وما ذاك يا سيدنا؟ قال: الذي اعتمد عليه في سماع هذا الكتاب منه قد وصل فقوموا بنا إليه، قال: فحملنا إلى خارج البلد من جهة النهر الأعظم وأدخلنا على أبي محمد عبد المنعم بن الفرس في خبائه وقدر ان سمعنا عليه والحمد لله؛ قال أبو القاسم: فشاهدت من أبي محمد عبد المنعم من الذكاء والإدراك ما لم اعهد من غيره، ورأيت مناظرات أخر وكأني لم ألق أحدًا، في كلام غير هذا.
وقال أبو الربيع بن سالم: سمعت أبا بكر بن الجد وحسبك به شاهدًا في هذا الباب يقول غير مرة: ما اعلم بالأندلس احفظ لمذهب مالك من عبد المنعم بن الفرس بعد أبي عبد الله بن زرقون.
وكان المنصور من بني عبد المؤمن كلما وقعت إليه مسألة غريبة وقدر شذوذها، ذكرًا أو فهمًا، عن الحاضرين بمجلسه من أهل العلم - وكان أبو محمد هذا من أجلهم - أجرى ذكرها بينهم، فوقعت المذاكرة فيها بينهم حتى إذا استوفى كل منهم ذكر ما حضره فيها استشرف المنصور إلى الشفوف عليهم باستقصاء ما من الأجوبة فيها لديهم، فعند ذلك يتقدم أو محمد فيقول (١): بقي فيها كذا وكذا فيأتي على ما كان المنصور قد أعده للظهور بينهم، وكثر هذا من أبي محمد حتى استثقله المنصور، فكان من أكبر الدواعي إلى هجرته إياه.
_________
(١) م ط: فتقوم، وهو خطأ بين.
1 / 62