وفي الصيف الذي يليه قمنا بالسفر من الشرق إلى أقصى الشمال الغربي، من فيلادلفيا إلى سياتل، وعدنا من طريق كندا لنرى شلالات نياجرا في تورينتو، وتعلمنا كثيرا خلال هذه الرحلات، وتعرفنا على كثير من العائلات الأمريكية، ولمسنا عن قرب تلك الشخصيات وكرمها ومحبتها للطبيعة ، وكان ذلك بالنسبة لنا غير فكرتنا عن السياسة الأمريكية المحتلة العنصرية، ورأينا الفرق بين الأمريكي البسيط الكريم الضاحك وبين أمريكا الكريهة الاستعمارية العدوانية.
ومنذ ذلك الوقت قررت أن أكتب كتاب «أمريكا، الأسطورة والحقيقة»، وهو ما تم بالفعل وصدر عام 2020م. وكنت من قبل وأنا في جامعة تمبل اشتريت معظم الكتب عن أمريكا الموجودة بقسم المكتبة، والذي كان باسم دراسات أمريكية. وعن طريق موسوعة الكتب المطبوعة في باب الدراسات الأمريكية، والتي كنت أطلبها من المكتبة على أنها كتب دراسية حتى أحصل على تخفيض يعادل عشرين بالمائة من ثمن الكتاب، وكذلك اشتريت كتبي عن العالم الثالث: أفريقيا وآسيا، أمريكا اللاتينية استعدادا لإصدار كتاب بنفس الاسم عن الفكر الوطني في هذه القارات الثلاث وهو ما حدث بالفعل، وصدر في 2021م.
وفى المغرب كان معي أولادي الثلاثة، تجولنا في ربوعها إلى الشمال حتى طنجة، وإلى الجنوب حتى العيون، وشاهدنا جمال الطبيعة في المغرب، وطيبة شعبها وحبه للمصريين، ونحن في الطريق إلى الجنوب وقع علينا حجر كبير من أعلى جبل، كان بعمل جندي مغربي، وقع الحجر تحت السيارة؛ فأبطلها. أتت حافلة لجر السيارة إلى الورشة لإصلاحها، خاف الجندي وأخذنا إلى منزله لتناول الغداء، وأصر قائد الفرقة أن يتم إصلاح السيارة على نفقة الجيش المغربي، بالرغم من التأمين عليها، كانت سيارتي جديدة ماركة «سيات» وهي النسخة الإسبانية من «فيات» الإيطالية.
وفى رحلة أخرى مع الأولاد، عبرنا جبل طارق بالسيارة، حيث شحناها على سطح الباخرة ومنه شاهدنا الأندلس ومدنه الثلاث؛ غرناطة وإشبيلية وقرطبة، وشاهدنا قصر الحمراء بغرناطة، ومسجد قرطبة، ومئذنة إشبيلية «الخيرالدا». وذهبنا إلى طليطلة، ومدينة الزهراء بجوارها. وكانت تقع قبل مدريد بسبعين كيلومترا فقط، وذهبنا إلى مدريد، ورأينا شوارعها الفسيحة وأبنيتها الشاهقة، والمعمار الذي يجمع بين الشرق والغرب.
ومرة دعيت إلى مؤتمر بتونس؛ فقررنا الذهاب بالسيارة، قطعنا شمال المغرب حتى وصلنا وجدة، ودخلنا الجزائر حتى تلمسان، وعبرنا المغرب كله من الغرب إلى الشرق عبر مدينة الأصنام، وكان الطريق ممهدا.
وفى الحدود بين المغرب والجزائر وقفنا طويلا ؛ فقد كانت العلاقات بين البلدين شبه مقطوعة لخلاف بينهما على واحة تندوف في الجنوب، وبعد أن وصلنا إلى تونس وانتهى المؤتمر، أردت العودة إلى المغرب عن طريق الساحل، وكان طريقا جبليا فخافت زوجتي، وأرادت أن نسلك نفس الطريق الذي جئنا منه؛ لأنه آمن، فحزنت لعدم اكتشاف الطريق الساحلي على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وفى اليابان لم يكن لدينا سيارة، وكنا نسمع عن هيروشيما ونجازاكي بعد إلقاء القنبلة الذرية وتدميرهما بالكامل، وقتل ما يقرب من سبعين ألف ياباني في هيروشيما وحدها، أخذنا الطائرة إلى هيروشيما، كانت قد بنيت من جديد مع استبقاء جزء منها مدمرا للذكرى، ثم أخذنا القطار السريع إلى نجازاكي، ورأينا نفس الشيء مدينة حديثة باستثناء جزء مدمر صغير من أثر القنبلة الذرية.
وفى طوكيو زرنا المدينة وحدائقها الحديثة، وزرنا قصر الإمبراطور، وزرنا ميناءها، ورأينا كباريها، وضواحيها. وأعجبنا بمنازل اليابان التقليدية الصغيرة وعلى أسطحها مرايات براقة لتوليد الطاقة الكهربائية من الشمس. وزرنا المعابد البوذية، رأينا كيف يشعلون الشموع حول تماثيل بوذا. وعجبنا من هذا التناقض بين اليابان الحديثة المتقدمة في العلم والصناعة، واليابان التقليدية في السحر والخرافة، وزرت أحد المعابد البوذية، فسجدت زوجة الراهب على الأرض تحية لي، وكادت أن تقبل قدمي؛ فانزعجت. وأدركت الصلة بين الدين والطاعة، بين الإيمان والخضوع، وكان هذا شائعا في الشركات وأماكن العمل في اليابان، حيث سلطة الرئيس على العاملين، وتبعية العاملين للرئيس، ورأيت الألوان الزاهية للباس المرأة اليابانية وهي تذهب إلى المعبد وكأنه قطعة من الألوان المتحركة، أساسها أبيض ونقوشها بالأحمر والأخضر والأزرق والأصفر، ألوان الطبيعة.
ورأيت الرقص الياباني الإيقاعي، والمصارعة اليابانية الحرة، وفي نفس الوقت كانت الفرق الموسيقية تعزف موسيقى بيتهوفين والسيمفونيات الألمانية.
الفصل الثامن
Неизвестная страница