Дамаск: город магии и поэзии
دمشق مدينة السحر والشعر
Жанры
وفي القرن الأخير نشأت صناعة جديدة كأنها أخت القاشاني القديم، وهي الخزف الملون يتخذون منه بلاطا للدور والغرف والمستحمات، وقد تفننوا في صنعه فأجادوا، وله معامل كثيرة، وله رواج في الأقطار المجاورة لمهاودة أسعاره وجماله وصلابته، وبه استعيض في أكثر العمائر الجديدة عن الأحجار الملونة في التبليط وعن رخام إيطاليا. ومما اشتهرت به دمشق صناعة الصياغة ، أي صناعة الذهب والفضة، والتفنن في تصويرها بوضع الأحجار الكريمة خلالها، تعمل منها الأكلة والتيجان والأقرطة والشنوف والخواتيم والدمالج والقلائد والأطواق والخلاخل، ولما كسدت مصنوعاتها هنا جلا كثير من صناعها إلى بلاد أخرى، ومع هذا لا يزال ما يخرج الصياغ على اختلاف أسمائه وأشكاله وأحجاره رائجا مقبولا، ويتوقف رواج هذه الصناعة على تكاثر النقد من الذهب والفضة في الأيدي وتوفر أسباب الغنى.
ومن أهم الصناعات صناعة البناء والنحت، ومدارس القرون الوسطى في دمشق مثال بديع على ما نحت ورصف، وقد ساعد على تجويد البناء تعدد مقالع الحجر بالقرب من المدينة، وتسلسل صناعة النحت والبناء والهندسة في بيوت بعينها، ولما اخترع الأسمنت المسلح بدأ القوم يعتمدون عليه في البناء أكثر من الجبس والكلس والآجر، فأنشئ لصنعه معمل في ضاحية المدينة، وثبت أن مادته قوية جدا، وهو يقوم بحاجة البلاد الداخلية.
هذا إجمال حال الصناعات بدمشق، وغالبها تتبدل عليها أيدي الصناع من الواحد بعد الواحد إلى أن ينيف على عشرة صناع حتى يتم، وقد قيل إن صناعات دمشق تبلغ نحو 340 صنعة وحرفة. ولا تزال تحدث صناعات وتموت صناعات، فمن الصناعات التي أحدثت خلال الحرب العالمية الأخيرة حفظ الثمار والبقول في علب «كونسروا» وقد أنشئ لها معمل في دمشق، وصادراته تباع في بلاد العرب وبلاد الغرب، وسبب الإقبال عليه جودة ثمار دمشق ولذيذ طعمها. ومن الصناعات المهمة التي دثرت ولم يعد يعانيها أهلها منذ زمن طويل الوراقة أو صنع الورق، وكانت لها معامل في دمشق منذ القرن الثاني، وقد تعلم صنع الورق في دمشق أسيران فرنسيان على عهد الحروب الصليبية، ونشرا هذه الصناعة في فرنسا ومنها انتقلت إلى أوربا، وكان العرب حملوا سر هذه الصناعة معهم منذ أوائل القرن الثالث إلى الأندلس وصقلية، ومن هاتين الجزيرتين كانت أوربا الوسطى والغربية تستبضع ورقها قرونا. ومن الصناعات التي كان لها شأن عظيم في دمشق ويعيش بها خلائق، وذلك قبل اكتشاف النفط «البترول» واختراع الكهرباء، صناعة صب الشمع وسكبه وقل من يعنى بها اليوم، وكانت تصنع في دمشق الشموع العظيمة التي تجعل على جوانب المحاريب في المساجد العظيمة كأنها سارية من السواري، وفي دمشق كانت تصنع شموع الحرمين الشريفين وتحمل إليهما كل سنة. ومن الصناعات التي ضعفت لقلة ما يصدر منها صناعة عطر الورد، وما يستقطر من زهر دمشق، فهذه الصناعة كانت تصدر مقادير كبيرة منها إلى الصين والهند في القرن الثامن، وقد ذكر شيخ الربوة في كتابه «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر» ما كانت تغل به هذه الصناعة من مال، وما تنشره في موسم الزهر من الروائح الزكية في أماكنه بعد استخراج روحه، ووصف صورة استقطارها والأنابيق التي تستخدم لها.
ودعت الحاجة خلال الحرب الأخيرة وبعدها إلى إدخال صناعات جديدة أو إتقان صناعات كادت تفقد منها لقلة من يرغب فيها.
وإنا رأينا اليوم ما قام من معامل النسيج والحياكة، وما شاهدنا من معامل الجوخ والدباغة والخزف والأسمنت المسلح وحفظ البقول والثمار وصنع المربيات والحلويات، وغير ذلك من الأعمال التي برز أربابها فيها على ما شهد لهم بذلك أعاظم العارفين بهذه المسائل في بلاد الغرب؛ إنا وقد رأينا هذا فلا يصعب علينا أن ندعي أن دمشق تخرج الآن جميع حاجياتها من مأكول وملبوس ومسكون ومفروش، وإذا اضطرت ذات يوم إلى الاكتفاء بما تخرج وما تصنع، لا ينقصها غير بعض الكماليات، وكل بلد مهما بلغ من رقية ينقصه شيء أو أشياء تجود عند جاره، ولا غضاضة عليه إذا قايض عليه بما يستخرجه مما تفرد هو بصنعه.
وبعد، فقد عرفت الشام في معظم عصورها بأنها بلاد صناعية أكثر منها تجارية، وكانت مدينة دمشق تفخر بأنواع من الصناعات اليدوية النفيسة، حتى في الأسواق العالمية، ومنها المصنوعات الحريرية والقطنية والصوفية التي كانت موادها الأولية من منتجات القطر، وكذلك المصنوعات الخشبية والنحاسية والفضية والجلدية التي عرفت بطابعها الشرقي وبسلامة الذوق والمتانة، ثم تطورت الصناعة بعد الحرب العالمية الماضية تطورا يدعوا للتفاؤل بأحسن النتائج، وكانت السباقة لهذا التطور مدينة دمشق؛ إذ تطلع أهلها إلى إنشاء صناعات آلية «ميكانيكية» مختلفة لم يكن الشرق الأوسط يعهد نظيرها، كصناعة الأسمنت والثقاب «الكبريت» وحفظ الفواكه والخضروات وصناعة الجوخ والحرير بأنواعه، وأصبحت هذه المعامل على حداثتها تضاهي بإنتاجها الصناعة الغربية التي هي من نوعها . كما أنشئت في حلب مؤسسة لصناعة خيوط الغزل ونسجها، كانت عاملا قويا في إحياء مساحات واسعة من الأراضي بزراعتها من القطن الأميركي أو الهندي، وتبع ذلك في دمشق وحلب بالإضافة إلى الصناعات المار ذكرها، وخصوصا صناعة النسيج الحريري التي نمت نموا مطردا، تبعها صناعات التريكو والجوارب والقمصان والكتان والمستحضرات الكيماوية الصناعية والأدوية والمستحضرات الصيدلية والمستحضرات الغذائية والمعكرونة والبسكويت والزبدة والسكاكر والشوكولاتة، والمصنوعات الحديدية والتلبيس بالمعادن والمرايا السكب والبلاط والجبس والدباغة الفنية والصباغة والمطاحن والطباعة والفرش «الموبيليا».
إن التجدد الذي أدخلته دمشق على صناعتها في غضون عشرين عام - رغم العقبات التي لاقتها بسبب الحواجز الجمركية، ونكبتها بثروتها من جراء خسارتها بالنقد الأجنبي في سنة 1920، والأزمات الاقتصادية التي توالت وأثرت في التجارة والزراعة والأراضي والعقارات - لجدير بإعجاب المنصفين، ولو أن الحكومات التي تولت الحكم في الشام اهتمت قليلا بالمشاريع الصناعية وشجعتها وحمتها، لحصلت البلاد إبان هذه الحرب الضروس على ما يمكن الحصول عليه من الرخاء والتوازن الاقتصادي في الإنتاج الصناعي، كما هي الحالة في بعض الأقطار المجاورة، على أن الوقت لم يفت والأمل معقود على مستقبل يقوم على استقرار يضمن ازدهارا اقتصاديا، فتنمو صناعاتها وتجارتها وزراعتها، وينعم أهلها بثروات القطر الطبيعية الكامنة التي لا تسمى ثروة لنا إلا إذا أثبتنا مقدرتنا في استثمارها.
تجارة دمشق
كان سكان هذا البلد بما فطروا عليه من ألمعية وذكاء قبل أن يدوي في أرجائه نبأ هذه الحروب، يسمعون حسيسها وينظرون إليها كأمر واقع، فأعدوا عدتهم لمواجهتها، ومنذ انقطعت العلاقات التجارية بين اليابان والولايات المتحدة أواخر عام 1938، زادوا في مستورداتهم بقدر ما تصل إليه قدرتهم من مال وجهد، وبقدر ما تمكنهم الاعتمادات الممنوحة لهم في البيوت المالية والمصارف الأجنبية، داخل البلاد وخارجها، مستفيدين من الدروس الاقتصادية التي ألقتها عليهم الحرب الماضية بين عام 1914 و1918، فما جاءهم أيلول عام 1939 إلا كان عندهم وعلى أرضهم من مختلف أنواع البضائع والسلع التي تشتد الحاجة إليها ما يعد كثرة تضيق بها محال التجارة ومستودعاتها وأنابر الجمارك.
وما شاع نبأ الحرب حتى سارعوا يطلبون إلى عملائهم ووكلائهم في وكوبا ومانشستر ونيويورك أن يبذلوا قصارى جهدهم في شراء ما يقع تحت أيديهم من البضائع، مطلقين لهم العنان في غشيان الأسواق العالمية كيفما اتفق لهم السعر والشروط، وعندما دخلت اليابان الحرب، وانقطعت البواخر التي كانت تجوب البحار إلى شواطئ الشرق الأدنى، أخذ السوريون بعد أن نزل الحلفاء أرضهم يولون وجوههم شطر مرافئ الهند الجنوبية، جاعلين من بومباي دار هجرة تجارية، يحملون منها عن طريق الخليج الفارسي أولا وقناة السويس ثانيا، ما تمس حاجتهم إليه من خيوط وأنسجة ومواد غذائية، فما عضتهم الحرب بقلة كما وقع لهم في الحرب الماضية، وأحسنوا الاستفادة من كل معاونة يعاونها البريطانيون في كل بلد ينزلونه.
Неизвестная страница