Религия человека
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Жанры
والآن هل كانت الحياة الأخرى التي عاشها نارادا كامرأة، هي استعادة لتقمص سابق، أم إرهاصا بتقمص لاحق، أم كانت وهما خلقته قدرة فيشنو على المايا؟ إن الأمر سيان في الحقيقة؛ لأن حيوات نارادا السابق منها والحالي والتالي، ليست إلا سلسلة من التهيؤات التي تولدها المايا الكونية.
في الأسطورتين اللتين اخترت روايتهما آنفا، وفي بقية الأساطير الثماني عشرة التي تؤلف أسفار البورانا، يظهر المطلق الأعظم تحت قناع الإله فيشنو. وعبر السرد القصصي لهذه الأساطير يكتسب المجال القدسي لمسة شخصية تظهر أحيانا وتختفي أحيانا أخرى، رغم أن رسالة الأسطورة تؤكد على الجوهر اللاشخصي للألوهة؛ لأن كل الهيئات والأشكال والشخصيات والأجزاء سراب عابر، والموجود الحق هو المطلق الكلي الساكن المتماثل. وفي الواقع، فإن لمسة التشخيص التي تضيفها الأسطورة إلى المجال القدسي، هي من طبيعة الميثولوجيا نفسها، ولا مناص منها في أسلوب السرد القصصي؛ لأن الترميز الميثولوجي، على عكس التأمل الذهني، يتعامل بالصور الحركية لا بالأفكار المنظمة، ولكي تؤدي الأسطورة فكرة ما، عليها أن توصل المعنى من خلال مشاهد حيوية يتحرك فيها عدد من الشخصيات؛ الأمر الذي يقود تلقائيا إلى تشخيص المجردات. غير أن الإله فيشنو لم يكن القناع الوحيد الذي لبسه المطلق الكلي براهمن عبر تاريخ الديانة الهندوسية الطويل؛ فقد لعب هذا الدور أيضا كل من برهما وشيفا العضوان الآخران في الثالوث الأقدس الهندوسي، المؤلف من فيشنو الحافظ وشيفا المدمر وبرهما الخالق. وفي المراحل المتأخرة من تاريخ الديانة الهندوسية، أخذت الميثولوجيا الشعبية تعلي من شأن شيفا حتى صار الإله الأعلى المشخص الذي يستتر وراءه المطلق الكلي، بعد أن كان مجرد قناع يظهر به فيشنو عندما تحين ساعة التهام الكون وإعادته إلى الأوقيانوس الأصلي، حيث يقوم بإحراق الأكوان وإحالتها إلى رماد، وعندما تحين ساعة الخلق الجديد يولد برهما من البرعم النامي من سرة فيشنو ليبدأ خلقا جديدا. فكلا الإلهين كانا، في ميثولوجيا فيشنو، تعبيرا عن قوة الخلق وقوة الدمار الصادرتين عن المطلق الساكن. أما الآن، فقد أخذ شيفا الأدوار الثلاثة معا فصار الحافظ والمدمر والخالق، وظهرت إلى جانبه قرينته شاكتي التي تلعب دور المايا؛ القوة السارية في الكون.
وبما أننا قد أعطينا فكرة عن رمزية الإله فيشنو من خلال الميثولوجيا، فإننا سوف نعطي فيما يأتي فكرة عن رمزية الإله شيفا من خلال التعبيرات التشكيلية في التصوير الديني الهندي، مستندين بشكل رئيسي إلى التقاليد التانترية
Tantra . هنا سوف يظهر لنا أيضا أن التشخيص في الأعمال التشكيلية ليس إلا ترميزا لمفهوم الألوهة المجرد، ورداء يختفي وراءه المطلق الكلي.
تقترن رمزية شيفا برمزية شاكتي ذات الأسماء المتعددة، فهما التشخيص المزدوج للمطلق الذي يتكشف في الزمان والمكان، من خلال القران المقدس بين قوتيه السالبة والموجبة. وتركز هندوسية التانترا على فكرة القران المقدس بين الإلهين شيفا وشاكتي، من خلال النصوص الأدبية والأعمال التشكيلية؛ فهما في جدلية دائمة وحوار أبدي، نراهما في المنحوتات والصور يتعانقان ويتهامسان، ومن خلال حوارهما هذا يعلن جوهر براهمن عن نفسه للفهم الإنساني. تتكرر مشاهد العناق مرات ومرات في آيات النحت الهندي، وقد ينوب عن الشكل الإنساني للإلهين الرمز التشكيلي المعروف باسم لينغوم-يوني، وهو عبارة عن عضو الذكورة وعضو الأنوثة في وضع الاتحاد. وفي بعض الحالات، عندما ينصب قضيب شيفا الحجري منفردا في الهياكل، فإن كوة في جدار النصب تنتفخ لتظهر من ورائها شاكتي بكامل أبهتها قابعة في صميم القوة الفعالة للذكر؛ ذلك أن كل قوة من هاتين القوتين إنما تكشف سر الأخرى وتكمن في جوهرها. وهذا هو الدرس نفسه الذي تعلمناه سابقا من دائرة اليانغ-ين؛ حيث يعلن جانب الدائرة الأسود عن حضوره في الأبيض من خلال دائرة صغيرة بيضاء.
وفي عمل نحتي يعتبر من آيات الفن الهندي الكلاسيكي، ويعود إلى القرن الثامن الميلادي، نجد أبلغ تعبير عن التشخيص الفني الذي يهدف إلى التعبير عن المطلق غير المشخص. يدعى هذا النحت بشيفا المثلث؛ لأنه يمثل إلها بثلاثة وجوه؛ وجه جبهي وآخرين جانبيين ينظر كل منهما في اتجاه. يبدو الوجه الجبهي مغمض العينين في حالة حلمية، غائصا في ذاته مستغرقا في صمت حجري أبدي، وهو يمثل المطلق الساكن والجوهر القدسي الذي صدر عنه القطبان السالب والموجب. من الجانب الأيمن لهذا الحضور غير المبالي ينبثق الوجه الجانبي للإله شيفا، الذي تعبر خطوط وجهه الحادة عن قسوة وعزم وتصميم، ومن الجانب الأيسر المقابل ينبثق الوجه الجانبي للإلهة شاكتي، التي تفيض عذوبة وحلاوة ووعدا لا ينتهي بالعطاء. وبين هذين القطبين المتوترين يبقى الوجه الساكن الملغز للمطلق على حياده، غير آبه للحركة الصادرة عن ذات يمينه وذات شماله. إنه وجه الأبدية الذي يفيض الزمن وطاقة الحياة من أعماق سكونه، أو إنهما يبدوان في حالة الفيض. فمن وجهة نظر الوجه الجبهي، فإنه لا شيء يحدث على الإطلاق؛ وفي هذه الحضرة الجليلة لوجه الأبدية، يبدو الوجهان الجانبيان أشبه بغيمتين زائلتين، والأحداث التي يمثلانها على مسرح الزمان والمكان تبدو أقرب إلى لعبة الظل والضوء في الأشكال المتلاشية، التي تبدو مرئية للعين المحجوبة خلف ستار الجهل فقط، أما العين المستنيرة فتخترق هذه المرئيات نحو الجوهر الثابت الذي لا يتغير.
في منحوتة شيفا المثلث، يظهر الوجهان الجانبيان في حالة الفعل ومن ورائهما العالم الدائم التغير والجريان، أما الوجه الجبهي فيقول لنا إنه لا شيء يحدث بالفعل، لا شيء يأتي ويذهب. وهنا نجد أبلغ تعبير عن تعايش براهمان مع مايا، فالمايا هي قناع براهمان، والوجه الذي يبدو به في العالم الاختباري. من هنا فقد عبدت المايا باعتبارها كل المظاهر المتبدية للطبيعة؛ فهي الأم العليا للكون، وطاقة حياة البشر والآلهة وكل شيء حي، إنها مايا-شاكتي-ديفي.
11
وهناك رسم تانتري سوف أخصه بالشرح فيما يأتي؛ لأنه يمثل نموذجا من الرسوم مكرسا لإرشاد السالك في كدحه من أجل اختراق حجب الجهل نحو الجوهر الخفي للكون؛ فمن خلال تركيز النظر والقلب على الأيقونة، يترك الناظر لمعانيها أن تتفتح في وعيه دون شرح أو كلمات. يدعى هذا الرسم بجزيرة الدرر، وهو يتألف من محيط مائي داكن الزرقة، لا قرار لها ولا حواف، هاجع وساكن، ولكنه ينطوي على كل الممكنات، وعلى بذور كل القوى المتعارضة والمتجاذبة. وفي قلب هذا المحيط تبرز من الماء بقعة تحدد المركز؛ إنها بؤرة القوة الأولى، والنقطة البدئية التي اتسعت لتشكل كل المكان. تتخذ البقعة شكل جزيرة دائرية في وسط الأوقيانوس، وتزين حوافها أشجار درية تنغمس فروعها الكريمة في الماء. في وسط الجزيرة هناك عرش كبير تجلس عليه الأم الكونية شاكتي في وضعية القعود، إنها الطاقة التي تفجرت في صميم النقطة المكانية وشكلت السماء والأرض وما بينهما، وهي تدعى هنا فيمارسا-شاكتي
Vimarsa Sakti ، حيث تعني كلمة فيمارسا التفكير والتخطيط والتدبير، وكلمة شاكتي القوة والطاقة. وللإلهة أربعة أذرع ترفع بها أربعة أسلحة هي: القوس والسهم والأنشوطة والدبوس. وهذه الأسلحة ينبغي أن تفهم مدلولاتها الرمزية المستندة إلى قيمها الاستعمالية؛ فالقوس والسهم يرمزان إلى الإرادة، والأنشوطة إلى المعرفة، والدبوس إلى الفعل. ولكن الإلهة تقوم في جلستها فوق جسدين ذكريين مسجيين واحدا فوق الآخر، يمثلان وجهي المطلق. يدعى العلوي شيفا سكالا
Неизвестная страница