Дин
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Жанры
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها (سورة البقرة، الآية: 106).
ولولا اشتمال الشريعة السماوية على هذين النوعين ما اجتمع فيها العنصران الضروريان لسعادة المجتمع البشري: عنصر الاستمرار الذي يربط حاضر البشرية بماضيها، وعنصر الإنشاء والتجديد الذي يعد الحاضر للتطور والرقي اتجاها إلى مستقبل أفضل وأكمل.
ونحن إذا نظرنا نظرة فاحصة إلى سير التشريع السماوي من خلال الشرائع الثلاث نجد فيها هذين العنصرين واضحين كل الوضوح؛ إذ نجد كل شريعة جديدة تحافظ على الأسس الثابتة التي أرستها الشريعة السابقة، ثم تزيد عليها ما يشاء الله زيادته.
نرى شريعة التوراة مثلا قد عنيت بوضع المبادئ الأولية لقانون السلوك «لا تقتل» و«لا تسرق» ... إلخ. ونرى الطابع البارز فيها هو طابع تحديد الحقوق وطلب العدل والمساواة بينها ... ثم نرى شريعة الإنجيل تجيء بعدها فتقرر هذه المبادئ الأخلاقية وتؤكدها، ثم تترقى فتزيد عليها آدابا مكملة: «لا تراء الناس بفعل الخير، أحسن إلى من أساء إليك»، ونرى الطابع البارز فيها التسامح والرحمة والإيثار والإحسان ... وأخيرا تجيء شريعة القرآن فنراها تقرر المبدأين كليهما في نسق واحد:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان (سورة النحل، الآية: 90) مقدرة لكل منهما درجته في ميزان القيم الأدبية مميزة بين المفضول منهما والفاضل:
وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله (سورة الشورى، الآية: 40)،
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (سورة النحل، الآية: 126)، ثم نراها وقد أضافت إليها فصولا جديدة صاغت فيها قانون آداب اللياقة، رسمت بها مناهج السلوك الكريم في المجتمعات الرفيعة في التحية والاستئذان، والمجالسة والمخاطبة إلى غير ذلك ... كما نراه في سورة النور والحجرات والمجادلة.
هذا مثال من أمثلة الجمع في سير التشريعات السماوية بين عنصر المحافظة على القديم الصالح، وعنصر الأخذ بالجديد الأصلح. والأمثلة كثيرة لا يتسع لها نطاق هذا البحث.
هكذا كانت الشرائع السماوية خطوات متصاعدة ولبنات متراكمة في بنيان الدين والأخلاق وسياسة المجتمع، وكانت مهمة اللبنة الأخيرة منها أنها أكملت البنيان وملأت ما بقي فيه من فراغ، وأنها في الوقت نفسه كانت بمثابة حجر الزاوية الذي يمسك أركان البناء، وصدق الله وصف خاتم أنبيائه بأنه:
جاء بالحق وصدق المرسلين (سورة الصافات، الآية: 37)، وحين وصف اليوم الأخير من أيامه بأنه كان إتماما للنعمة وإكمالا للدين:
Неизвестная страница