ولكن لابد أن نزيد هنا كلمة عن شيء كان ظاهر الأثر في هذا العصر؛ وهو «عملية التوليد».
ونعني بالتوليد؛ أن يتزاوج رجل من أمة وامرأة من أمة أخرى؛ فينشأ بينهما نسل يجري في عروقه دم الأمتين. وقد امتاز العصر العباسي الأول بكثرة هذا الجيل من الناس. وكان هذا التوليد ظاهرة قوية؛ نتجت عن اختلاط الأجناس، ومن نظام الرق والولاء الذي طبق عقب الفتح الإسلامي. فقد أصبح البيت الإسلامي - وخصوصا بيوت الخلفاء والأمراء والأغنياء - «عصبة أمم»، ينتج من النسل ما يحمل خصائص الأمم المختلفة. خذ لذلك مثلا: بيت أبي جعفر المنصور؛ فقد كان في بيته أروى بنت منصور الحميري، أولدها المهدي، وجعفرا الأكبر. وأمة كردية كان المنصور اشتراها فتسراها؛ فولدت له جعفرا الأصغر. وأمة رومية يقال لها «قالي» أولدها «صالحا المسكين»، وامرأة من بني أمية أولدها بنتا تسمى «العالية.»
11
هذا مع أن أبا جعفر المنصور لم يسرف في التسري إسراف من أتى بعده. «وكان للرشيد زهاء ألفي جارية من المغنيات والخدمة في الشراب؛ في أحسن زي من كل نوع من أنواع الثياب والجوهر.»
12 «ويقال: إنه كان للمتوكل أربعة آلاف سرية.»
13
وسيأتي من ذلك الشيء الكثير عند الكلام في الجواري.
كانت هذه الجواري المختلفة الأنواع توزع على الفاتحين، وتباع في أسواق النخاسين، وتهدى كما تهدى الطرف اللطيفة، وتمنح كما يمنح المال. وكانت الحرائر من الأمم المختلفة تتزوج من غير جنسها، وكان هؤلاء وهؤلاء ينسلن نسلا عديدا، وكان نسلهن أكثر من نسل العربيات الخالصات؛ لقلة عدد العربيات إذا نسب لغيرهن. بل كان ولوع الناس بالاختلاط بغير العرب أقوى وأشد، وميلهم إلى الإماء أكثر منه إلى الحرائر. ولذلك سببان:
الأول:
أن الجمال في كثير من نساء هذه الأمم المفتوحة أوفر، والحسن أتم؛ قد صقلتهن الحضارة، وجلاهن النعيم. هذا إلى ما حبتهن به طبيعة الإقليم؛ من بياض البشرة، وصفرة الشعر، وزرقة العيون، ونحو ذلك.
Неизвестная страница