Религия, откровение и ислам
الدين والوحي والإسلام
Жанры
مقدمة
الدين
تمهيد في العلاقة بين العلم والدين
1 - تحديد الدين وبيان أصله في نظر الباحثين من الفرنجة
2 - الدين في النظر الإسلامي
الوحي
1 - معاني كلمة: «الوحي»
2 - أهم النظريات في تفسير الوحي
الإسلام
1 - النظريات المختلفة في العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة «إسلام»
Неизвестная страница
2 - الرأي الراجح في العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة «إسلام»
مقدمة
الدين
تمهيد في العلاقة بين العلم والدين
1 - تحديد الدين وبيان أصله في نظر الباحثين من الفرنجة
2 - الدين في النظر الإسلامي
الوحي
1 - معاني كلمة: «الوحي»
2 - أهم النظريات في تفسير الوحي
الإسلام
Неизвестная страница
1 - النظريات المختلفة في العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة «إسلام»
2 - الرأي الراجح في العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة «إسلام»
الدين والوحي والإسلام
الدين والوحي والإسلام
تأليف
مصطفى عبد الرازق
مقدمة
عالجنا في هذا الكتاب ثلاثة موضوعات يكمل بعضها بعضا، ويرتبط بعضها ببعض أوثق الارتباط، وهي الدين والوحي والإسلام؛ فأولها بحث في حقيقة الدين على العموم، وثانيها تفسير لظاهرة هامة صاحبت معظم الأديان وتوقفت عليها نشأتها وهي ظاهرة الوحي، وثالثها توضيح للدين القائم على الوحي بمثال عال من أمثلته وهو الإسلام.
وقد عرضنا في الموضوع الأول لثلاثة مباحث: أحدها في العلاقة بين العلم والدين، وثانيها في تحديد الدين وبيان أصله في نظر الباحثين من الفرنجة (بداية الاهتمام بهذا البحث وصلة ذلك بتكون علم اللغات، معاني الكلمة الأوروبية الدالة على الدين وأصل مادتها اللاتيني، مذاهب علماء النفس ومذاهب علماء الاجتماع في أصل الدين، مناقشة التعاريف المختلفة للدين، حيرة العلماء في تعريف الدين ودلالتها)، وثالثها في الدين في النظر الإسلامي (أصل مادة الدين ومعانيها اللغوية المختلفة، الدين في لسان القرآن، المعنى الشرعي لكلمة دين، الدين عند الفلاسفة الإسلاميين والفرق بين الدين والفلسفة.)
وعرضنا في الموضوع الثاني لمبحثين؛ أحدهما في المعاني المختلفة لكلمة «الوحي» في اللغة والقرآن والسنة، وثانيهما أهم النظريات في تفسير ظاهرة الوحي (مذاهب المتكلمين، مذهب الفلسفة الإسلامية، رأي الصوفية، مذهب ابن خلدون، آراء المسلمين في العصور الحالية.)
Неизвестная страница
وأما الموضوع الثالث فقد عرضنا في قسمه الأول للنظريات المختلفة في العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة «إسلام»، وبسطنا في قسمه الثاني رأينا في هذا الموضوع.
مصطفى عبد الرازق
21 ذو القعدة سنة 1364ه / 27 أكتوبر سنة 1945م
الدين
تمهيد في العلاقة بين العلم والدين
يقرر العلامة الفرنسي إميل بوترو
Emile Boutroux «أن أمر العلاقات بين الدين والعلم - حين يراقب في ثنايا التاريخ - يثير أشد العجب؛ فإنه على الرغم من تصالح الدين والعلم مرة بعد مرة، وعلى الرغم من جهود أعاظم المفكرين التي بذلوها ملحين في حل هذا المشكل حلا عقليا - لم يبرح العلم والدين قائمين على قدم الكفاح، ولم ينقطع بينهما صراع يريد به كل منهما أن يدمر صاحبه لا أن يغلبه فحسب؛ على أن هذين النظامين لا يزالان قائمين. ولم يكن مجديا أن تحاول العقائد الدينية تسخير العلم؛ فقد تحرر العلم من هذا الرق، وكأنما انعكست الآية منذ ذاك، وأخذ العلم ينذر بفناء الأديان، ولكن الأديان ظلت راسخة وشهد بما فيها من قوة الحياة عنف الصراع.»
1
ولسنا نريد أن نعرض لتاريخ العلاقات بين الدين والعلم على مر العصور، وما تناوبها من سلام وحرب؛ فإن ذلك بحث يطول، وليس هو مما قصدنا إليه في هذا الكتاب، على أنه قد يكون غير خلو من المناسبة لغرضنا أن نذكر ما كتبه إميل بوترو عن موقف العلم والدين في أيامنا هذه؛ إذ يقول:
ليس التصادم الآن فيما يظهر بين الدين والعلم باعتبارهما مذهبين، بل التصادم أدنى أن يكون بين الروح العلمي والروح الديني، فليس يعني العالم أن يكون ما جاء في الدين من عقائد متفقا مع نتائج العلم؛ لأن الأساس الذي يعتمد عليه الدين فيما يجيء به يختلف عن الأساس الذي يعتمد عليه العلم؛ فالدين يقدم مسائله على أنها عقائد يجب الإيمان بها؛ أي يجب أن يتقيد بها العقل والوجدان، ويعرضها في صورة تدل على اتصال الإنسان بنوع من الأشياء يعجز علمنا الطبيعي عن إدراكه، وفي ذلك ما يجعل العالم - إن لم يرفض هذه المسائل نفسها - يرفض الأسلوب الذي يسلكه المتدين في الأخذ بها ، والمتدين من ناحيته إذا وجد جميع عقائده وعواطفه وأحكامه العملية مفسرة - بل مثبتة - بالعلم يكون حينئذ أبعد شيء عن مسألة العلم؛ فإن هذه الشئون إذا شرحت على هذا الوجه فقدت كل خواصها الدينية.
Неизвестная страница
2
الفصل الأول
تحديد الدين وبيان أصله في نظر الباحثين من الفرنجة
(1) بداية الاهتمام بهذا البحث وصلة ذلك بتكون علم اللغات
ندع هذا الصراع وتاريخه لنتجه إلى ناحية أخرى من نواحي الأبحاث العلمية الحديثة في الأديان، هي التي نقصد إلى دراستها، وهي ناحية تعريف الدين.
والمراد بتعريف الدين: تعيين الخصائص التي لا بد لكل دين منها، والتي لا يسمى الدين دينا إلا بها، والبحث في تعريف الدين مرتبط أشد ارتباط بالبحث في أصل الدين وجرثومته الأولى؛ فإن حقيقة الشيء هي العناصر المكونة له في أبسط مظاهره، وقد نهضت همم العلماء لهذا البحث منذ نحو قرن من الزمان؛ ذلك أنه قد تكون في القرن التاسع عشر علم اللغات، وأدى تعاون الباحثين في ألسنة البشر منذ أحدث أدوارها إلى أقدمها - أي دور التكون الأولي للغة - إلى معرفة العناصر المؤلفة للغات الإنسانية، هنالك رأى الباحثون أنه يمكن على هذا المثال إدراك عناصر الفكر الإنساني وجراثيمه، دينيا كان ذلك الفكر أم غير ديني؛ أما ما وراء التكون الأول للغة فهو لا يتصل بتاريخ الإنسان، وإن كان مما يهم الباحث في طبائع الأجسام؛ ذلك بأن الإنسان هو أولا وبالذات مفكر، واللغة أول مظهر من مظاهر تفكيره الديني وغيره، وفي ذلك يقول «ماكس مولر»:
يمكن أن يقال في الدين ما قيل في اللسان من أن كل جديد فيه فهو قديم، وكل قديم فيه فهو جديد، وأنه منذ بداية العالم لم يوجد قط دين كله مبتدع، وإنا لنجد عناصر الدين وجراثيمه مهما سمونا في تاريخ الإنسانية إلى أبعد مدى مستطاع، وتاريخ الدين كتاريخ اللغة؛ يرينا في كل مكان ألوانا متتابعة من التأليف المستحدث بين عناصر أصلية قديمة.
ثم يقول: «وإني لأشك في أن يكون قد آن الأوان لوضع خطة ثابتة لعلم الدين كالخطة التي وضعت لعلم اللغة.»
1
وإذا لم يكن تم وضع هذه الخطة لعلم الدين لعهد «ماكس مولر» في أواخر القرن التاسع عشر؛ فإن علم الدين لما يقم إلى اليوم على خطة ثابتة.
Неизвестная страница
على أن جهود الباحثين في تاريخ الأديان لا تزال متواصلة في تعرف أصل الدين، ووضع تعريف له جامع مانع على حد تعبير المناطقة، ولا يزال الباحثون منذ القرن الماضي يحاولون أن يضعوا للأديان شجرة أنساب كالتي وضعوها للغات. (2) معاني الكلمة الأوروبية الدالة على الدين وأصل المادة اللاتيني
ومما استعانوا به على مقصدهم تعرف أصل المادة التي تدل على «دين» وتتبع المعاني المعروفة لكلمة «دين» نفسها.
والكلمة التي تقابل عند الأمم الأوروبية لفظ «دين» العربي هي «رلجيون
Religion » المقتبسة من اللغة اللاتينية، وقد اختلفوا في مبدأ الاشتقاق لصيغة «رلجيو»
Religio
اللاتينية؛ على أن أكثر المتقدمين يردها إلى مادة تفيد معنى الربط الشامل؛ لربط الناس ببعض الأعمال من جهة التزامهم لها وفرضها عليهم، ولربط الناس بعضهم ببعض، ولربط البشر بالآلهة. بل يحاول بعض متأخري العلماء أن يجعل مأخذ الكلمة شاملا لمعنى الربط وما إليه كالجمع، هذا مع اختلاف الأقاويل في اللفظ الأول الذي هو مصدر الاشتقاق.
وكلمة «رلجيو»
Religio
اللاتينية تدل في غالب استعمالاتها على معنى الشعور بحق الآلهة مع الخشية والإجلال، أما كلمة «رلجيون
Religion » الحديثة فتطلق على معان ثلاثة: (1)
Неизвестная страница
نظام اجتماعي لطائفة من الناس، يؤلف بينها إقامة شعائر موقوتة، وتعبد ببعض الصلوات، وإيمان بأمر هو الكمال الذاتي المطلق، وإيمان باتصال الإنسان بقوة روحانية أسمى منه حالة في الكون، أو متعددة، أو هي الله الواحد. (2)
حالة خاصة بالشخص مؤلفة من عواطف وعقائد ومن أعمال عادية تتعلق بالله. (3)
احترام في خشوع لقانون أو عادة أو عاطفة، ولعل هذا المعنى الأخير هو أقدم هذه المعاني.
ولئن فصلت هذه المعاني ليسهل تحليلها، فإن الغالب أن يدل اللفظ عليها مجتمعة مع غلبة المعنى الأول في بعض الأحوال، وغلبة المعنى الثاني أحيانا. (3) مذاهب علماء النفس ومذاهب الاجتماعيين في أصل الدين
وقد رأينا أن من معاني الدين المتعارفة معنى يجعله من موضوع علم الاجتماع، ومعنى يرده إلى علم النفس.
أما الذين درسوا أصل الدين من الوجهة «البسيكولوجية» فقد ذهبوا طرائق قددا: فمنهم من يرى أن جرثومة الدين تتولد من الإدراك المغروز في فطرة الإنسان للعلية والمعلولية بين الأشياء، ومنهم من يجعل أصل الدين شعور الإنسان بأنه تابع لغيره وليس مستقلا، ومنهم من يرد أصل الدين إلى ما يلقى في روع الإنسان بالفطرة من وجود لا يتناهى، ومنهم من يرى أن الدين ينبعث من نزوع إلى الزهادة في الدنيا؛ ويقول بعض علماء النفس: إن هذا الحدث من أحداث الحياة «البسيكولوجية» ليس بسيطا يمكن رده إلى سبب واحد بسيط من هذه الأسباب.
وأما علماء الاجتماع: فهم يرون أن الدين لا يخلو من معنى العاطفة النفسية، ولكنه لا يخلو أيضا من الاتصال بشئون الجماعة؛ بل ينتهي الأمر بالعلماء الاجتماعيين الباحثين في تاريخ الأديان وأصولها إلى اعتبار الصبغة الاجتماعية في الدين أقوى وأرسخ من كل صبغة سواها. (4) التعاريف المختلفة للدين ونقدها
وقد ذكر العالم الاجتماعي «دوركايم
Durkheim » في كتابه «الصور الأولى للحياة الدينية
Les Formes Elémentaires de la Vie Religieuse » تعريفات مختلفة للدين، ثم عرض لنقدها، وذكر بعد ذلك تعريفا يراه هو جامعا مانعا لا يرد عليه اعتراض.
Неизвестная страница
فمن المعاني التي جرى الأمر على اعتبارها خاصة مميزة لكل ما هو ديني معنى يجعل الدين مرادفا لما وراء العقل، ويعنون بما وراء العقل كل الأشياء التي تسمو عن متناول إدراكنا؛ أي عالم الغيب الذي لا يدرك ولا يعقل
mystère ou inconnaissable ، فالدين هو نوع من الإدراك لما يفوت العلم وينقطع دونه العقل، وممن يرى ذلك الرأي «سبنسر
Spencer » و«ماكس مولر
Max Müller ».
ولا يرضى دوركايم عن هذا التعريف؛ فإن أمر الغيب المتعالي عن العقول هو من غير شك ذو أثر عظيم في بعض الأديان، لكن هذا الأثر يتفاوت في أدوار التاريخ الديني. فقد وجدت عصور تضاءلت فيها هذه الفكرة، وكان التوفيق بين العقائد الدينية وبين العلم والفلسفة غير عسير، كما حصل في أوروبا في القرن السابع عشر مثلا؛ وعلى كل حال: فإن من المحقق أن معنى الغيب الذي لا يعقل ليس فطريا، ولا مركوزا في طبع الإنسان، ولم يظهر في تاريخ الأديان إلا منذ عهد حديث، من أجل ذلك لا نجده في أديان الأمم الساذجة، بل لا نجده في بعض الأديان الراقية، فإذا أخذناه في تعريف الدين خرج من الحد أكثر أفراد المعرف؛ فلم يكن التعريف شاملا كاملا.
ولا يرضى دور كايم كذلك بأن يميز الدين بالخارق للطبيعة كما فعل «برونتيير
Brunetière » فإن تصور الخارق للطبيعة كما نفهمه؛ يستدعي تصور مقابله أي الطبيعي، فما يكون لنا أن نقول في أمر: إنه خارق للطبيعة حتى يكون لنا من قبل شعور بأن للأشياء نظاما طبيعيا، بمعنى أن شئون الكون مرتبطة فيما بينها بروابط ضرورية تسمى «نواميس»، وهذا الشعور هو وليد الأمس، على حين أن الدين أقدم نظام عرفه الإنسان، فلا يعقل إذن أن يكون الدين قد قام على الخارق للطبيعة، ولا أن يكون الخارق للطبيعة هو المميز للدين مما عداه.
وهناك معنى آخر كثر ما حاولوا أن يعرفوا الدين به وهو: الألوهية؛ فالدين في رأي بعضهم هو ضبط الحياة الإنسانية عن طريق الشعور برابطة تصل بين الروح الإنساني وروح غيبي يعترف البشر بسلطانه على العالم كله وعليهم مع شعورهم باتصالهم به.
ويرى دوركايم: أن هذا التعريف ليس بمقبول أيضا، فإنه إذا اعتبرت الألوهية بمعناها الضيق خرجت من التعريف أمور هي دينية بالبداهة، فأرواح الأموات والأرواح الأخر المتعددة الأنواع والمراتب التي يملأ بها الكون الخيال الديني في كثير من الأمم هي دائما موضع لمناسك، بل قد تكون أحيانا موضعا لاحتفالات تعبدية موسمية، وهي على ذلك ليست آلهة بالمعنى الحقيقي.
وقد حاول بعض العلماء أن يجعل هذا التعريف شاملا فوضع عبارة «موجودات روحانية» مكان لفظ «إله»، فالدين على هذا هو: الإيمان بموجودات روحانية، وينبغي أن نفهم من الموجودات الروحانية موجودات دراكة لها قدرة تعلو على قدرة البشر.
Неизвестная страница
ولا يرضى دوركايم عن هذا التعريف كذلك، ويرى أنه مهما يبد لنا واضحا لما وقر في نفوسنا من أثر التربية الدينية؛ فإن هناك أمورا لا ينطبق عليها، مع أنها لا تخرج عن دائرة الدين، فهذا التعريف ناقص غير شامل؛ وذلك أنه توجد أديان عظيمة خلو من فكرة «الله» ومن فكرة الكائنات الروحانية كما يشهد بذلك دين البوذية القديم الصحيح. فالبوذية لا تؤمن بإله يخضع لسلطانه البشر، ومهما قيل في أمر ألوهية «بوذا»؛ فإن هذا التأليه متأخر عما هو في الحقيقة أصل الديانة البوذية.
أما التعريف الذي يختاره دور كايم فهو يفصله على الوجه الآتي: تنقسم الأمور الدينية بطبيعتها إلى قسمين أصليين: عقائد وعبادات؛ فالعقائد: هي شأن من شئون الفكر، وهي عبارة عن علم، أما العبادات: فهي عبارة عن صور خاصة للعمل، ويميز بين هذين النوعين ما يميز بين العلم والعمل.
ولا يمكن تعريف العبادات وتمييزها من سائر الأعمال الإنسانية وعلى الخصوص الأعمال الخلقية إلا بطبيعة موضوعها ومتعلقها. والواقع أن النواميس الخلقية مفروضة علينا كفرض العبادات، لكن موضوعها ومتعلقها من نوع مختلف. فلا بد إذن من تعريف متعلق العبادات حتى يمكن تعريف العبادات نفسها. ولما كانت العقائد هي التي تبين لنا هذا الموضوع أو المبدأ الذي ترجع إليه العبادة؛ فليس من الممكن تعريف العبادات حتى تعرف العقائد.
وجميع العقائد الدينية المعروفة - ساذجة كانت أم غير ساذجة - تحتوي على ذاتي مشترك بينها، هو أن الأشياء كلها ظاهرة أو باطنة على مرتبتين وعلى نوعين متقابلين: مقدس وغير مقدس، فالمميز للمعنى الديني هو تقسيم العالم إلى مقدس وغير مقدس، والأشياء المقدسة هي المحرمة التي يميزها عن غيرها ويفردها تعلق النهي بها، بخلاف الأشياء التي ليست مقدسة؛ فإنها غير محاطة بسياج من هذه النواهي. فالعقائد الدينية هي العلم بطبائع الأمور المقدسة وما بينها من روابط والعلم بعلاقاتها بالأمور غير المقدسة.
أما العبادات: فهي نظم للسلوك تقرر كيف ينبغي للإنسان أن يكون بإزاء الأشياء المقدسة.
وليست الأمور المقدسة مقصورة على الآلهة والأرواح؛ فقد يكون التقديس لصخرة أو شجرة أو بئر أو بيت أو غير ذلك.
على أن تعريف الدين بهذا التمييز بين المقدس وغير المقدس ليس وافيا في نظر دوركايم؛ لأنه يشمل أمرين مختلفين يحتاجان إلى تفرقة بينهما، وهما: السحر والدين. فإن الدين ينفر من السحر نفور السحر من الدين، والسحر نزاع إلى امتهان الأمور المقدسة، وهو في أفاعيله يعارض الأعمال الدينية، وإذا لم يكن الدين يحرم أفاعيل السحر فإنه ينظر إليها غالبا نظرة ازدراء وإنكار.
أما الذي يفرق بين الدين والسحر فهو أن العقائد الدينية على الحقيقة هي دائما مشتركة بين جماعة معينة تؤمن بها وتعمل ما يسايرها من العبادات، فليست هذه العقائد مقررة محققة بمجرد إيمان كل فرد من الجماعة بها، بل هي عقيدة الجماعة، وهي التي جعلتها جماعة. والجماعة التي يؤلف بين أفرادها إدراكهم للعالم المقدس واتحادهم في التعبير عن هذا الإدراك بصورة عملية هي ما يسمى «أهل الملة، أو الملة»
2
Eglise .
Неизвестная страница
فمعنى الدين لا ينفصل عن معنى الطائفة، وذلك يشعر بأن الدين يجب أن يكون شأنا من شئون الجماعة.
وبناء على ما ذكر يكون التعريف الكامل المطرد المنعكس للدين هو ما يأتي:
الدين هو نظام من عقائد وأعمال متعلقة بشئون مقدسة، أي مميزة محرمة تؤلف من كل من يعتنقونها أمة ذات وحدة معنوية.
3
وقد عرض الأستاذ «لالاند
Lalande » في كتابه «معجم اصطلاحي ونقدي للفلسفة»
4
لمناقشة دوركايم، فقال: «يبدو لي أنه لا تناقض من جهة الشكل بين تعريف «برونتيير» للدين وتعريف «دوركايم»؛ فإن المقابلة التي يقررها «دوركايم» بين المقدس وغير المقدس
sacré et non sacré
تطابق ما يقرره «برونتيير» بين الطبيعي والخارق للطبيعة
Неизвестная страница
naturel et surnaturel . والواقع: أن الذي يحقق ماهية الدين هو التمييز بين حالتين أو عالمين مختلفين اختلافا ذاتيا، أو هو بعبارة أدق: الإيمان بنوع من الموجودات أسمى من سائر الأنواع، ولعل هذا هو رأي «إكيين»
Euchen
إذ يقول: «إن الذي هو مقوم للدين وضروري له في جميع صوره هو أن يجعل في مقابلة العالم الذي يحف بنا موجودا آخر أو نوعا جديدا أرقى من سائر الأشياء، وأن يصنف الكون أصنافا من ممالك مختلفة وعوالم متباينة.» وقد يتحقق دين من غير إيمان بالله كما يشهد بذلك دين البوذية القديم الصحيح، أما من غير إثنينية في العالم ولا استشراف إلى نوع من الموجودات مختلف فلا يكون لفظ «الدين» إلا هراء من القول.»
وجملة القول أن الأستاذ «لالاند» يميز الدين بكونه يجعل في العالم إثنينية ويرتب العالم مراتب، فتعريفه للدين أعم من تعريفي «برونتيير» و«دوركايم».
ولعل الأستاذ «لالاند» لا يريد أن يقول: إن معنى الطبيعي والخارق للطبيعة هو معنى المقدس وغير المقدس؛ فقد شرح دوركايم الفرق بينهما بما لا يحتمل لبسا، بل قد يكون غرضه أن المذهبين متحدان في اعتبار الدين قائما على التفرقة بين أنواع الموجودات التي يشملها الكون لا على وحدتها وتشاكلها.
وقد حذف الأستاذ «لالاند» من تعريف الدين قيد الجمع بين طائفة من الناس، وهو القيد الذي زاده «دوركايم» ليخرج السحر، ويظهر من ذلك أنه ليس بحتم عند «لالاند» أن تكون الأمور الدينية شأنا من شئون الجماعة.
لكن يبقى أن الدين يكون حينئذ شاملا للسحر. وليس كل العلماء على رأي دوركايم في التفرقة بين الدين والسحر؛ فإن الأمم الساذجة قد يختلط دينها بسحرها، وقد يكون السحرة فيها هم الزعماء الدينيين. أما العداوة بين السحر والدين التي ذكرها «دوركايم» فلا تنشأ في الأمم حتى تجاوز دور السذاجة؛ على أن جعل الدين شأنا من شئون الجماعة الذي حسبه مخرجا للسحر ليس في الحقيقة مميزا للدين عن السحر؛ فإن السحر أيضا متصل بالجماعة وقائم على عقائدها، كما تدل عليه أبحاث العلماء في أمر السحر عند الشعوب الأسترالية. وفي ذلك يقول الأستاذان هوبير وموس: «إن الساحر الأسترالي هو عند نفسه - كما هو عند غيره - إنسان تصوره الجماعة وتسوقه إلى أداء ما صورته له.»
5
وتعريف الدين الذي اختاره الأستاذ «لالاند» هو أيضا يمكن أن يكون محلا للمناقشة؛ فإن اعتبار الموجودات كلها ليست من نوع واحد ولا في مرتبة واحدة، لا يخرج بعض مذاهب الفلسفة ولا بعض العلوم التي قد تعترف بأن في الكون أنواعا هي أسمى من أنواع في طبيعتها من غير أن يجعلها ذلك دينا، اللهم إلا إذا لوحظ في هذا التعريف معنى الإيمان لا الإدراك العلمي، فحينئذ يسلم من الاعتراض ويصبح أرجح تعريفات الدين كما هو أحدثها فيما نعلم. (5) حيرة العلماء في تعريف الدين ودلالاتها
على أن هذه الحيرة - حيرة العلماء في تحديد عناصر الدين - وهذا الخلاف بينهم على وضع تعريف يعرب عن حقيقته، كل أولئك يدل على أن العلم لم يكشف الحجب عن الدين وأسراره.
Неизвестная страница
وربما كان من غرور العقل البشري أن يزعم لنفسه القدرة على هدم بناء متين متغلغل الأسس في الفطر الإنسانية من قبل أن يعرف مواد هذا البناء، أو يعرف كيف تم بناؤه.
الفصل الثاني
الدين في النظر الإسلامي
(1) كلمة «دين» العربية
أصل هذه المادة ومعانيها المختلفة في لسان العرب
في معاجم اللغة العربية معان متعددة للفظ «دين»، بلغ بها بعضهم عشرين معنى أو تزيد، لكن في هذه المعاني ما هو مولد بعضه من بعض، وفيها ما هو مجازي، وبعضها متداخل.
ومن معاني الدين اللغوية «الملة»، وهو معنى مولد كما نص عليه الراغب الأصفهاني في كتاب «المفردات في غريب القرآن»؛ إذ يقول: «والدين يقال للطاعة والجزاء، واستعير للشريعة، والدين كالملة، لكنه يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشريعة.» فللدين على رأيه معنيان لغويان أصليان هما: الطاعة والجزاء، ومعنى الشريعة مستعار من المعنى الأول.
وفي تفسير النيسابوري عند قوله تعالى:
إن الدين عند الله الإسلام : «والدين في اللغة الجزاء، ثم الطاعة سميت دينا؛ لأنها سبب الجزاء.»
وفي كليات أبي البقاء: «والشريعة من حيث إنها يطاع بها تسمى دينا، ومن حيث إنها يجزى بها أيضا.»
Неизвестная страница
ويرى الشهرستاني في كتاب «الملل والنحل» أن المعاني الأصلية لكلمة «دين» هي الطاعة والانقياد والجزاء والحساب، ثم يجعل الدين بمعنى الملة والشريعة متفرعا من جملة تلك المعاني الثلاثة.
ويقول المستشرق «ماكدونالد»
Macdonald
في الفصل الذي كتبه عن لفظ «دين» في دائرة المعارف الإسلامية: توجد في الحقيقة ثلاث كلمات متباينة في ثنايا الخليط من المعاني الذي يحشده اللغويون للفظ «دين»: (1)
كلمة آرامية عبرية بمعنى حكم. (2)
كلمة عربية بمعنى العادة والديدن. (3)
وكلمة فارسية لا صلة لها بالكلمتين الأوليين تدل على معنى الملة.
ثم نقل عن «فولرس »
Vollers
أنه ينكر وجود هذا اللفظ عربيا أصيلا، ويقرر أن لفظ «دين» الفارسي كان مستعملا عند العرب قبل الإسلام، وأن كلمة «دين» بمعنى العادة أخذت منه.
Неизвестная страница
وبعيد أن يكون لفظ «دين» بمعنى «ملة» لفظا غير عربي خصوصا مع الاعتراف بوجود اللفظ نفسه عربيا بمعنى آخر في رأي «ماكدونالد». والناظر في هذه المادة يجد من تفنن العرب في الاشتقاق منها وتعديد الصيغ وفي تشعب استعمالاتهم لها ما لم تجربه عادتهم في الكلمات المعربة.
وإذا كان استعمال «الدين» في معنى الملة استعمالا مولدا من معنى أصلي للمادة؛ فإنني لست أميل إلى رأي القائلين بأن هذا المعنى الأصيل هو الطاعة أو الجزاء أو هو جملة الطاعة والحساب والجزاء؛ ذلك بأن الطاعة تستلزم آمرا مطاعا وأمرا يطاع، فهي تستدعي أن يكون الدين ذا إله وشريعة، وكذلك الجزاء والحساب يستدعيان مجازيا محاسبا، بيد أن من أديان العرب في الجاهلية التي تسمى في لسانهم «دينا» من غير شك ما ينكر الإله القادر وينكر الحساب والجزاء، وقد أشار القرآن إلى ذلك؛ إذ يقول:
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون
1
والقرآن نفسه يسمى ما كان عليه العرب دينا؛ إذ يطلب إلى الرسول أن يقول للكافرين:
لكم دينكم ولي دين .
2
ويلاحظ أن أكثر معاجم اللغة العربية تجمع لفظ «دين» ولفظ «دين» في مقام واحد باعتبار أنهما من مادة واحدة، بل هما يردان مصدرين لفعل واحد، ولذلك يلوح لي أن صيغة «دين» أجدر بأن تكون أصلا لصيغة «دين». فإن «فعلا» في العربية أكثر استعمالا من «فعل» وأدنى إلى البساطة وسهولة الاستعمال، ويزيد هذا رجحانا في نظري أن كلمة «دين» تطلق في بعض مدلولاتها على كل شيء غير حاضر.
ففي لسان العرب: «والدين واحد الديون معروف، وكل شيء غير حاضر دين، والجمع أدين مثل أعين وديون»، أفليس من المعقول أن تكون كلمة «دين» بمعنى ملة مأخوذة من كلمة «دين» بمعنى الشيء غير الحاضر؟ فإن أساس الأديان كلها الإيمان بأمر وراء هذا الوجود المحسوس الحاضر.
وليس ذلك بمانع من أن كلمة «دين» مستعملة في لغة العرب لمعان مختلفة منها: الطاعة والحساب والجزاء، ومنها القضاء والحكم، ومنها الحال والعادة ... إلى غير ذلك. (2) الدين في لسان القرآن
Неизвестная страница
هذا وقد ورد لفظ «دين» في أكثر من ثمانين موضعا من القرآن.
وفي كتاب «كليات أبي البقاء»: «وكل ما في القرآن من الدين فهو الحساب.»
ولسنا نجد لهذا القول مساغا، بل إن صاحب الكتاب نفسه ذكر بعد ذلك ما يخالفه.
أما المستشرق «ماكدونالد» فيقول: إن كل ما ورد في القرآن من لفظ «دين» يمكن تفسيره بأحد المعاني الثلاثة التي ذكرناها عنه آنفا، وهي: الحكم، والعادة، والملة.
والمفهوم من كلام الراغب الأصفهاني أن الدين في القرآن يفسر بالطاعة تارة، والجزاء تارة، ويرد بمعنى الملة أيضا.
ولعل أسلم الآراء هو ما يدل عليه كلام الراغب الأصفهاني؛ فإنك قد لا تجد كبير عناء في حمل الدين في الآيات القرآنية على معنى الجزاء أو الطاعة أو الملة.
استعمل القرآن لفظ الدين في المعاني المعروفة عند العرب على وفق استعمالاتهم. ومن تلك الاستعمالات الدلالة بلفظ «دين» على معنى الملة. وبديهي أن العرب كانوا يريدون من الدين بمعنى الملة معنى يشمل ما كان معروفا لهم من الأديان، وقد جاء القرآن والعرب في موقف تشعب ديني واضطراب. والقرآن هو أصدق مرجع في تصوير حالة العرب من هذه الناحية عند ظهور الدين الإسلامي؛ فإن القرآن أقدم ما نعرفه من الكتب العربية، وهو بما لقي من العناية بحفظه على مر العصور بين المسلمين أجدر المراجع بالثقة.
وقد ذكر القرآن في ثلاث آيات من آياته ما يدل على الأديان التي كان للعرب اتصال بها في عهده:
الآية الأولى:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
Неизвестная страница
3
والآية الثانية:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
4
والآية الثالثة:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد .
5
ومذهب الصابئة على ما يحيط بتاريخه من غموض يكاد يتم الاتفاق على أنه يقر بالألوهية، ويرى أنا نحتاج في معرفة الله ومعرفة أوامره وأحكامه إلى متوسط، لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانيا لا جسمانيا، ففزعوا إلى هياكل الأرواح وهي الكواكب، فهم عبدة الكواكب.
أما المجوس فهم ثنوية أثبتوا للعالم أصلين اثنين مدبرين يقتسمان الخير والشر، يسمون أحدهما «النور» والثاني «الظلمة». والمجوس الأصلية زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي والظلمة محدثة، ويعتقد المجوس أن الدين يجب أن يكون بواسطة نبي وأن يعتمد على كتاب.
وأما المشركون فهم طوائف مختلفة؛ فصنف منهم أنكر الخالق والبعث والإعادة، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني، وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد في قوله:
Неизвестная страница
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ،
6
وفي قوله:
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين
7
وصنف منهم أقر بالخالق، وأثبت حدوث العالم، وأنكر البعث والإعادة، وهم الذين أخبر عنهم القرآن في قوله:
وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم .
8
وكان من العرب من أقر بالخالق، وأثبت حدوث العالم وابتداء الخلق، وأقر بنوع من الإعادة، وأنكر الرسل، وعبدوا الأصنام، وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الآخرة، وحجوا إليها، ونحروا لها الهدايا، وقربوا القرابين، وهؤلاء هم الدهماء من العرب، وهم الذين حكى الله قولهم في آية:
ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار .
Неизвестная страница
9
ومعنى الدين الذي يتسع لهذه المذاهب كلها، والذي يكون محتويا على المعنى المشترك بينها من غير أن يشمل ما لا يسمى دينا، هو المعنى القائم على أن الدين هو الإيمان بأن الموجودات كلها ليست من نوع واحد ولا في مرتبة واحدة، بل بعضها أسمى من سائر الأنواع، أو هو الإيمان بذلك بشرط أن يكون ملة تجتمع على الأخذ بها أمة من الناس.
هذا هو المعنى العام الذي ينبغي أن يفهم من لفظ «دين» في لغة العرب، كما هو المعنى العام لما يقابل لفظ «دين» في اللغات الأعجمية، أي إن هذا هو الحد التام لماهية «الدين» الذي لا يتحقق بدونه أي حقيقة دينية في أي جيل من الناس. (3) المعنى الشرعي لكلمة «دين»
ولئن كان القرآن قد استعمل لفظ «دين» بهذا المعنى الشامل كما يدل عليه تسمية نحل المشركين أديانا في قوله:
لكم دينكم ولي دين ؛ فإن القرآن قرر في أمر الدين أصولا جعلت للدين معنى شرعيا خاصا.
فالدين لا يكون إلا وحيا من الله إلى أنبيائه الذين يختارهم من عباده ويرسلهم أئمة يهدون بأمر الله كما يؤخذ من كثير من آيات الكتاب:
كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب .
10
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
11
Неизвестная страница
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما .
12
شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .
13
وهذا الدين الذي يوحيه الله إلى أنبيائه هو واحد لا يختلف في الأولين والآخرين، يدل على ذلك الآية الأخيرة:
شرع لكم من الدين ... إلخ. فقد قال مجاهد في معنى هذه الآية: «أوصيناك يا محمد وإياهم دينا واحدا»، وقال الرازي في تفسيرها: «والمراد: شرع لكم من الدين دينا تطابقت الأنبياء على صحته.» ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى:
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون * فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ،
14
يعني ملتكم ملة واحدة أي متحدة في العقائد وأصول الشرائع، أو جماعتكم جماعة واحدة متفقة على الإيمان والتوحيد في العبادة.
وقال - تعالى:
Неизвестная страница
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ،
15
قال الطبري في تفسير هذه الآية: «ثم ذكر نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم
وأخبره أنه أنزل إليه الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب، وأمره بالعمل بما فيه والحكم بما أنزل إليه فيه، دون ما في سائر الكتب غيره، وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شريعة الأنبياء والأمم قبله الذين قص عليه قصصهم، وإن كان دينه ودينهم في توحيد الله والإقرار بما جاءهم به من عنده والانتهاء إلى أمره ونهيه واحدا، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكل واحد منهم ولأمته فيما أحل لهم وحرم عليهم»، وروى الطبري عن قتادة قوله: «
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، يقول سبيلا وسنة، والسنن مختلفة؛ للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء بلاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل»، وروى الطبري عن قتادة أيضا: «والدين واحد والشريعة مختلفة.»
وفي القرآن الكريم أيضا :
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين .
16
قال الزمخشري: «فاختص هداهم بالاقتداء، ولا تقتد إلا بهم، وهذا معنى تقديم المفعول، والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع؛ فإنها مختلفة، وهي هدى ما لم تنسخ، فإن نسخت لم تبق هدى، بخلاف أصول الدين فإنها هدى أبدا.»
Неизвестная страница