Исследования о Мукарриме Ибн Хальдуна
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Жанры
وبينما كان النزاع قائما بين هاتين الجماعتين حول العرش، ظهر إلى الميدان مطالب ثالث زاد الأمور بلبلة وتعقيدا، هذا المطالب الجديد كان «أبو سالم» ابن السلطان «أبو الحسن».
عندما انتفض السلطان «أبو عنان» على والده، كان اعتقل إخوته ونفاهم إلى الأندلس، وكان أبو سالم من جملة هؤلاء المبعدين، وحينما وصله خبر موت أخيه أسرع في العودة من الأندلس، وأخذ يبث الدعوة لنفسه بوسائل شتى، حتى استطاع أن يجمع حوله جماعة كبيرة بين المناصرين، وأن يتغلب بواسطتهم على الجماعتين المتنافستين - أنصار السعيد وأنصار المنصور - في وقت واحد.
وهكذا أصبح أبو سالم سلطانا على المغرب الأقصى. «كان ابن خلدون مقيما في فاس عند جريان هذه الحوادث المعقدة، إنه ناصر السلطان الأخير، وبقي في خدمته مدة من الزمن.» (3)
ومما تجب ملاحظته في هذا المضمار أن كل صفحة من صفحات الحوادث التي ذكرناها ولخصناها آنفا، كانت مترافقة بسلسلة طويلة ومعقدة من الاضطرابات والتقلبات المحلية والفرعية التي لم نر لزوما إلى ذكرها وتفصيلها.
هذا ويجب أن يلاحظ في الوقت نفسه أن كل هذه الحوادث والتقلبات تعود إلى فترة قصيرة من الزمان، إن تاريخ استيلاء السلطان المريني على تونس كان سنة 1347 / 748، وأما تاريخ وصول السلطان «أبو سالم» إلى كرسي السلطنة في فاس فكان سنة 1358 / 760، وذلك يعني أن الوقائع التي ذكرناها آنفا حدثت خلال إحدى عشرة سنة!
ولا يظن أن هذه السنوات كانت من الأزمنة الشاذة الزاخرة بالتقلبات الخارقة للعادة؛ لأن الشواهد التاريخية لا تترك مجالا للشك في أن الأوضاع السياسية في المغرب العربي، ولا سيما في المغرب الأوسط والأقصى، كانت دائمة التقلب على المنوال الذي وصفناه آنفا.
وأما أهم القوى التي كانت تستند إليها وتستخدمها هذه الثورات والانقلابات، فكانت العشائر البدوية - العربية والبربرية - المنبثة في مختلف الأقطار المغربية؛ لأنها كانت بمثابة قوات مسلحة مستعدة للغزو والحرب في خدمة هذا الأمير أو ذاك، وكان عملها يشبه إلى حد كبير عمل «الجيوش المرتزقة» التي تكونت في أوروبا، ولا سيما في إيطاليا في أواخر القرون الوسطى.
هذا وكانت بعض العشائر الكبيرة بمثابة دويلات مستقلة، «تجبي الإتاوات تحت اسم الخفارة»، وكثيرا ما تأبى أن تدفع إلى السلطان شيئا من الضرائب، وتناصر هذا السلطان أو ذاك حسب سير الأحوال والظروف.
ولا حاجة إلى القول إن انضمام مثل هذه العشائر القوية إلى جيوش هذا الأمير أو ذاك، أو خروجها على هذا أو ذاك، كثيرا ما كان يقرر مصير الحرب ويضمن النصر لهذا أو ذاك. «إن ابن خلدون عاشر القبائل البدوية مدة طويلة، واكتسب على البعض منها نفوذا كبيرا بفضل ذكائه وجرأته، ونفوذ نظره وطلاقة لسانه، وصار يؤثر في سياسة الدول المغربية تأثيرا ملحوظا بفضل علاقاته بالعشائر المذكورة، وسيطرته المعنوية عليها.» «ولا شك في أن ما كتبه عن «تاريخ المغرب» بوجه عام، وعن «العمران البدوي» بوجه خاص، كان من نتائج المعلومات التي جمعها، والخبرات التي اكتسبها خلال معاشرته الطويلة لمختلف القبائل العربية والبربرية.» (4)
ونرى من المفيد أن نستعرض صفحات حياة أحد الأمراء الذين عاصروا ابن خلدون واتصلوا به اتصالا وثيقا؛ وذلك لكي نعطي فكرة أوضح مما سبق عن مبلغ تعقد هذه الأزمات، والتقلبات السياسية المتتالية: (أ)
Неизвестная страница