئين عليها
_________
[١]- اضافة في ح ول ١.
[٢]- اضافة في ح.
1 / 22
بالعميد أبي بكر القهستانيّ «١» سميّي وابن سميّ والدي [١]، ومن ديوانه المسموع لي [٢] منه أنفس ما أدّخره من طريفي وتالدي، عهدته بها وبنانه ضرّة «٢» المزن في السّخاء، ولسانه خليفة [٣] السيف في المضاء.
ورأيت بهراة «٣»، سقى الله ماضييها، فما أحسن عصرهما عصرا!! ولم أعن بماضييها إلّا قاضييها [٤] منصورا ونصرا «٤» . وقد حاسيتهما كؤوس الوداد، وراضعتهما لبان [٥] الاتّحاد، واجتنيت من ثمرات
_________
[١]- في ب ٣: ووالدي.
[٢]- في ب ٣: إلي.
[٣]- في ح وف ٣: حليف
[٤]- في ح: قاضيها.
[٥]- في ب ٢ وب ١: رضاع
1 / 23
خواطرهما ما يستحليه كلّ محتس [١] ذائق، ولا يستبشعه إلّا كلّ جبس «١» مائق [٢]، ومدحتهما في الحياة عناية بالودّ، ورثيتهما [٣] بعد الوفاة رعاية للعهد. ولقيت بجرجان «٢» أبا محاسنها، وحسنات الدهر به موفورة، وسيئاتها مغفورة، وعبد قاهرها «٣» ورايات الجهل به مقهورة، وأبا عامرها، وساحات الفضل به معمورة:
أثلّثهم كيما أعطّر [٤] نشرهم ... بذلك، والتثليث أطيب للنّدّ
طويل
_________
[١]- في س: محسن.
[٢]- في ب ٣ وف ٢: مارق.
[٣]- في س: أثيتهما.
[٤]- في ح وف ١: أطيب.
1 / 24
وقصدت بمروّذ «١» [١] أمجديها الموسويّ، وهو صدر جريدتها [٢]، وقاضيها السّمعانيّ «٢»، وهو بيت قصيدتها. وببلخ «٣» شرف سادتها، وجمال صدرها ووسادتها، أبا الحسن محمد بن عبد الله.
وبالرّيّ وزيرها الصفيّ وحمدها [ونحريرها أحمد] [٣] بن فورجة البروجرذيّ «٤» [٤] . وقرنت في إقامة ما يلزمني من مناسكهما بين العمرة
_________
[١]- في با: مروة. وفي را: مرو الروذ.
[٢]- في ف ٣: خريدتها.
[٣]- اضافة في ح وف ٣.
[٤]- في ف ٣: اليزدجردي.
1 / 25
والحج، وجمعت بإعلان لساني تلبية ثنائهما، وإراقة عيني الدّم على بابهما [١] بين العجّ والثّجّ «١» . وبإصفهان «٢» أبا مطهّرها «٣» صاحب «طراز الذهب على وشاح الأدب»، ولعمري إنه البارع في فنون آدابه، والفاضل ملء إهابه. وبهمدان «٤» أبوي فرجها [٢] حمد بن محمد ابن حسيل «٥» [٣]، وهو الصقر الطامح إلى الشرف، وابن أبي سعد
_________
[١]- في ح: نأيهما.
[٢]- في ح: الفرج.
[٣]- في ل ٢: حنبل.
1 / 26
ابن خلف «١»، وهو الخلف الصالح عن السلف. وببغداد ابن شبلها «٢» الخادر في قصبائها وابن نحريرها النحرير بين شعرائها، وابن برهان «٣» الذي أوضح برهان النحو، وأبرز شعاعه من الدّجن إلى الصّحو.
وبالبصرة ابن قصبانيها [١] الحائز في علم الاعراب قصب السباق، المفرغ من بين أعراب [٢] العراق سجل ذلك الفنّ إلى العراق.
_________
[١]- في ح: قصبانها.
[٢]- في ب ١ ول ١ ول ٢: فضلاء.
1 / 27
وبواسط «١» واسطة عقدها ابن بشران «٢»، وهو في النحو من أقران القصبانيّ «٣» وابن برهان. فهؤلاء سادات من عظام الصّدور وصارت صدورهم عظاما، وكبار من هامات الرؤوس أطارت رؤوسهم هاما:
ربا حولها أمثالها إن أتيتها ... قرينك [١] أشجانا وهنّ سكون [٢]
طويل وقد بعثرت من دفائنهم ما تعظم أخطاره عند أولي المروءة، وملكت من خزائنهم ما إنّ مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة «٤» . وربّما
_________
[١]- في ل ٢: تريك. وفي ح: فتريك.
[٢]- في ح: سكوت.
1 / 28
استرقت غفلة من الزمان، وانتهزت فرصة من الحدثان «١»، وانتظمت مع الأديب يعقوب بن أحمد النيسابوريّ «٢» على مباثّة الأشجان، فنتذاكر ممّا هدرت به قرومهم «٣» جراجر «٤»، ونتناشد مما زأرت به ليوثهم زماجر ثمّ نقف منهم على أطلال الماضين نترسّمها، ولا نكاد نعيّنها إلّا أواريّ «٥» لأيا ما أبيّنها [١]، فنباكي حمام الأيك شجوا، ونصوغ [٢] على وزان أسجاعها شدوا، وما أشبّه ذلك الفاضل إلّا بخصب ورثناه في رحالنا من أمداد سيول غاضت فعشنا في معروفها بعد غيضها، أو بعنبر دسره «٦» إلى سواحل أمصارنا أمواج بحور فاضت
_________
[١]- كذا في با وب ٢ وف ١ ول ٢، وفي س: أتبينها.
[٢]- كذا في ح وف ٢، وفي س: نصوح. وفي ب ١: نصوع.
1 / 29
فتلهّفنا على فوات فيضها. هذا ولم أتمكّن من ناصية هذا المركب الجموح، ولا تخلّصت من تشبيب كتابي إلى نسيم الريح الذي هو نسيب الروح [١]، إلّا بما منّ الله تعالى به على الأدب المجفوّ من عواطف الآراء النظامية الرّضوية (زاد الله علاها وضاعف بهجتها) [٢]، [وأظفر رايتها] [٣] وبهاءها، التي لو ولغ «١» في سؤر «٢» إنائها الكواسب الغبش «٣» [٤] لملكتها رقّة على الشوادن الغفر «٤»، وقلعت وقلّمت عنها أخشني الناب والظفر:
ولولا الصاحب اخترع القوافي ... لما سهل الخلاص من النسيب
ومن يثني إلى [٥] ليث هصور ... لواحظه عن الرشأ الرّبيب؟
ولولا عنايته المحيطة بالآداب وإحياؤه آثارها، وإدراكه ثارها،
_________
[١]- في ب ٢: للروح.
[٢]- في ح: ضاعف الله بهجتها.
[٣]- اضافة في ح وف ١.
[٤]- في ل ١: الغبر.
[٥]- في ح وف ١: على.
1 / 30
ورعايته المشتملة على الأشعار، وإعلانه شعارها، وإعلاؤه [١] نارها، لبقيت الفائدة فارة عن مسكها الفائق الطّيب غير مفتّقة، وكمّة عن نورها الفائح الرّطيب غير مفتّحة. إلا أنّ إنعام المجلس العالي الشامل شرقا وغربا، الذاهب غورا ونجدا، كشف عن [وجوه] [٢] أهل الفضل أحوالا تتضمّن أهوالا، وعلّمهم كرمه كيمياء تجعل الآمال أموالا، وأقام ساق العلوم وسوقها، وأربح تجارة من حمل إليه وسوقها «١»، وبنى لنفائس الكتب خزانة اختصر طريق المستعينين [٣] إلى تحصيلها، وكفاهم كلف الأسفار [في طلب] [٤] الأشعار [٥] بضمّ شتاتها، وفذلكة «٢» تحصيلها [٦]، وحبس عليها أوقافا دارّة تدرّ عليهم [٧] ألطافا بارّة، فأصبح كلّ منهم ممتلىء الصرّة على فراغ الجنان،
_________
[١]- كذا في ح. وفي س: اعلانه.
[٢]- اضافة في ح وب ١ وف ٢ وف ١.
[٣]- في ب ١ ول كلها وف ١: المنبعثين. وفي ف ٣: المتبعثين.
[٤]- اضافة في ح وب ١ وف ١ ول ٢.
[٥]- في ل ٢: الأسفار.
[٦]- في ح وب ١ وف ٣ وف ١ ول ٢: تفصيلها.
[٧]- كذا في ح وب وب ٢ وف ١ وف ٢. وفي س: عليها.
1 / 31
مثنيّ الحقيبة [١] على سكوت اللسان، فهي الرتبة العالية [٢] قرّبت درجاتها للمرتقين، والجنة العاجلة أزلفت طيّباتها للمتقين، وهذا حين أسوق صدر الكتاب إلى العجز، كما يساق الماء إلى الأرض الجرز «١» .
وكنت على ألّا أوارد «٢» [٣] الثّعالبيّ في يتيمته، ولا أزاحمه [٤] في كريمته، إلّا ما تجذبني شجون الأحاديث إليه، فأفرغ كلامي عليه.
وقد قيل: الحديث ذو شجون وشجونه أحسن منه. ثم تأملت الطّبقات القديمة، فوجدت فيها على اختلاف مصنّفيها شعر كلّ من الفضلاء مكررا، وفضل كلّ من الشعراء مقرّرا، فقلت: لو جفي فاضل فترك منسيّا كدارس الأطلال، ومنفيّا كنعل أخلقت من النّعال، ثم أعتذر عنه بأنّ بعض المؤلّفين أثبته فمحوناه، أو [٥] أنّ واحدا من المصنّفين وفى له فجفوناه، كان الفضل من جهته مظلوما، ولم يزل [٦] عند كافّة الفضلاء ملوما، فكررت في كتابي هذا أسماء
_________
[١]- في ف ١: الحقيقة.
[٢]- في ح: العلية.
[٣]- في ح وف ١: أراود.
[٤]- في ح وف ١: أزاحمه.
[٥]- في ب ٢ وف ١ ول ٢:
و[٦]- في ل ٢: ولا أزال.
1 / 32