Исследования в литературных и социальных течениях
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Жанры
وليس من الميسور أن نستقصي في هذا المقال ظروف كل أمة زراعية قضت على عهد الإقطاع، واستبدلت به نظاما من الملكية غير نظام الضياع الواسعة واحتكار الثروة الزراعية، ولكننا نكتفي هنا ببيان الظروف التي تميزت بها تلك التجارب في جملتها، ومنها يظهر لنا أن ظروفنا في مصر أصلح من تلك الظروف لنجاح التجربة مع توافر أسباب الحيطة والتدبير القويم.
فمن الظروف التي تميزت بها تجارب أوروبا الشرقية وبعض الأقطار في أوروبا الوسطى أن الملاك الكبار فيها كانوا أقوى من كل قوة سياسية أو اجتماعية بين قواها المختلفة.
كانوا أقوى من الأسر المالكة الحديثة؛ لأن هذه الأسر قد نشأت بعد استقلال تلك الأمم من السلطنة العثمانية، أو كان أصحاب العروش فيها أمراء محدودين لا سلطان لهم على رعاياهم؛ ولهذا توقفت التجربة التي بدأت في رومانيا نحو سنة 1860، واقتصرت على توزيع الأرض التي خرجت من حوزة العثمانيين وأعوانهم في ذلك الحين، وظل الملاك الكبار عقبة في طريق الإصلاح الزراعي إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى.
إلا أن هذه القوة لم تكن على الدوام عقبة مانعة في طريق الإصلاح، بل حدث في السنوات الأخيرة أن الملاك الكبار هربوا من البلاد بعد هزيمة الدول الجرمانية والدولة القيصرية؛ إذ كان الكثيرون منهم أجانب يرجعون في نسبهم إلى السلالات النمسوية أو المجرية أو الروسية، فوضع الفلاحون الصغار أيديهم على أملاكهم بغير عوض، واستراحت خزانة الحكومة الوطنية من سداد العوض الذي كان لهم أن يتقاضوه منها، لو لم يهجروا مزارعهم قبل توزيع الأرض على صغار الفلاحين.
وجاء الشعور الوطني معززا لحركة الإصلاح في البلاد التي كان الملاك الكبار فيها أجانب مكروهين يستغلون فيها صغار الفلاحين بقوة الحكومة وقوة الإقطاع، فكانت جنسيتهم الغريبة عونا على الإصلاح، بعد أن كانت عقبة لا يسهل تذليلها منذ جيل.
ومن الظروف التي تميزت بها التجارب الأوروبية أنها حدثت في بلاد لم تثبت لها حدود قط في هذا القرن قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية، فالإقليم الواحد يتنقل من حكومة إلى حكومة ومن نظام ومن ظروف اقتصادية إلى ظروف تشابهها تارة وتناقضها تارة أخرى، فكان هذا الاضطراب المتتابع إحدى العقبات التي اصطدمت بها حركة الإصلاح الزراعي، ولولاه لتيسرت طريق الحركة منذ سنين.
ومن تلك الظروف أن تلك الأمم كانت فريسة لأصحاب النظريات ممن يهتمون بمذاهبهم قبل كل شيء، ولا يقصرون الإصلاح على مقتضياته في كل بيئة من البيئات التي يطبقون نظرياتهم عليها، وكثيرا ما يعتمدون في نظرياتهم على دول أجنبية تدين بالشيوعية، أو تدين بالفاشية والنازية، أو تعارض هؤلاء وهؤلاء، ولو أنهم حصروا غايتهم في هدم الإقطاع وعالجوا كل نتيجة بما تقتضيه لحفظوا كثيرا من الجهود التي أريد بها إكراه الوقائع على مجاراة النظريات.
وعند الموازنة بين هذه الظروف وبين ظروفنا في مصر يبدو لنا أن الإصلاح الزراعي عندنا ألزم وأيسر من وجوه شتى.
هل من الصواب أن يظن أن هذا الإصلاح خلو من عقباته ومصاعبه؟ كلا ... وليس في الوسع أيضا أن نحصرها كلها قبل الشروع في التطبيق والتقدم به خطوة بعد خطوة، ولكننا إذا ضربنا المثل بالصعوبة الأولى التي ظهرت بوادرها أمكننا أن نقيس عليها ما يتبعها.
فالبوادر التي ظهرت حتى الآن تتلخص في ارتفاع أجور العمل الزراعي وهبوط أثمان المحصولات مع تحديد أجرة الفدان، ومن المصلحة فيما نرى أن يرتفع مستوى المعيشة بين عمال الزراعة، فلا محل للحد من أجرة العامل الزراعي كلما أمكنه الحصول عليها، فهل من العسير علاج هذه الصعوبة بغير تحديد الأجور؟
Неизвестная страница