Религия человека
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Жанры
فظهور العالم إذا، ليس خلقا عن عدم، بل هو خروج من وجود علمي إلى وجود عيني. فالله يظهر الممكنات التي يدعوها ابن عربي بالأعيان الثابتة إلى الوجود المحسوس، ويعطيها وجودها باسمه الظاهر؛ فهو الظاهر في كل صورة والمتجلي في كل وجه، وهو الوجود الواحد، والأشياء موجودة به معدومة بنفسها. إلا أن وجود الحق لا ينحصر ويتحدد بظهوره في المظاهر، بل إن له وجودا متعاليا خاصا به، فبينما يتجه اسمه الظاهر نحو الخارج، فإن اسمه الباطن يتجه نحو الغيب ولا يكون فيه تجل أبدا. وهذا ما يفرق بين المفهوم المادي لوحدة الوجود، الذي يقول بأنه لا وجود لشيء سوى العالم الذي يقال له الله، ومفهوم ابن عربي.
11
يقول في الفتوحات المكية: «فهو تعالى المتجلي في كل وجه، والمطلوب في كل آية، والمنظور إليه بكل عين، والمعبود في كل معبود، والمقصود في الغيب والشهود، لا يفقده أحد من خلقه بفطرته وجبلته؛ فجميع العالم له مصل وإليه ساجد.» وأيضا: «ما ثم إلا الله، والممكنات ثابتة» (ج4، 410)، و(ج3، 449).
والمقصود بالممكنات الثابتة هو ثبوت الممكنات أو تجذرها في العدم؛ فهي الأعيان أو المثل الثابتة في علم الله، المعدومة في العالم الخارجي. وهذه الأعيان رغم ظهورها في الوجود الخارجي، فإنها لم تفارق عالم الإمكان. يقول في الفتوحات: «ثم لما ظهرت في أعيانها ... فإن الإمكان ما فارقها حكمه ... فلما كان الإمكان لا يفارقها طرفة عين ولا يصح خروجها منه ... فما لها خروج من خزائن إمكانها، وإنما الحق سبحانه فتح أبواب هذه الخزائن حتى نظرنا إليها ونظرت إلينا، ونحن فيها وخارجون عنها» (ج3، 193).
ذلك أن الممكنات لا تنتقل أبدا إلى حيز الوجود الفعلي، رغم أننا نطلق عليها اسم الموجودات؛ لأن الموجود الحقيقي هو الذي يستطيع أن يسند وجوده بنفسه دون أي مدد من جهة خارجة عنه؛ وهذا محال بالنسبة إلى الكثرة الظاهرية؛ لأن وجودها مستمد من الذات الإلهية التي تمدها به في كل لحظة. وهذا ما يقودنا إلى مفهومين آخرين من المفاهيم الأساسية لوحدة الوجود عند ابن عربي، وهما: الخلق الدائم، والوجود الخيال.
إن خلق الله العالم، أي إظهاره من خزائن الممكن، لم يحدث مرة واحدة في بداية الزمن، وإنما هو خلق دائم يجري في كل لحظة . فمع كل نفس من أنفاس الإنسان يعود إلى الفناء ثم يسترده الرحمن إلى الوجود ثانية. والإيقاع ذاته يسري على بقية الموجودات التي هي فانية فموجودة ففانية مرة أخرى، وهكذا إلى ما شاء الله. يقول في الفتوحات: «إن العالم الحسي والكون الثابت - أي المزروع في العدم - استحالات مع الأنفاس لا تدركها الأبصار ولا الحواس، وذلك لتغيير الأصل الذي يمده، وهو - أي الأصل - التحول الإلهي في الصور ... وهو قوله تعالى:
كل يوم هو في شأن ... فلما كان الله كل يوم هو في شأن، كان تقليب العالم، الذي هو صورة هذا القالب، من حال إلى حال مع الأنفاس، فلا يثبت العالم قط على حال واحدة، زمانا فردا؛ لأن الله خلاق على الدوام. ولو بقي العالم على حال واحد زمانين لاتصف بالغنى عن الله» (ج3، 198-199). وأيضا: «فهو خلاق على الدوام، والعالم مفتقر إليه تعالى على الدوام افتقارا ذاتيا» (ج2، 208). وأيضا: «واعلم أنه ليس في العالم سكون البتة، وإنما هو متقلب أبدا دائما من حال إلى حال، دنيا وآخرة، ظاهرا وباطنا» (ج3، 303-304).
في كل لحظة تغيب صور المخلوقات لتحل محلها صور أخرى فيما يأتي من اللحظات، ورغم أن هذه الصور الأخرى تبدو استمرارا للصور الغائبة، إلا أنها جديدة كل الجدة، وهي تحل محل سابقتها دون فاصل زمني ملحوظ؛ لأن الذهاب هو في الآن نفسه بقاء لما يظهره التجلي الثاني. يقول في الفصوص: «إن كل تجل يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق؛ فذهابه هو عين الفناء عن التجلي، والبقاء لما يعطيه التجلي الآخر، فافهم» (الفص 12، فقرة 14ت).
لقد أدرك ابن عربي بحدسه المبدع ما توصلت إليه اليوم فيزياء الكم حول طبيعة الكون والمادة؛ فالوجود عبارة عن طاقة ذات ذبذبات متغيرة، وليست تبديات هذه الطاقة نفسها والظواهر المرئية التي تشكلها إلا اختلافات في درجة الذبذبة. وسواء رأينا إلى هذه الطاقة في طبيعتها الموجية أو الكمومية، فإنها تأتي دوما على دفقات متقطعة، لا كسيالة مستمرة. فالوجود كله والحالة هذه يحدث بشكل متقطع رغم استمراريته الظاهرة لنا.
ثم إن إمداد الصور بقوامها من قبل الحق يتم بفعل الفيض، وهو على نوعين؛ الفيض الأقدس والفيض المقدس. فالفيض الأقدس هو تجلي الذات الأحدية لنفسها في جميع الممكنات التي لم تخرج إلى عالم المظاهر بعد، بل هي مجرد قوابل للوجود، وهي الأعيان الثابتة في العدم التي ألمحنا إليها سابقا. فإذا ظهرت هذه الأعيان الثابتة في العالم المحسوس، كان الفيض المقدس، الذي يتجلى الواحد من خلالها في صور الكثرة الوجودية. ولهذا الفيض المقدس صفة الدوام والاستمرار؛ فلو جرى الفيض مرة واحدة، بداءة، واستمرت الممكنات في العالم الحسي بذاتها بعده، لقامت المخلوقات بقواها الذاتية في غنى عن موجدها، وهذا محال. من هنا لا بد أن يكون الفيض مستمرا، والخلق دائما في كل لحظة، وأن يكون الله خالقا على الدوام.
Неизвестная страница