قال: «أدخل له التليفون إذا سمحت، دولة رئيس الوزراء يريده.»
وعاد أبي إلى الوزارة، ولكنه لم يحضر حفل التكريم الذي أقيم له في الزقازيق؛ فقد أبى المحتفلون إلا أن يستمروا في التكريم بقي أبي في الوزارة أم لم.
هذه الوزارة بقيت حتى وقعت أحداث 4 فبراير سنة 1942م، وبطبيعة الحال كان أبي على علم بكل ما وقع في ذلك اليوم المشئوم، وفي يوم 5 فبراير كنت أركب مع أبي سيارته الخاصة بعد أن صرف سيارة الوزارة، ولم تكن آثار 4 فبراير قد ظهرت بعد، ولا يعرف أحد أي أثر سيكون لها على الشعب والرأي العام كما إن أحدا بطبيعة الحال لم يكن يدري بماذا سيدافع النحاس باشا عن هذا الذي حدث. وعن تلك الوصمة العريضة في جبين الوفد الذي اكتسب اسمه لمعارضة الإنجليز وإخراجهم من مصر.
وكنت في سني الخضراء في ذلك الوقت أتصور أن الدفاع مستحيل ، وأن النحاس باشا وأنصاره لن يجدوا ما يقولونه لتبرير خيانتهم لثقة الشعب، وسألت أبي في سذاجة: «ماذا سيقول النحاس باشا للشعب؟»
وفي عبقرية السياسي المحنك الخبير بأخلاق الوفد وخداعه للحق، قال أبي دون ريث تفكير: «سيقول أنقذنا العرش، وحمينا البلاد من الفتنة، وحافظنا على سيادة الوطن وكرامته.»
وكأنما كان النحاس باشا معنا في السيارة، فقد فوجئت بأحاديثه لا تخرج عما قاله أبي في شيء، وفوجئت بأنصاره يصدقونه، وذهلت لهم وهم يرفعون «مايلز لمبسون» السفير البريطاني بطل الاعتداء المشين على أكتافهم يهتفون له، ويهللون ويصرخون بحياته.
لقد كانوا يهتفون لمن أتاح لهم الحكم يستغلونه ويمرحون في هناءته ومكاسبه، ولتذهب مصر، وليذهب رمز مصر، ولتذهب كرامتها إلى أي جحيم تشاء.
وفي ظل هذا الحكم بدأ النحاس باشا اعتقالاته، وحدثت الفرقة والخصومة بينه وبين مكرم باشا عبيد، وظهر الكتاب الأسود، وكانت عندنا منه كميات كبيرة. وقدم أبي في مجلس النواب استجوابا عن الاعتقالات، وأعتقد أن دخول أبي إلى المجلس قصة لا بد أن تروى؛ فقد قرر حزب الأحرار أن ينتدب أبي وأحمد باشا عبد الغفار لمفاوضة النحاس باشا، وليتعرفا منه كيف ستدار الانتخابات، وذهبا إليه، فقال لهما: «للحزب أن يدخل إلى الانتخابات، ولكن يمنع المرشحون من الكلام عن حادثة 4 فبراير، كما يمنعون من مهاجمة الإنجليز، كما يمنعون من مهاجمة السيدة حرمي. ولهم بعد ذلك أن يقولوا ما يشاءون في دعايتهم الانتخابية.»
وإذا بأحمد باشا عبد الغفار يصيح برئيس الوزارة: «ماذا يمكن أن نقول لمرشح الوفد بعد ذلك؟ أنقول له وشي أحلى من وشك أم نقول له أبويا أحسن من أبوك؟!»
وانصرف أبي وأحمد باشا، وسمعنا أن النحاس باشا قص على الهيئة الوفدية أمر هذا اللقاء قائلا لهم: «جاءني معالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة والولد أحمد عبد الغفار.»
Неизвестная страница