Западные философские исследования
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Жанры
ليس الله فقط مبدأ عقليا وقانونا خلقيا بل هو أيضا حب إلهي. فالحب وسيلة التصالح بين الإنسان والله أي بين الإنسان ونفسه. والتجسد هو الظهور الحسي الفعلي للطبيعة الإنسانية لله بفعل الحب. لم يظهر الله كإنسان لنفسه بل لحاجة الإنسان الملحة للحب.
كان الله إلها إنسانيا قبل أن يصبح إلها فعليا، وفعل ذلك بواقع من رحمته نظرا للحاجة الإنسانية وللشقاء الإنساني. التجسد دمعة ساخنة إلهية على وجه العالم، وجود مفعم بالعواطف الإنسانية بل وجود إنساني خالص. كان الإنسان إلها قبل أن يصبح الإله إنسانا وليس كما قال أوغسطين أصبح الله إنسانا حتى يصبح الإنسان إلها؛ فألوهية الإنسان سابقة على إنسانية الله لأن ألوهية الإنسان هي التي جعلت الله إنسانا. يقول اللاهوت: إن الشخص الثاني هو الذي تجسد. والحقيقة أنه الشخص الأول أي الله نفسه وليس الابن أو الروح القدس، ولكن ليس التجسد واقعة مادية تاريخية كما يدعي اللاهوت، فهذه هي المادية الفجة، بل حقيقة إنسانية خالصة، وهذا ما تضيفه الأنثروبولوجيا على الفلسفة التأملية. لا تعتبر الأنثروبولوجيا الصيرورة في الإنسان سرا خاصا مدهشا كما هو الحال في الفلسفة التأملية ذات المظهر الصوفي بل تقضي على السر فوق الطبيعي، وتنقد العقيدة، وتحللها إلى عناصرها الطبيعية المفطورة في الإنسان إلى داخله وبؤرته وهو الحب. (تعني العقيدة أن الله هو الحب، وأن الحب جعل الله يتخارج عن هويته؛ فالحب أقوى من الله. وكما قال القديس برنارد: إذا لم نضح بالله من أجل الحب فإننا نضحي بالحب من أجل الله. الله ليس محايدا، ليس بعيدا، فكل صلاة هي تجسد لله، والله ذو شفقة وعطف وحنان. الصلاة تقرب الله للشقاء الإنساني، فالله يحب الإنسان. له ابن والله أب. علاقة الله بالإنسان في التجسد علاقة الأب بالابن، علاقة حب وعطف وشفقة وليست تناقضا كما تدعي الفلسفة التأملية. الحب وحده هو قلب الإنسان. وإذا كان الله يحب الإنسان فالإنسان هو قلب الله. أليس حب الله للإنسان هو حب الإنسان لنفسه متموضعا ومحدسا كحقيقة مطلقة؟ ولقد أدرك لوثر من قبل أن المسيحية هي دين القلب، فمن يدرك في قلبه هذه الحقيقة أن الله أصبح إنسانا يجب عليه باسم الجسد والدم أن يحب في هذا العالم كل جسد ودم ولا يعادي أي إنسان حتى يكون له مكان في العالم الآخر على يمين الله. سر التجسد إذن هو الله كموجود قلبي.) (4)
سر الله المتألم:
من تحديدات الله الذي يصبح إنسانا أن المسيح هو الألم. الله يتألم من أجل الآخرين وليس في ذاته، وهذا يعني أن التألم من أجل الآخرين إلهي. ولما كان الله هو مجموع الكلمات الإنسانية والله المسيح هو مجموع الشقاء الإنساني فإن الكمال يغطي على الحب، ويتأكد الحب في الألم. الألم خلقي وإرادي كما هو معروف في آلام الحب، قوة التضحية من أجل خير الآخر.
إن تاريخ المسيحية هو تاريخ آلام الإنسانية في حين أن تاريخ الوثنية هو تاريخ الملذات الحسية. والمسيح على الصليب لا يمثل المخلص بقدر ما يمثل المصلوب المتألم؛ ومن ثم صلب الذات ألم في حين أن الصور الدينية في الوثنية كما لاحظ أوغسطين وعدد من آباء الكنيسة تدعو إلى الإباحية. وكما أن سقراط يفرغ الروح من الآلام ويعيش في بهجة الموت فإن المسيحي يصيح «لو كان بالإمكان إبعاد هذه الكأس عني.» كما صاح المسيح على الصليب. الله يتألم يعني أن الله قلب، فالقلب هو الألم، والموجود بلا ألم موجود بلا قلب. سر الله المتألم هو سر الحساسية، والله المتألم هو إله حساسية، إله حسي. الدين إذن هو انعكاس الوجود الإنساني في ذاته، فالله مرآة الإنسان. ولا يستطيع الإنسان أن يعتقد شيئا إلا إذا كان في وجوده الخاص. ففي الإنسان توجد وحدة الطبيعة والروح، وما يعتبره الإنسان روحا هو جزء من طبيعته. الذي يتألم هو الإنسان وليس المسيح. (5)
سر التثليث وأم الإله:
كما كان الوجود الكلي هو الذي يعبر عن الإنسان الكلي فإن وعي الإنسان بشموله هو الوعي بالتثليث. يرجع التثليث إلى الوحدة بين التحديدات أو القوى التي تظن أنها منفصلة. يعني التثليث وحدة الشخصية الإنسانية في مقابل تعدد قواها، ووحدة الجماعة الإنسانية في مقابل تكاثر أفرادها. التثليث صورة لشيء حقيقي واقعي كما قال أوغسطين من قبل، مثل الروح والذهن والذاكرة والإرادة والحب. تموضع الوعي بالذات هو أول شخص في التثليث، فالوعي بالذات الإلهية ليس إلا الوعي باعتباره ماهية مطلقة أو إلهية. التثليث هو الوحدة بين الأنا والأنت. الله الآب هو الأنا، والله الابن هو الأنت، الأنا هو الذهني، والأنت هو الحب. واجتماع الذهن والحب أو الأنا والأنت هو الروح أو الإنسان. والله الذي يستبعد الحب والآخر والجماعة إله متعسف. إن الحياة المشتركة هي وحدها الحياة الإلهية الحقيقية المكتفية بذاتها. وهذه هي حقيقة التثليث على نحو غير مباشر أي مقلوبة من الأنثروبولوجيا إلى الثيولوجيا. الروح القدس هي الوحدة بين الله والإنسان. والحقيقة لا يوجد إلا شخصان، والثالث هو الحس أو العلاقة بينهما. ولما كان الحب هو القلب، والقلب هو الإنسان أصبح الشخص الثاني هو التأكيد الذاتي للإنسان، وهو الذي يشارك في الجماعة. هو الحرارة، والآب هو النور، والنور صفة للابن. الابن هو لوعة الحب والحماس. الابن هو الله المتجسد، إنكار الله الأصلي، نفي الله لله.
فإذا كان الابن متناهيا يكون الله بلا أساس، يستولي الابن على القلب لأن الأب الحقيقي للابن الإلهي هو القلب الإنساني لأن الابن ليس إلا القلب الإلهي، أي القلب الإنساني موضوعا لذاته كموجود إلهي. فالأب والابن في التثليث ليس لهما معنى مجازي بل لهما معنى حقيقي. التثليث إذن تموضع الدين داخل الدين. ولما كان الحب في حاجة إلى شخص أنثوي لأن الروح القدس غامض وعام كانت مريم هي التوسط بين الأب والابن. لم تكن مريم في علاقة مباشرة لأن المسيحيين يتصورون العلاقة بين الرجل والمرأة خطيئة. ولما كان الحب بلا طبيعة وهما وخداعا وسرابا فقد أزاحت البروتستانتية أم الإله جانبا بالرغم من عودتها الآن. لم تكن البروتستانتية في حاجة إلى أم سماوية لأنها استقبلت بالأحضان الأم الأرضية برفضها نظام الرهبنة وعزوبية القساوسة. التثليث لا يعني هذا المعنى إلا في الكاثوليكية، وأم الإله لا تعني شيئا إلا للراهبات والرهبان تعويضا عن الحرمان أو في أحسن الأحوال إعلاء وتساميا بالغريزة. ويعني التثليث بوجه عام الغنى في مواجهة الفقر، والإشباع في مقابل الحرمان، والجماعة كنقيض للعزلة، والحس الذي يعكس المجرد. وكلما كانت الحياة فارغة امتلأ الدين. الفقير وحده له غنى، فالله يكفل نقص الإنسان. ما يغيب عن الإنسان يوجد في الله، وما يحضر في الإنسان يغيب عن الله. هذه هي الدلالة العملية لهذه القضية النظرية. (6)
سر اللوجوس والصورة الإلهية:
إذا كانت الدلالة الجوهرية للتثليث تخص الشخص الثاني فإن المعركة في المسيحية كانت حول ابن الله
Неизвестная страница