Дин
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Жанры
وجملة القول: إن العقول السامية تشرئب دائما من وراء الحقائق الجزئية الحائلة الزائلة، إلى حقيقة كلية أزلية أبدية، حقيقة لا يحويها شيء من العلوم والمعارف، ولكنها تتشوف إليها كل العلوم والمعارف وتلك هي الحقيقة التي تفردها الأديان العليا بالتقديس، ولا تنكرها سائر الأديان وإن أشركت معها في هذا التقديس بعض الحقائق الجزئية الفانية.
إن هذا الشوق الغريزي إلى الأزلي الأبدي، وهذا الطلب الحثيث للكلي اللانهائي، له دلالتان عميقتان: إحداهما دلالته على مطلوبه، لا كدلالة الحركة القسرية على مصدر جاذبيتها كما يقول أرسطو، بل كدلالة الأثر على صانعه، أو الخاتم على طابعه - حسب تعبير ديكارت - وثانيهما دلالته على أن في الإنسان عنصرا نبيلا سماويا خلق للبقاء والخلود، وإن تناساه الإنسان وتلهى عنه حينا، قانعا بالدون من الحياة الجثمانية المتحطمة.
التدين إذن - ولا سيما في أديان التوحيد والخلود - عنصر ضروري لتكميل القوة النظرية في الإنسان؛ فبه وحده يجد العقل ما يشبع نهمته، ومن دونه لا يحقق مطامحه العليا. (1-2) قوة الوجدان في إشباع العواطف النبيلة
ثم هو فوق ذلك عنصر ضروري لتكميل قوة الوجدان؛ فالعواطف النبيلة من الحب، والشوق، والشكر، والتواضع، والحياء، والأمل، وغيرها، إذا لم تجد ضالتها المنشودة في الأشياء ولا في الناس، وإذا جفت ينابيعها في هذا العالم المتبدل المتبدد، وجدت في موضوع الدين مجالا لا تدرك غايته، ومنهلا لا ينفد معينه. (1-3) قوة الإرادة لتكوين البواعث والدوافع
وأخيرا هو عنصر ضروري لتكميل قوة الإرادة، يمدها بأعظم البواعث والدوافع، ويدرعها بأكبر وسائل المقاومة لعوامل اليأس والقنوط.
وهكذا نرى الفكرة الدينية تعبر عن حاجات النفس الإنسانية في مختلف ملكاتها ومظاهرها، حتى إنه كما صح أن يعرف الإنسان بأنه «حيوان مفكر»، أو بأنه «حيوان مدني بطبعه»، يسوغ لنا كذلك أن نعرفه بأنه «حيوان متدين بفطرته».
الفصل الرابع
وظيفة الأديان في المجتمع
(1) التدين أقوى كفالة لاحترام القانون
عرفنا أن الفكرة الدينية هي الغذاء الوافي لقوى النفس المختلفة، والمداد الخالد لحيويتها، ونزيد الآن بأن للأديان وراء هذه الوظائف النفسية الفردية وظائف أخرى اجتماعية، ليست بأقل من أختها خطرا.
Неизвестная страница