137
(على أعراقهِ يجري المذكى ... وليس على تكلفةِ وجهده) وقال بعض الملوك لحاجبه: أدخل عليَّ رجلًا عاقلًا فأدخل عليه رجلًا قال بم عرفت عقله قال رأيته يلبس الكتان في الصيف والقطن في الشتاء واللبيس في الحر والجديد في القر. وما قيل في علامة العاقل أعجب إلي من قول الأول: علامة العاقل أن يكون عالمًا بأهل زمانه حافظًا للسانه مقبلًا على شانه. وقال بعضهم إنما تنفع التجارب من كان عاقلًا. ومما يدخل في الباب ما أخبرنا أبو أحمد عن أبي بكر عن عبد الرحمن عن عمه قال لم يقل أحد في التفرح بالمنادمة إلى الإخوان والتسلي بمناسمة أهل الحفاظ بمثل قول بشار حيث يقول: (وأبثثتُ عُمرًا بعضَ ما في جوانحي ... وجرعتهُ من مر ما أتجرعُ) (ولا بدَ من شكوى إلى ذي حفيظةٍ ... إذا جعلْت أسرارُ نفسي تطلّعُ) ومن أجود ما قيل في ترك الشئ إذا أدبر قول بعض الأعراب: (إذا ضيعتَ أولَ كلِّ أمرٍ ... أبت إعجازهٌ إلا التواء) (وإن حملتَ أمركَ كلَّ وغدٍ ... ضعيفٍ كان أمركما سواء) (وإن داويتَ دنيا بالتناسي ... وبالليان أخطأت الدواء) وقال الأعشى: (إذا حاجةٌ ولّتكَ لا تستطيعها ... فخذ طرقًا من غيرها حينَ تسبقُ) (فذلك أحرى أن تنالَ جسيمَها ... وللقصدِ أهدى في المسيرِ وألحقُ) ومن أجود ما قيل في المهابة من قديم الشعر ما ينسب إلى الفرزدق وهو لغيره في علي بن الحسين ﵄: (يغضي حياءً ويُغضى من مهابته ... فما يكلمُ إلاّ حينَ يبتسمُ) جعله مهيبًا في السكون والإغضاء ولو جعله مهيبًا مع الصولة والبطش لما كان

1 / 143