Религия человека

Фирас Саввах d. 1450 AH
180

Религия человека

دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني

Жанры

Undivided Wholeness in Flowing Movement . في هذا الجريان الكوني، لا يمكن اعتبار العقل والمادة بمثابة جوهرين مستقلين؛ لأنهما وجهان مختلفان لحركة كلانية متصلة. وبهذه الطريقة يكون بمقدورنا النظر إلى جوانب الوجود جميعها في اتصالها لا في انفصالها، وننهي تلك التجزيئية الكامنة في النظرية الذرية إلى المادة، وهي النظرة التي تدفعنا إلى فصل كل شيء عن كل شيء آخر على جميع المستويات.»

22 «لقد اكتشفنا أن الجسيمات التي اعتبرت أولية، يمكن تخليقها وإفناؤها وتحويلها؛ مما دل على أنها أشكال ذات استقرار نسبي مستخلصة من مستوى أعمق للحركة. وقد نفترض هنا أن هذا المستوى قابل بدوره للتحليل إلى جسيمات أكثر رهافة، ربما تكون الجوهر الأخير للحقيقة، إلا أن فكرة الجريان التي نستكشفها هنا تنفي مثل هذه الفرضية؛ لأنها تتضمن أن أية حادثة أو كيان، أو أي شيء مما يمكن ملاحظته ووصفه، هو استخلاص وتجريد من حركة كلية جارية، غير معينة أو معروفة. وهذا يعني أنه بصرف النظر عن تطور معارفنا في قوانين الفيزياء، فإن محتوى هذه القوانين لن ينطبق إلا على تجريدات لا تمتلك إلا استقلالية نسبية في وجودها وسلوكها.»

23 (1) خلاصة ونتائج

لقد قادنا هذا العرض السريع، والشامل إلى حد ما، إلى استخلاص بضع نظرات جديدة إلى الكون، لا تتناسب مع أي شيء نعرفه سابقا ونطمئن إليه. ولعل أهم فكرة زودتنا بها الفيزياء الحديثة، من أجل الرؤيا الجديدة للكون، هي عدم وجود لبنات أساسية أو مكونات أولية للمادة، وأن بنية الذرة لا يمكن وصفها كتجمع لبروتونات ونيترونات في نواة يدور حولها الإلكترونات في مدارات ثابتة، على طريقة النظام الشمسي، وأن هذه الجسيمات الذرية ليست أولية، مثلما أن الجسيمات الناجمة عن تحطيمها بالتصادم ليست أولية أيضا. وبتعبير آخر، فإن الجسيم الأولي لا وجود له، وإن المادة التي تحيط بنا هي مادة بدون جوهر مادي. فلقد أظهرت الجسيمات، الذرية منها وما دون الذرية، بالتجربة أنها عبارة عن عمليات جارية، وليست كيانات مستقلة بأي شكل من الأشكال. وأخذ العالم يبدو لنا أكثر فأكثر على أنه نسيج محكم من حوادث مترابطة متداخلة، لا يتمتع أي جزء منه بصفة الأساسية والجوهرية؛ لأن خصائص كل جزء في هذا النسيج تعتمد على خصائص الجزء الآخر، بحيث تقرر العلائق المتبادلة بين الأجزاء، واتساقها العام، البنية الكلية للمادة.

إن نتائج فيزياء الجسيمات ذات الطاقة العالية، يمكن تلخيصها بالقول المثير الذي أوردناه آنفا، وهو أن كل جسيم في العالم الصغري يتألف من كل الجسيمات الأخرى. وهنا يجب ألا نتخيل أن كل جسيم يحتوي بقية الجسيمات فعلا، ووفق المفاهيم الفيزيائية التقليدية، بل أن نتخيل تلك الجسيمات وهي تتضمن بعضها بعضا بالمفهوم الدينامي الاحتمالي للمصفوفة

S ، حيث يتخذ كل جسيم وضعه في النسيج الكلي، كحالة ترابط احتمالية لبقية مجموعات الجسيمات التي يمكن أن تتفاعل مع بعضها من أجل تخليق هذا الجسيم. ففي تجارب التصادمات العنيفة في المسارعات النووية، أظهرت الجسيمات الثقيلة من البروتونات والنيترونات والبيونات وغيرها، أنها عبارة عن بنية احتمالية مركبة، مكوناتها جسيمات ثقيلة أخرى، وجميعها لا تتمتع بصفة الجسيمات الأولية. فالبروتون قد يخلق بروتونا آخر، وإذا شحن بطاقة أعلى قد يخلق عددا من البروتونات والنيترونات والبيونات، التي تعود بدورها إلى تخليقه من جديد؛ وبهذا فإن كل جسيم ثقيل على المستوى الصغري يلعب ثلاثة أدوار؛ فهو جسيم يتمتع باستقلال ظاهري من جهة، وهو بنية مركبة تؤلفها جسيمات أخرى يمكن أن تتخلق عنه من جهة ثانية، وهو عامل تبادل بين جسيمين آخرين من جهة ثالثة. وهذا التبادل الذي تمارسه الجسيمات فيما بينها، هو الذي يضمها إلى بعضها في قوة ندعوها بالقوة الفائقة؛ أي إن القوة ليست شيئا مختلفا عن المادة، بل هي قيام الجسيمات بتبادل جسيمات أخرى. وبهذه الطريقة فإن كل جسيم يعمل على تخليق جسيمات تقوم بدورها بتخليقه، وكل شيء متضمن في كل شيء آخر. ورغم أن هذا المفهوم الصعب يمكن إعطاؤه معادلا رياضيا دقيقا، إلا أن شرحه بالكلمات لا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الإيضاح.

كما أوصلتنا الفيزياء الحديثة إلى أخطر اكتشاف يتعلق بطبيعة المعرفة، وهو أن كل القوانين التي ظننا دوما أنها تحكم العمليات الطبيعية، ما هي في الواقع إلا ابتكارات ذهنية تساعدنا على فهم الطبيعة؛ أو بتعبير آخر، ما هي إلا طريقتنا في فهم الطبيعة. من هنا، فإن كل ما نراه من قوانين فاعلة فيما حولنا، هو تقريبات تجعل هذا القطاع أو ذاك معقولا ومفهوما بالنسبة إلينا؛ إنها أشبه بالخرائط المرسومة التي لا تربطها بالهيئات الطبيعية التي تصورها إلا أوهى الروابط. ومن ناحية أخرى، فقد وحدت الفيزياء الحديثة بين طرفي عملية المعرفة، فلم يعد هناك «عارف» و«موضوع معرفة»؛ لأن المراقب الإنساني، كما تبين لنا، ضروري لتعيين صفات وخصائص الموضوع المادي، الذي يبقى دون تعيين بعيدا عن الوعي، وعن تفاعله مع من يراقبه؛ وبذلك سقطت الموضوعية العلمية القديمة، ولم يعد بإمكان الفيزيائي أن يلعب دور المراقب الموضوعي؛ لأنه متصل بالظواهر التي يراقبها إلى درجة التأثير في خصائص موضوعات مراقبته. إن أية حادثة في العالم هي حلقة في سلسلة من العمليات الجارية التي تنتهي عند الوعي الإنساني الذي يرصد ويراقب، بحيث لم يعد ممكنا صياغة قوانين النظرية الكوانتية بغير الرجوع إلى الوعي. وقد رأينا بوضوح، ومن خلال عدد من الأمثلة والتجارب، كيف أن الحوادث تبقى معلقة في الفراغ كمجموعة احتمالات، إلى أن يتدخل المراقب، مجبرا أحد هذه الاحتمالات على التحقق، ومحدثا ما أسميناه بانهيار الدالة الموجية. فالفوتونات تتصرف كالموجات ما سمح لها أن تتصرف كذلك، وتنتشر في الفضاء دون أن يكون لها موضع معين، ولكن بمجرد أن يسأل المراقب عن مكانها، وذلك بتعيين الشق الذي تمر عبره في تجربة الشقين، أو يجعلها تصطدم بحاجز، فإنها تغدو فجأة جسيمات مادية.

ورغم أن الفيزياء لم تعمد بعد إلى إدخال الوعي باعتباره عنصرا فيزيائيا كغيره من العناصر المشتملة بالتجربة، وذلك بسبب شدة تأثير الأفكار القديمة التقليدية، إلا أن مثل هذه الخطورة تغدو ضرورية أكثر فأكثر بالنسبة لأية نظرية فيزيائية مستقبلية؛ ذلك أن الإنسان ضروري لوجود الكون بمقدار ضرورة الكون لوجود الإنسان؛ لأننا نعيش في عالم تشاركي لا غنى فيه لأحد مكونيه عن الآخر، والوعي والمادة متضمنان في بعضهما في عروة وثقى لا تنفصم. غالبا ما نستمع إلى البعض يقول: «لماذا أتيت إلى هذا العالم؟» أو «يجب أن أفعل كذا قبل أن أغادر العالم»، أو ما إلى ذلك من صيغ تعبيرية تعكس نظرتنا إلى أنفسنا كمخلوقات ضئيلة عابرة في هذا العالم. ولكن الإنسان، كما بدأ يعي وجوده الآن، ليس كائنا غريبا «يأتي» إلى العالم ثم «يخرج منه»، بل هو عنصر لازم لقيام عالمه بالذات، إنه يشارك بصنعه وإظهاره إلى حيز الوجود، والكون ليس مجموعة من الظواهر الكائنة «هناك»، تمارس «وجودها» في معزل عن الإنسان، بل هو تعيين مشترط بالوعي ومتضافر معه على إظهار ما ندعوه دوما ب «الحقيقة».

لقد قمنا في هذا الفصل برحلة في الفيزياء الحديثة، لغرض اكتشاف علاقة الإنسان بالكون؛ الإنسان-الوعي بالكون-المادة، وهي العلاقة التي اقترحت أننا واجدون في صميمها بذرة المعتقد الديني، ومن ورائه الدافع الديني. فهل فسر لنا درس الفيزياء هذه العلاقة؟ وهل بتنا على عتبة قول كلمتنا الأخيرة؟

خاتمة

Неизвестная страница