التأليف والمؤلفات
المقدمة
وأنا طالب في باريس اقترح علي أستاذي المشرف على رسالتي الأولى «برنشفيج» أن ننشر كتاب «المعتمد في أصول الفقه» لأبي الحسين البصري، وهو مخطوط وجدته البعثة المصرية إلى اليمن بعد الثورة عام 1962م. فوافقت. واشترك معنا طالب تونسي كان يعد رسالة أخرى تحت إشراف نفس الأستاذ. كان اسم الطالب بكير، وبعد أن قطعنا شوطا في الإعداد لنشر المخطوط علمنا أن الأستاذ حميد الله كان بصدد نشر نفس المخطوط، وهو أستاذ مسلم هندي كان يدرس في جامعة حيدر آباد بوسط الهند، وعندما قسمت الهند بين المسلمين في الشمال في باكستان والهنود في الجنوب، وكان المسلمون متمركزين في الجنوب في حيدر آباد أيضا في وسط الهند، حول الجامعة العثمانية، أرادوا الانضمام إلى الشمال حيث الأغلبية المسلمة رفض نهرو، وانقض على الجنوب، واستولى عليه؛ فأصبح جزءا من الهند، كان حميد الله أحد أفراد المقاومة الإسلامية، فهرب إلى باريس، وأصبح باحثا في المركز الوطني للبحوث العلمية، وتزوج فرنسية هناك، تنازل لنا الأستاذ برنشفيج عن إعداد المخطوط، وبقيت أنا والطالب التونسي نعمل مع حميد الله، ونشر الكتاب في المركز القومي للبحوث الفرنسية وفي جامعة دمشق، وأعيد نشره تحت أسماء أخرى دون أخذ موافقتنا، وكان الناشر دار التراث ببيروت.
وكنت أبحث عن منهاج إسلامي عام كموضوع للدكتوراه في فرنسا، وبعد أن تحول إلى ثلاثة موضوعات: الأول، «مناهج التفسير في علم أصول الفقه»، والثاني، «تأويل الظاهريات»، والثالث، «ظاهريات التأويل». طبعت الرسالة الأولى طبقا لقانون جديد قد صدر في الجامعة بضرورة طبع الرسالة الأولى وليست فقط كتابتها على الآلة الكاتبة؛ فلم يكن الحاسب الآلي قد تم اختراعه بعد، وكانت الحكومة الفرنسية تتكفل بطبع الرسالة الأولى للطالب الفرنسي، أما الطالب الأجنبي فعلى حكومته أن تقوم بذلك؛ فأرسلت رسالتي الأولى مكتوبة على الآلة الكاتبة إلى «المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية»، وكان رئيس المجلس هو يوسف السباعي والذي أصدر قرارا بطبع رسالتي على نفقة المجلس، وتولى زوج شقيقتي الكبرى بنقل مائة نسخة مطبوعة إلى باريس، لأقوم بإرسالها للجامعة في فرنسا، ولولا كرم يوسف السباعي العلمي، وجهد أسرتي وزوج شقيقتي الكبرى لما طبعت الرسالة، ولا استطعت مناقشتها للحصول على الدكتوراه.
وبعد العودة إلى مصر بعد طباعة الرسالة باللغة الفرنسية، قمت بترجمة رسالتي الثانية إلى العربية بنفسي والتي كانت تتكون من جزأين: «من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل، الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية».
وبعد الانتهاء من الرسالتين. وطبعت الأولى في القاهرة، تنفيذا للقانون الجديد، وطبعت الثانية على الآلة الكاتبة، فلم يكن الحاسب الآلي قد أخترع بعد. كانت الرسالة الأولى «مناهج التفسير في علم أصول الفقه» كما أشار علي «ماسينون». وتحت إشراف «برنشفيج». وكانت الثانية بعنوان «من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل، الحالة الراهنة على المنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين». وكانت الرسالة من جزأين. وسمعت أنه قبل المناقشة اختلف الأساتذة الخمسة، وهي لجنة المناقشة على مناقشة الرسالة الثانية التي كانت من جزأين، والاكتفاء بمناقشة جزء واحد هو «تأويل الظاهريات» وتحت إشراف «بول ريكير»؛ فاعترض «جان جيتون» على استبعاد الجزء الثاني من الرسالة الثانية «ظاهريات التأويل» والتي كان يشعر أنها أقرب إليه ومن فكره وهو صاحب «الفكر الحديث والكاثوليكية» والذي قدمني إلى البابا «بولس السادس» لحضور القسم الرابع للمؤتمر الفاتيكاني الثاني. وقد لازمته عشر سنوات أستمع إليه وإلى محاضراته الخاصة والعامة وحلقات بحثه حتى تعلمت منه الفلسفة وتاريخ الفلسفة، وكان هو الكاثوليكي الوحيد الذي دعي إلى مؤتمر الفاتيكان، و«أوسكار كولمان» البروتستانتي الوحيد الذي دعي لنفس المؤتمر. وكنت أنا المسلم الوحيد الذي دعي إلى المؤتمر نفسه. وأخيرا تم الاتفاق على أن يقوم «بول ريكير» بمناقشة الجزء الأول من الرسالة الثانية «تأويل الظاهريات»، و«جان جيتون» الجزء الثاني من الرسالة الثانية «ظاهريات التأويل»، ويناقش «برنشفيج» و«لاوست» الرسالة الأولى «مناهج التفسير في علم أصول الفقه»، ويدير الجلسة «جاندياك». وكانت مناقشة الرسالة الأولى استشراقية خالصة أي تاريخية. ومناقشة الجزء الأول من الرسالة الثانية علمية صرفة لمدى فهمي «للظاهريات». أما مناقشة «جان جيتون» للجزء الثاني من الرسالة الثانية فكانت حماسية قلبية روحية تبين حسن فهمي لتاريخ الأديان، والمقابلة بين اليهودية والمسيحية. وأعطيت درجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى. وأعلم رئيس الجلسة أن هذه الرسالة هي المرة الوحيدة التي يتقدم فيها الطالب بثلاثة رسائل بدلا من اثنتين لنيل درجة دكتوراه الدولة. وبعد المناقشة أقام لنا مركز «بيشيليو» في وسط ميدان السوربون حفلا ابتهاجا بهذا النجاح الباهر. وقدمت فيه المشروبات عدة ساعات بحضور الأساتذة والطلاب المصريين والفرنسيين. تم ذلك في 16 يونيو 1966م. ولأول مرة لمدة شهر في يوليو كنت أسير في الحي اللاتيني خفيف الوزن بعد أن نزل عن كاهلي هم الرسالة وكأنني سائح يزور باريس لأول مرة، خاصة وأن موعد المغادرة للقاهرة بالطائرة التي سيرسلها المشير عامر لأخذ ممثلي الطلبة في أوروبا ستصل في شهر أغسطس لمناقشة الرئيس عبد الناصر عن أحوال البلاد في مؤتمر المبعوثين الأول.
وأثناء انتظار وصول كتبي من فرنسا بعد قرار عبد الناصر في مؤتمر المبعوثين في أغسطس عام 1966م بنقل مكتبتي على نفقة الدولة، كتبت «التراث والتجديد، موقفنا من التراث القديم». وكان هذا تقريبا مقدمة رسالتي الأولى «مناهج التفسير، محاولة في علم أصول الفقه». وطبع طبعة صغيرة، بحروف دقيقة في المركز العربي للطباعة والنشر والذي أسسه محمود الشنيطي في منزله بدعم عدد من الأساتذة المصريين وأنا منهم.
وطبع الكتاب أكثر من مرة في عدة دور نشر أخرى، بعلمي أو دون علمي. وكان يسمى «مانيفستو حسن حنفي» تشبيها لمانيفستو كارل ماركس، ونظرا لأنني كنت أدرس الفلسفة المسيحية فقد ترجمت نصوصا رئيسية في الفلسفة المسيحية تحت عنوان «نماذج من الفلسفة المسيحية». وتحتها عنوان فرعى «المعلم» للقديس أوغسطين، و«أؤمن لكي أعقل» للقديس أنسيلم، و«الوجود والماهية» لتوما الأكويني.
ولما كنت مقدما على مشروع الزواج وليس لي مال للشبكة والمهر وتأجير السكن. ترجمت كتاب اسبينوزا «رسالة اللاهوت والسياسة» الذي طبع عدة مرات، ونشر في الهيئة العامة للكتاب مقابل أربعمائة جنيه، وقد هزني الكتاب هزا عندما قرأته وأنا في باريس، ونويت أن أترجمه فور عودتي إلى مصر كي يعلم الناس أنه لا استثناء في المنهج العقلي الديكارتي لموضوعات لا يطبق فيها مثل الدين والسياسة.
كما قمت بكتابة وتجميع عدة مقالات فلسفية في عدة مجلات ثقافية في ذلك العصر مثل: «الفكر المعاصر»، «المجلة»، «الكاتب»، «الطليعة» في جزأين: الأول «في فكرنا العربي المعاصر»، والثاني «في الفكر الغربي المعاصر» الأول في الأنا، والثاني في الآخر.
Неизвестная страница