Западные философские исследования
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Жанры
أوروبا مركز الصدارة ومحور تاريخ الشعوب . ويستشهد أورتيجا بالمؤرخ الفرنسي
Guizot
الذي يضع الحضارة الأوروبية في كفة وباقي حضارات العالم في كفة أخرى! فالحضارة الأوروبية استطاعت منذ خمسة قرون، ابتداء من عصر النهضة حتى الآن إعادة بناء التفكير الإنساني من جديد وتأسيس قواعد التفكير العلمي وما نتج عن ذلك من تطبيقات عملية أفادت الإنسانية جمعاء. وينسى أورتيجا أن أوروبا في عصورها الحديثة إنما استفادت من تراكم خبرات طويلة، من حضارات الشرق القديم في الهند والصين وفارس ومصر ومن خلال الحضارة الإسلامية وترجمات علومها عبر إسبانيا وإيطاليا وتركيا. وإن مؤامرة الصمت التي يضربها الوعي الأوروبي على مصادره القصد منها الإيهام بالعبقرية الخاصة وبالنموذج الذي على غير منوال كأحد مكونات العنصرية وهي الداء الدفين فيه. وفي الوقت نفسه يطبق الوعي الأوروبي منهج الأثر والتأثر ويكشف عن المصادر التاريخية للثقافات غير الأوروبية حتى يقضي على إبداعاتها ومساهمتها الأصيلة في تاريخ الثقافة الإنسانية. هذه الازدواجية والمعيار المزدوج والكيل بمكيالين هي إحدى خصائص الوعي الأوروبي. فالإنسانية لديه إنسانيتان، والمبادئ لديه نوعان، واحد لأوروبا وآخر لغير أوروبا!
وقد يكون أحد مظاهر الانهيار هو تحول قيادة العالم من أوروبا إلى خارجها. ويعطي أورتيجا لسؤال: من الذي يقود العالم اليوم؟ أهمية بالغة ومكانة بارزة في «ثورة الجماهير» إذ إن من أهم خصائص العصر انتقال السلطة الذي يدل أيضا على تحول في الروح. فمن الذي يقود العالم اليوم ؟ أو بتعبيرنا لمن الحكم اليوم؟ منذ القرن السادس عشر قادت أوروبا الإنسانية إبان ما نسميه بالعصور الحديثة. كما قادت روما من قبل منذ أوائل العصر الوسيط. ولا تعني هنا القيادة المادية القائمة على القوة. فهناك فرق بين العدوان والقيادة. قد يعتدي أحد دون أن يقود، وقد يقود أحد دون أن يعتدي. القيادة هي الممارسة الشرعية للسلطة القائمة على الرأي العام وهو اليوم القوة الموجهة للقيادات. وقد قال تاليران
Talleyrand
من قبل لنابليون: «سيدي، إن العصا تستطيع أن تفعل كل شيء سوى الجلوس فوقها!» فالقيادة لا تعني الاستيلاء على السلطة بل ممارستها في هدوء ووعي. ومع أنه في المجتمعات الحالية يصعب وجود رأي عام موحد إذ ينقسم المجتمع إلى فئات، ولكل فئة رأي، فإن السلطة تأتي لتحل محل جميع الآراء، ولكن لا يمكنها القيادة ضد مجموع الرأي العام لأن القيادة هي سيادة فكر أي القيادة الروحية كما مثلتها الكنيسة من قبل، ولكن كيف تأتي الفكرة ومعظم الناس في عصر الجماهير لا أفكار لهم؟ إذن تأتي الفكرة من الخارج. وهذا بالضبط هو معنى تحول قيادة العالم من أوروبا إلى خارجها. منذ الحرب العالمية الثانية يقال إن أوروبا لم تعد قائدة للإنسانية. لقد قادت طيلة ثلاثة قرون ولكنها لا تستطيع اليوم أن تقود. بدأت هي نفسها تشك في قيادتها كما بدأ الآخرون يشكون في قيادتها لهم. وهذا هو ما عناه اشبنجلر بأفول الغرب، وما قصده آخرون بسقوطه. لقد بدأت الاتجاهات الوطنية داخل أوروبا وخارجها رفض قيادتها، وعمت الثورات سائر الشعوب التي تمت السيطرة عليها إبان قيادة أوروبا، وبعد سيادة الجماهير ورفضها أي مظهر من مظاهر السلطة بل واستردادها حق السلطة لنفسها. وإذا كانت الجماهير دون برنامج حياة حتى على الرغم من ظهور أجيال جديدة فمن الذي سيحل محل أوروبا في القيادة؟ إذا كان المعنى الاشتقاقي للقيادة هو القيام بمهمة، فالقائد هو الذي يقوم بمهمة، فإنه دون القيادة يكون الفراغ. فالحياة هي القيام بشيء وأداء شيء. إن أوروبا اليوم لا تستطيع تكليف الشعوب الأخرى بالقيام بالمهام نيابة عنها. وإن انتصار الماركسية في بلد غير صناعي لا يدل على انتصار لأن الشعب يظل يعيش في تاريخه القديم. وأمريكا لا تقود بل الذي يقود فيها هو التكنولوجيا. وماركس والتكنولوجيا خرجا من أوروبا، وهي بدائل أوروبية تحمل الفناء نفسه الذي تحمله أوروبا. وإذا كانت السلطة مغتصبة في دولة - كما هو الحال في إسبانيا - فإن هذه الدولة لا يمكن أن تقود. لم تعد هناك بدائل داخل أوروبا لقيادة العالم. وهذا هو السبب في أن أوروبا تسير في مكانها لا تتحرك.
وهنا يأتي دور العالم الثالث وما يمثله من وعي جديد لشعوب القارات الثلاث والتي تكون أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم. ولقد بدأ المفكرون في العالم الثالث من قبل دراسة الوعي الأوروبي كظاهرة مستقلة، فأصبح المدروس هو الدارس، والملاحظ هو الملاحظ، والموضوع هو الذات، طبقا لتبادل الأدوار بين السيد والعبد. لقد استطاع العالم الثالث تحقيق إنجاز ضخم في هذا القرن ألا وهو التحرر من الاستعمار واستطاع تكوين رأي عام جديد مناهض للعنصرية وللتفاوت بين الأغنياء والفقراء، وللتسلح النووي وللحرب الباردة، مقاوما الدخول في الأحلاف العسكرية وحالا محل أوروبا كميزان للثقل في العالم بين الشرق والغرب فيما عرف باسم «عدم الانحياز» أو «الحياد الإيجابي». استطاع العالم الثالث أن يبلور وعيا إنسانيا جديدا ناشئا في مقابل الوعي الأوروبي القديم الآفل. ونظرا لأن شعوب العالم الثالث شعوب تاريخية كما هو الحال في الصين والهند ومصر، فإن ريادتها اليوم إنما هو لحاق بريادتها الأولى وكأن التاريخ يكرر نفسه مرتين، وكأن الإنسانية ترى نهضة جديدة لشعوب الشرق بعد أفول الغرب.
5
إن أزمة الغرب ليست أزمة القيادة السياسية وحدها بل أزمة حضارية في أساسها، أزمة تصور وسلوك، أزمة نظر وعمل بعد أن جرب الوعي الأوروبي كل شيء وانتهى إلى لا شيء. إن شعوب العالم الثالث بما تملكه من وعي إنساني جديد يمثل إنسانية جديدة قادرة على أن تقوم بدور القيادة محل الغرب، فهي التي ما زال لديها مشروع جديد بدلا من المشروع الأوروبي القديم الذي انتهى إلى الفشل: مزيد من الإنتاج لمزيد من الاستهلاك لمزيد من السعادة. أما المشروع الجديد فهو التنمية في مواجهة التخلف، والتحرر في مواجهة الاستعمار، والحرية ضد القهر، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الاستعمار، والحرية ضد القهر، والعدالة الاجتماعية في مواجهة التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء، بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئا، والتأكيد على الهوية في مواجهة التغريب، والدعوة إلى الوحدة في مواجهة التجزئة، وتجنيد الجماهير ومبادرات الشعوب في مواجهة القيادات البيروقراطية والحاسبات الآلية وتحليل المعلومات.
إن انخفاض الروح المعنوية في الغرب إنما هو إحساس طبيعي نتيجة لانتقال القيادة من أوروبا إلى غيرها. لم تعد أوروبا واثقة من قيادة نفسها أو غيرها. تبعثرت سيادتها التاريخية في عصر البعثرة والتفكك، وتفككت عرى الروابط بين الأوروبيين. وقد حاولت تغطية ذلك بإحياء العواطف القومية التقليدية ولكن المحاولة انتهت إلى طريق مسدود في عصر الكيانات الكبيرة. أما الشيوعية فلم يتمثلها أحد لأنها تصطدم بالفردية. قد تستطيع البلشفية تغيير الروح الأوروبية وإنعاش الوعي الأوروبي وإعطاء أمل جديد ولكنها أيضا تقع في البيروقراطية وتصبح فريسة للطبقات الجديدة ولجهاز الدولة باسم السيطرة المركزية والسلطة الواحدة. أما ثورات الشباب فقد كانت الوهج الأخير قبل انطفاء الشمعة، حشرجة الموت. لم تحقق شيئا وتحولت الثقافة المضادة إلى برامج الإعلام في الثقافة والفن.
Неизвестная страница