Исследования о Мукарриме Ибн Хальдуна
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Жанры
لقد نشأ ابن خلدون وترعرع في كنف هذه الأسرة، يسمع منذ صغره مناقب أجداده، ويحضر مجالس والده، ويعي أحاديث ضيوفه وزواره.
وكان من شأن هذه البيئة العائلية أن تولد في نفسه نزعتين قويتين؛ حب المنصب والجاه من ناحية، وحب الدرس والعلم من ناحية أخرى.
إن كل واحدة من هاتين النزعتين كانت عميقة الجذور وشديدة التأثير في نفسية ابن خلدون، إنهما تنازعتا السيطرة على تلك النفسية مدة طويلة، وتغلبت - إلى حد ما - تارة الأولى على الثانية، وطورا الثانية على الأولى، إلا أن هذه الغلبة لم تصبح حاسمة في وقت من الأوقات، وظلت النزعتان تؤثران في ابن خلدون طول حياته، دون أن تستطيع الواحدة منهما القضاء على الأخرى قضاء مبرما.
ولذلك نجد ابن خلدون ينكب في بادئ الأمر على الدرس والتحصيل بكل نهم، ولكنه بعد ذلك حالما يدخل الحياة العامة ينجرف بتيار حب المنصب والجاه، ويخوض غمار الحياة السياسية بكل اندفاع، ويعيش قرابة ربع قرن عيشة حافلة بشتى حوادث الطموح والمغامرة، ولكنه خلال هذه الحياة السياسية المغامرة أيضا لا يتخلى عن حب الدرس والعلم، بل ينتهز كل الفرص للاستزادة من العلم بكل الوسائل الممكنة.
وفضلا عن ذلك يشعر من وقت إلى آخر برغبة شديدة تحدوه إلى التخلص من الشواغل العامة، ليستطيع التفرغ إلى العلم والدرس.
وقد حاول ابن خلدون مرارا الاستسلام إلى هذه الرغبة لتحقيق تلك الأمنية، ولكن الحوادث السياسية كانت لا تلبث تجرفه في تيارها من جديد، وتبعده عن حياة العلم والدرس مرة أخرى.
واستمر الحال على هذا المنوال مدة طويلة بين جزر ومد، إلى أن استطاع ابن خلدون - في آخر الأمر - أن يعتزل الحياة العامة، ويتباعد عن مسارح السياسة منزويا في قلعة ابن سلامة.
من المعلوم أن ابن خلدون كتب المقدمة خلال هذا الاعتزال عندما انصرف إلى التفكير والتأليف، ولكن يجب علينا ألا ننسى أن التجارب التي اكتسبها، والملاحظات التي ادخرها، والمعلومات التي جمعها خلال حياته السياسية المعقدة لعبت دورا هاما في هذا المضمار؛ لأنها زودته بعناصر النظريات التي دونها في المقدمة بعد انزوائه في تلك القلعة النائية.
ونستطيع أن نقول لذلك: إن النزعتين المذكورتين تضافرتا على تمكين ابن خلدون من تأليف المقدمة، إن حب المنصب والجاه دفعه إلى خوض غمار الحياة السياسية، ولكن حب الدرس والعلم جعله يتأمل في صفحات هذه الحياة تأملا نظريا، ليس ليستخرج منها قواعد عملية للحكم والسياسة، بل ليستقرئ منها مبادئ عامة تساعد على إبداع علم جديد هو علم الاجتماع.
4
Неизвестная страница