Исследования в литературных и социальных течениях

Аббас Махмуд Аль-Аккад d. 1383 AH
62

Исследования в литературных и социальных течениях

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Жанры

فإنه لم يفارق من أجواء بلاده الروحية جو العقيدة الدينية؛ لأن أكثر المهاجرين من المؤمنين بالدين المسيحي يتبعون الكنائس التي يتبعها أبناء القارة الجنوبية.

وإنه لم يفارق أجواء الطبيعة ومناظرها، فإننا إذا أغضينا النظر عن ولع الإنسان بمناظر بلاده كيفما كانت، لم نكد نفقد في أقاليم القارة الجنوبية لوحة من لوحات الطبيعة نتملاها في لبنان وسورية، بين الهضاب والآجام، أو بين الجداول والينابيع، أو بين البراري والسهول، أو بين مواسم الغيوث ومواسم الصحو والصفاء.

إنما فارق المهاجر العربي إلى الجنوب جوا واحدا من أجواء بلاده الروحية ينقطع عنه حين يتصل به المقام في وطنه الجديد، ولا سيما في عصر البحث عن الجامعات الروحية في كل اتجاه.

إنما فارق اللغة، وإنما فارقها وليس لديه أعز منها ولا أحق منها بالحنين والتذكار.

لا جرم تصبح هذه العلاقة عنده «عصبية» متوهجة تطوي في ثناياها كل ما عداها من عصبيات وعلاقات، ويوشك أن تنقل إليها حماسة الدين وألفة الطبيعة وحدة النخوة الوطنية، ويهون المساس بكل شيء، ولا يهون المساس بهذه البقية الباقية من أمانة القلب واللسان.

إن هذه «العصبية» قد أوشكت أن تكون «أسلوبا مشتركا» بين جميع المهاجرين لا يعرفون من أساليب اللغة أسلوبا غيره، فكلهم مظهر «لغوي» واحد من مظاهر تلك العصبية الشاملة، وكلهم «متكلم» عربي قبل كل شيء، ثم هو «فلان بن فلان» بعد ذلك.

ولقد أطلق أدباء المهجر الجنوبي على أنفسهم «العصبة الأندلسية» بحق ودراية؛ لأن الأندلس القديمة هي النسخة الوحيدة التي سبقت نسخة العصبة الأندلسية الجديدة في تاريخ اللغة العربية، على هذا الطراز.

ففي الأندلس وحدها - قبل الآن - عرفنا الأفذاذ من كبار الشعراء كابن هانئ وابن زيدون وابن خفاجة وابن حمديس، كما عرفنا غيرهم عشرات من هذه الطبقة، ولكننا لم نعرف بينهم - على فحولتهم - فارقا في أسلوب التعبير ولا في جرس اللغة يتيسر للقارئ أن يلمحه من النظرة الأولى، فليس بينهم ذلك الفارق الذي تلمحه في عصر واحد بين أساليب أبي تمام والبحتري وابن الرومي، أو بين أساليب بشار وأبي العتاهية وأبي نواس، أو بين البارودي وصبري وشوقي وحافظ ومطران في العصر الحديث.

كلا ليس هناك ألسنة أفراد يختلفون، بل ليس هناك غير لسان القومية الواحدة ينطق ببديهة واحدة، ولا يسمح «للشخصية» على قوتها أن تتغلب عليه بسمة من سماتها المستقلة، وإن كانت «الشخصية الفذة» لتنصف نفسها كما تشاء فيما عدا اللغة والأسلوب، تنصف نفسها فيما تتميز به الشخصيات القوية من مزايا الأخلاق والضمائر وأسرار البداءة والعبقريات.

ولقد تميز ابن زيدون وابن حمديس وابن خفاجة بالشيء الكثير من خصائص الفكر والذوق والإلهام.

Неизвестная страница