Исследования в литературных и социальных течениях
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Жанры
نشأت الحضارة الإسلامية في الرقعة الوسطى من القارات الثلاث التي تألف منها العالم القديم، فبعد أن كانت هذه الرقعة حاجزا فاصلا بين حضارات المشرق والمغرب جاشت فيها الحياة، فأصبحت كالعروق الحية التي تنقل الدم في بنية واحدة، ولم يكن في المغرب شيء يعطيه في ذلك العصر ولكنه أخذ من المشرق كل ما عرفه وأحسن الحاجة إليه.
واجتمع محصول العلوم الإنسانية كلها في هذه الرقعة المتوسطة من الكرة الأرضية، فلم يبق علم عرفه الإنسان قبل ذلك إلا وهو معلوم بين أبنائها، وتجمعت زبدة الثقافة الصينية والهندية والمصرية واليونانية الرومانية في ظل دولة واحدة، فحق لها أن تسمى خلاصة حضارات الإنسان، بعد أن كانت حضارات متفرقة لهذه الأمة أو تلك، تنعزل تارة وتتصل تارة أخرى من بعيد.
وبرزت حكمة اليونان من قبورها المطوية، وكأنما تكفل أبناء الإسلام الغرباء عن القارة الأوروبية بنقل حكمتها العليا من طرفها الشرقي إلى طرفها الغربي في الأندلس وإفريقية الشمالية، فلما سمع الأوروبيون بفلسفة اليونان أخذوها من أيدي المسلمين في الغرب قبل أن يعرفوا كلمة من لغتها ومصنفاتها.
أول أثر، بل أكبر أثر لحضارة الإسلام في الحضارات السابقة لها هو أنها جمعتها ووصلت بينها وجعلتها أمانة إنسانية واحدة ثم أدت هذه الأمانة أحسن أدائها.
ولم يكن ذلك حتما لزاما لو لم تكن دعوة الإسلام قابلة لاستحياء تلك الحضارات وتحصيلها والمحافظة عليها وإعدادها لما يأتي بعدها ويتممها أو يزيد عليها.
كان من الجائز جدا أن تقوم على الرقعة الوسطة قوة تقضي على ما بقي، وتحجب الماضي عن الحاضر والمستقبل، وتعيش فترة من الزمن، ثم تنطوي في ظلام من بعده ظلام.
لكن الحضارة الإسلامية لم تهدم شيئا كان قائما يوم ظهورها، بل أعادت إلى البناء ما تداعى وتهدم ثم زادت عليه، فاستقام علم الإنسان في طريقه غير مقتضب ولا معطل ولا محتاج إلى جهد في الاستعادة والتجديد.
ومن القرن السادس للميلاد إلى القرن العشرين لم ينشأ في العالم أثر جديد لا يرجع إليها بسبب قريب أو بعيد.
فالحضارة الأوروبية في القرن العشرين ترجع إلى عصر النهضة، وعصر النهضة يرجع إلى ثقافة المسلمين في الأندلس وإلى الثقافة التي عاد بها الصليبيون من الديار الإسلامية، وربما كان كشاف الأوروبيين قادرين يوما على الوصول إلى العالم الجديد مع تطاول الزمن بدافع من الدوافع التي نجهلها الآن، أما وصولهم إلى العالم الجديد كما حدث في التاريخ فإنما هو على التحقيق أثر التراث الإسلامي في المغرب، ونتيجته لم يكن لها مقدمات غير ذلك التراث وما تتابع منه أو تتابع بعده من الأحداث.
ولم تصل الحضارة الإسلامية إلى أمة شرقية ثم تركتها بغير أثر محمود في أطوارها وعاداتها، فكانت شريعة المساواة درسا مهذبا لشرائع الطبقات في البلاد الهندية، وكانت القدوة بالرحالين والتجار من المسلمين تبشيرا سمحا لأجيال الهند والملايا والصين التي يبلغ أعقابها اليوم مائتي مليون من النفوس، ولم يحدث مثل هذا لغير الدعوة الإسلامية مع بذل الجهود في التبشير والاستعمار.
Неизвестная страница