Религия человека
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Жанры
فالكامي، الذي يرى فيه الياباني المبدأ الكلي الأقدس المحيط بظواهر الكون جميعها، ليس ألوهة مفارقة متمايزة عن خلقها، بل هو الخميرة الفاعلة في صميم هذا الخلق. ونظرا لكونه متخللا في كل شيء، فإن قوته تتكثف في بعض مظاهر الطبيعة أكثر من غيرها؛ ولذا يعلى من شأن هذه وتعبد. كما قد تتكثف هذه القوة الفاعلة في بعض الأرواح فتمتلئ قدسية وترتقي إلى رتبة الآلهة، التي ليست في حقيقة الأمر سوى قوة المجال القدسي وقد تجزأت وصارت صلة وصل بين الكامي والإنسان. ولا أدل على الدور الثانوي الذي تلعبه الآلهة في الشنتو من كثرة عددها وامتلاء الأرض والسماء بها، وكذلك امتلاء الأرض والسماء بالمقدسات والمعبودات من كل نوع، والتي تقود كلها إلى الحقيقة الواحدة الجديرة بالعبادة والتقديس.
ينعكس المعتقد الديني للشنتو على نظرة الياباني لمكانته في العالم ودوره في النظام الكلي للكون؛ فالبشر هم أطفال الكامي، منه تلقوا الحياة وبه يستمرون في كل يوم. من هنا تأتي قدسية حياة الإنسان، والاحترام الكبير الذي يكنه كل ياباني لحياة الفرد الآخر وشخصه وحقوقه الأساسية؛ فكل عضو في الجنس البشري، بصرف النظر عن عرقه وقوميته ومواطنيته، يحمل قبسا من القداسة استمده من الكامي. غير أن جوهر القداسة في الإنسان لا يظهر تلقائيا، وإنما يتطلب من المرء أن يجلو قلبه ليشع منه نور حقيقته، وذلك بتطهير أفكاره وأفعاله، والإخلاص في تعامله مع عالم المقدسات وعالم الناس. والفرد، رغم تمتعه بخصائص شخصية تميزه وتؤكد استقلاليته، إلا أنه ليس ذاتا منعزلة عن بقية الذوات ومنقطعة عن الجماعة، بل حلقة في سلسلة تمتد في الماضي نحو الأسلاف وفي المستقبل نحو الأجيال القادمة، فهو صلة وصل ضرورية في استمرارية حيوية لكائن واحد هو المجتمع بماضيه وحاضره ومستقبله، وعليه أن يلعب دورا إيجابيا في ارتقاء تقدم الحياة. ودور الفرد هذا مرتبط بنظرة الشنتو الأشمل للتاريخ الصاعد أبدا في اتجاه تقدمي لا نكوص فيه، والذي نصنعه حيوات وجهود كل الأفراد. من هنا فإن الكون أزلي في ذهن الياباني الذي لا يحمل أية معتقدات حول نهاية العالم وفناء البشرية، فلا قيامة ولا بعث ولا نشور. وما على الفرد إلا أن يحيا كل لحظة بكامل أبعادها، ويعطيها ما تستحقه من قيمة باعتبارها لحظة مهمة في حياة الكون.
7
وهكذا تعطينا ديانة الشنتو في اليابان أول إشارة مشجعة في طريقنا الجديد الذي نطرقه لاستكشاف معتقدات الحضارات الكبرى. فنحن ما زلنا نسير في أرض مألوفة، والمعتقد الأساسي للثقافات الحجرية والبدائية يتكرر هنا وإن بتنويعات مختلفة. (2) قوة السماء وتبعية الآلهة
في الفكر الصيني
لم يأخذ الصينيون عبر تاريخهم مسألة تشخيص الألوهة بشكل جدي، ولم يظهروا ميلا لاعتبار الكون مخلوقا من قبل ملك سماوي يتحكم فيه، بل لقد رأوا فيه ما يشبه الجسد الحي الذي يقوم على تنظيم نفسه وفق آلية ضبط ذاتي، وهناك أمثولة تاوية يرويها الحكيم تشانغ تزو من القرن الرابع قبل الميلاد عن هذه التلقائية الكونية، فيقول: «بأن الحريش الذي يزحف مستعينا بأربعة وأربعين طرفا (أم أربع وأربعين) قد سئل عن كيفية تدبيره لحركة هذه العشرات من أرجله، فأجاب بأن المسألة لم تشغل باله قبل ذلك، فهو يشعر بأن أرجله تدبر أمرها بنفسها دون تفكير منه ودونما حاجة إلى تدخله.»
8
ومع ذلك، فإن الديانة الصينية التقليدية السابقة على البوذية حافلة بالآلهة من شتى الأشكال والأنواع، شأنها في ذلك شأن الديانة اليابانية، ولكن هذه الكائنات المتفوقة، التي نطلق عليها اسم آلهة، ليست في الواقع إلا أسلافا أسطوريين قد رفعوا تدريجيا إلى مراتب أعلى في سلم السلطة الكونية. وتظهر السير الأسطورية لحياة هؤلاء كيف ابتدأ أمرهم كرجال صالحين على الأرض، وكيف تم تأليههم وعبادتهم فيما بعد. ومما يلفت النظر في أمر الآلهة الصينية على كثرتها، أنها لا تظهر بالفعل كشخصيات إلهية ذات كيان محدد ووظيفة دائمة، بل ككائنات شبحية غير محددة الملامح، تكتسب قوتها من قوة المنصب الذي تشغله؛ ذلك أن الوظيفة الإلهية هي الثابتة، أما شاغلوها فمتحولون ومتنقلون. ففي كل إقليم من الأقاليم الصينية الكثيرة، يجري توزيع الوظائف والاختصاصات (تصريف الرياح أو إنزال المطر أو قدح البرق ... إلخ) بين الآلهة الصينية نفسها بشكل مختلف عن الآخر تماما، وقد يتم ترفيع إله إلى مقام أعلى أو تخفيض مرتبته أو حتى صرفه من الخدمة نهائيا.
9
أما المصدر الحقيقي لقدرة الآلهة الصينية، فهو مفهوم غير شخصي للألوهة يتمثل في قوة السماء التي يدعونها تي-يين
Неизвестная страница