Религия человека
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Жанры
تريث إيلاجابال في مغادرة سوريا انتظارا لاستتباب الأمور تماما في روما، وكان مجلس الشيوخ الذي صادق على قرار القطعات العسكرية بتنصيبه إمبراطورا يحثه على القدوم إلى العاصمة. وقبل أن يشد الرحال لاستلام مقاليد أعلى سلطة زمنية في العالم، أرسل صورة له إلى مجلس الشيوخ تمثله في الأردية الكهنوتية الحمصية، طالبا وضعها على كرسي القيصر الفارغ إلى حين وصوله؛ وبذلك كشف للمسئولين ولعامة الشعب هناك عن هوية الحاكم الجديد، ولفت انتباههم إلى أنهم في انتظار قدوم مبشر ديني وصاحب رسالة روحية لا قيصر روماني. وعندما دخل روما بعد ذلك بوقت قصير عام 192 ميلادية، أكد مجددا، ومن خلال عرض عملي، رسالته المتضمنة في صورته إلى مجلس الشيوخ، فاخترق في موكب شرقي شوارع المدينة، عليه رداء أرجواني مذهب، تحته بنطال شرقي طويل، وعلى رأسه إكليل نفيس. فإذا تخيلنا مثل هذه البهارج الكهنوتية يضعها غلام في الرابعة عشرة من عمره، عرفنا لماذا شبهه الناس حينها بالإله ديونيسيوس.
بعد استقراره في العاصمة، ترك إيلاجابال شئون الحكم والسياسة إلى جدته ميساء تصرفها كما تشاء، وتفرغ لخدمة إلهه والتبشير بديانته؛ فاستقدم الحجر الأسود من هيكل حمص وبنى له معبدين، واحدا في المدينة وآخر خارجها أمام الأسوار، على غرار المعبدين اللذين لإيلاجابال في حمص؛ فواحد لإقامته في الشتاء، وآخر له في الصيف. وكان عامة روما يرون القيصر وهو على رأس موكب ديني مهيب، مثبتا نظره على الحجر المقدس الذي تنقله عربة مذهبة تجرها جياد ستة، يرافق إلهه بين هذين المعبدين في الأوقات المعلومة. أما طقوس المعبد فكانت تجري بحضور أعضاء مجلس الشيوخ بناء على رغبة القيصر، وكان يقود الطقوس شخصيا، راقصا حول المحاريب على ألحان تنشدها جوقات مؤلفة من عذارى سوريات، وصوت الطبول والصنوج يسمع القاصي والداني. كان يريد هداية الناس إلى إلهه، ويرى أن أفضل ما يبدأ به هو عرض طقوس الديانة أمامهم. غير أن جهود القيصر الكاهن لم تتوقف عند عرض الطقوس الشرقية الغريبة على الطبع الروماني (فالعاصمة روما وغيرها من الحواضر الرومانية كانت تمتلئ بالشيع الشرقية وتشهد طقوسا أكثر غرابة)، بل كان همه يتجه بشكل أساسي إلى نشر ديانة الشمس الحمصية وإحلالها دينا عالميا لزمانه. وخلال ثلاث سنوات حافلة فيما بين 220-222 ميلادية، بذل القيصر السوري كل جهد تبشيري ممكن، إلا أن سعيه قد آل إلى الإخفاق على كل صعيد، وتخلى عنه في النهاية كل معين حتى جدته ميساء، التي نصحته بالاعتزال والتنازل عن صلاحياته تدريجيا لابن خالته الكسيان بن جوليا ممايا، وكانت الحاميات الرومانية ومجلس الشيوخ وعامة الناس قد بدأت تميل بالفعل إلى الكسيان. وفي إحدى الليالي من آذار عام 222، وبعد أن تخلى عن إيلاجابال آخر أتباعه، هاجمه الجنود وقتلوه مع أمه في عقر داره، ثم جرت الجثتان وألقيتا في نهر التيبر، ونودي بإلكسيان آخر أفراد الأسرة السورية قيصرا تحت اسم أليكسندر سيفير.
وفي الحقيقة، فإن ديانة الشمس السورية لم تكن مجهزة لأن تلعب دور ديانة شمولية، تلم أطراف الإمبراطورية الرومانية حول معتقد ديني واحد، وذلك لعدد من الأسباب؛ فقد كان القرن الثالث الميلادي عصرا يموج بالأفكار والديانات والفلسفات التي تتنازع قلوب وعقول شعوب متعلمة تثق بالكتب وتداولها، فكان كل نظام ديني وفلسفي يعبر عن نفسه بالتدوين، ويلجأ من أجل تثبيت مواقعه إلى التعبير عن تعاليمه ومعتقداته في صيغة تروق لذهنية ذلك العصر ونفسيته. ففي ذلك الوقت اكتملت الأناجيل المسيحية، وتم تداولها على نطاق واسع، وقامت الفرق الغنوصية المختلفة بتدوين أدبياتها الغزيرة وجمع شتاتها، ولنا في المكتبة الغنوصية التي اكتشفت بموقع نجع حمادي بمصر خير مثال على هذا المجهود التحريري الغنوصي. وفي الإسكندرية نشطت الهرمسية التي تنتسب إلى هرمس المثلث الحكمة، فجمعت الرسائل المنسوبة إلى هرمس مسبغة عليها طابع القدسية والوحي الإلهي. وإلى جانب هذه الاتجاهات الدينية، قامت الفلسفة بدورها التبشيري على أكمل وجه، ممثلة بالأفلاطونية المحدثة التي كانت تمارس نشاطا كبيرا في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا، وتنشر تعاليمها بواسطة كتبها الرائجة وفلاسفتها السوريين خاصة، من أمثال لونجين وفورفويوس وكالينيكوس، الذين كانوا يرتحلون من مكان إلى آخر في سبيل دعوتهم الفلسفية.
3
يضاف إلى ذلك كله حركة إحياء التراث الروماني، التي قامت ردا على الأفكار الشرقية التي كانت تضغط دونما هوادة نحو مركز الإمبراطورية في روما.
في هذه الحقبة التي تعتبر من أغنى أحقاب التاريخ الفكري والديني، بدت ديانة الشمس الحمصية وكأنها مذهب يمت إلى الماضي أكثر مما يمت إلى المستقبل؛ لأنها لم تستطع مخاطبة ذلك العصر باللغة التي يفهمها، فماتت في المهد كعبادة لم تفلح في تحصيل مرتبة الدين الشمولي. ولكن، وقبل نهاية حكم الأسرة السورية في روما، بزغ في بابل نجم عبقري شرقي، قيض لأفكاره الدينية أن تلعب دورا كبيرا في العالم ولعدة قرون قادمة، فيما بين الصين والحدود الغربية للإمبراطورية. إنه «ماني» نبي المانوية ، الذي أعلن وهو في سن الرابعة والعشرين: «إني أنا الرسول الشكور المبعوث من أرض بابل.»
ماني والمانوية
ولد ماني لأسرة إيرانية قرب مدينة «طيسفون» العاصمة الفارسية في منطقة بابل ببلاد الرافدين عام 216 ميلادي، وتربى على ملة أبيه، وهي طائفة غنوصية تدعى بالمغتسلة نسبة لطقوس الاغتسال بالماء التي كانت تمارسها. وقد جاءه وحي من السماء (على ما رواه في كتبه) ينقل إليه تعاليم دينه وهو في سن الثانية عشرة من عمره، ثم عاوده وهو في الرابعة والعشرين، وأمره هذه المرة بنشر دعوته.
4
وعلى رواية «ابن النديم» المؤلف العربي في كتابه المعروف «الفهرست»، فإن ملاكا هبط من السماء وبلغه الرسالة: «فلما تم له اثنتا عشرة سنة أتاه الوحي، على قوله، من ملك جنان النور، وهو الله تعالى عما يقوله، وكان الملاك الذي جاءه بالوحي يسمى التوم، وهو بالنبطية،
Неизвестная страница