«ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلْق» .
يقولُ أحمد أمين في «فيْضِ الخاطرِ»: «ليس المبتسمون للحياة أسعدَ حالًا لأنفسِهِمْ فقط، بلْ هم كذلك أقدرُ على العملِ، وأكثرُ احتمالًا للمسؤوليةِ، وأصلحُ لمواجهةِ الشدائدِ ومعالجةِ الصعابِ، والإتيانِ بعظائمِ الأمورِ التي تنفعهُمْ وتنفعُ الناس.
لو خُيِّرتُ بين مالٍ كثيرٍ أو منصبٍ خطيرٍ، وبين نفسٍ راضيةٍ باسمةٍ، لاخترتُ الثانيةَ، فما المالُ مع العبوسِ؟! وما المنصبُ مع انقباضِ النفسِ؟! وما كلُّ ما في الحياةِ إذا كان صاحبُه ضيِّقًا حرجًا كأنه عائدٌ من جنازة حبيبٍ؟! وما جمالُ الزوجة إذا عبستْ وقلبتْ بيتها جحيمًا؟! لخيرٌ منها - ألفَ مرةٍ - زوجةٌ لم تبلغْ مبلغها في الجمالِ وجعلتْ بيتها جنَّةً.
ولا قيمةَ للبسمةَ الظاهرةِ إلا إذا كانتْ منبعثةً مما يعتري طبيعة الإنسانِ من شذوذ، فالزهرُ باسِمٌ والغاباتُ باسمةٌ، والبحارُ والأنهارُ والسماءُ والنجومُ والطيورُ كلُّها باسمةٌ. وكان الإنسانُ بطبعهِ باسمًا لولا ما يعرضُ له من طمعٍ وشرٍّ وأنانيةٍ تجعلُهُ عابسًا، فكان بذلك نشازًا في نغماتِ الطبيعةِ المنسجعةِ، ومنْ اجلِ هذا لا يرى الجمال من عبستْ نفسُه، ولا يرى الحقيقةَ من تدنَّس قلبُه، فكلُّ إنسانٍ يرى الدنيا من خلال عمِله وفكْرِه وبواعِثه، فإذا كان العملُ طيبًا والفكرُ نظيفًا والبواعثُ طاهرةً، كان منظارُه الذي يرى به الدنيا نقيًا،
1 / 80