Дарийка
الذريعة (أصول فقه)
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين الذاكرين، المعترفين بجميل (1) آلائه وجزيل نعمائه، المستبصرين بتبصيره (2) المتذكرين (3) بتذكيره، الذين تأدبوا بتثقيفه (4)، وتهذبوا (5) بتوفيقه، واستضاءوا بأضوائه، وترووا من أنوائه حتى هجموا بالهداية إلى الدراية (6)، وعلموا بعد (7) الجهالة، واهتدوا بعد الضلالة، فلزموا القصد، ولم يتعدوا الحد، فيقلوا في موضع الإكثار، ويطيلوا في مكان الاختصار، ويمزجوا بين متباينين، ويجمعوا بين متنافرين، فرب مصيب حرم في صوابه ترتيبه له في مراتبه وتنزيله في منازله، فعد مخطئا، وعن الرشاد مبطئا. وصلى الله على أفضل بريته وأكمل خليقته سيدنا محمد وآله الطاهرين (8) وسلم.
أما بعد: فإنني (9) رأيت أن أملى كتابا متوسطا في أصول الفقه (10) لا ينتهى بتطويل إلى الإملال (11)، ولا باختصار إلى الإخلال، بل يكون
Страница 1
للحاجة سدادا وللبصيرة زنادا، وأخص مسائل الخلاف بالاستيفاء والاستقصاء، فإن مسائل الوفاق تقل الحاجة فيها إلى ذلك.
فقد وجدت بعض من أفرد في أصول (1) الفقه كتابا، وإن كان قد أصاب في كثير من معانيه وأوضاعه ومبانيه، قد شرد (2) من (3) قانون أصول الفقه وأسلوبها، وتعداها كثيرا وتخطاها، فتكلم على حد العلم والظن وكيف يولد النظر العلم، والفرق بين وجوب المسبب عن السبب، وبين حصول الشيء عند غيره على مقتضى العادة، وما تختلف (4) العادة وتتفق، والشروط التي يعلم بها (5) كون خطابه تعالى دالا على الأحكام وخطاب الرسول (عليه السلام)، والفرق بين خطابيهما بحيث يفترقان أو يجتمعان، إلى غير ذلك من الكلام الذي هو محض صرف خالص للكلام (6) في أصول الدين دون أصول الفقه.
فإن كان (7) دعا إلى الكلام على هذه المواضع أن أصول الفقه (8) لا تتم ولا تثبت إلا بعد ثبوت هذه الأصول، فهذه العلة تقتضي أن يتكلم (9) على سائر أصول الدين من أولها إلى آخرها وعلى ترتيبها، فإن أصول
Страница 2
الفقه مبنية على جميع أصول الدين مع التأمل (1) الصحيح، وهذا يوجب علينا أن نبتدئ في أصول الفقه بالكلام على حدوث الأجسام وإثبات المحدث وصفاته وجميع أبواب التوحيد، ثم بجميع (2) أبواب التعديل و(3) النبوات، ومعلوم أن ذلك مما لا يجوز فضلا عن أن يجب. والحجة في إطراح الكلام على هذه الأصول هي (4) الحجة (5) في إطراح الكلام على النظر وكيفية توليده وجميع ما ذكرناه (6).
وإذا كان مضى (7) ذكر العلم والظن (8) في أصول الفقه اقتضى أن يذكر ما يولد العلم ويقتضى (9) الظن ويتكلم (10) في أحوال الأسباب وكيفية توليدها، فألا اقتضانا (11) ذكرنا (12) الخطاب الذي هو العمدة في أصول الفقه والمدار عليه أن نذكر (13) الكلام في الأصوات و(14) وجميع أحكامها، وهل الصوت جسم أو صفة لجسم (15) أو عرض؟ وحاجته إلى المحل (16) وما يولده، وكيفية توليده، وهل الكلام معنى في النفس أو هو جنس الصوت أو معنى يوجد مع الصوت؟ على ما يقوله أبو علي. فما التشاغل
Страница 3
بذلك كله إلا كالتشاغل بما (1) أشرنا إليه مما تكلفه، وما تركه إلا كتركه (2). والكلام في هذا الباب إنما هو الكلام في أصول الفقه بلا واسطة من الكلام فيما هو أصول لأصول الفقه. و(3) الكلام في هذا الفن إنما هو مع (4) من تقررت معه أصول الدين (5) وتمهدت، ثم تعداها إلى غيرها مما هو مبنى عليها. فإذا كان المخالف لنا مخالفا في أصول الدين، كما أنه مخالف في أصول الفقه، أحلناه (6) على الكتب الموضوعة للكلام في أصول الدين، ولم نجمع له في كتاب واحد بين الأمرين.
ولعل القليل التافه من مسائل أصول الفقه (7)، مما لم أملل (8) فيه مسألة مفردة مستوفاة مستقلة مستقصاة، لا سيما مسائله (9) المهمات الكبار. فأما الكلام في الإجماع فهو في الكتاب الشافي والذخيرة مستوفى.
وكذلك (10) الكلام في الأخبار. والكلام في القياس والاجتهاد بسطناه وشرحناه في جواب مسائل أهل الموصل الأولى (11).
وقد كنا قديما أمللنا (12) قطعة من مسائل الخلاف في أصول الفقه،
Страница 4
وعلق عنا دفعات لا تحصى من غير (1) كتاب يقرؤه (2) المعلق علينا من مسائل (3) الخلاف على غاية (4) الاستيفاء دفعات كثيرة. وعلق عنا كتاب العمدة (5) مرارا لا تحصى. والحاجة مع ذلك إلى هذا الكتاب الذي قد شرعنا فيه ماسة تامة، والمنفعة به عامة، لأن طالب الحق من هذا العلم يهتدى بإعلامه عليه، (6) فيقع من قرب عليه. ومن يعتقد من الفقهاء مذهبا (7) بعينه (8) تقليدا أو إلفا في أصول الفقه، ينتفع (9) بما أوضحناه من نصرة ما يوافق فيه، مما كان لا يهتدى إلى نصرته وكشف قناع حجته، ولا يجده في كتب موافقيه ومصنفيه ويستفيد أيضا فيما يخالفنا فيه، إنا حررنا في هذا الكتاب شبهه (10) التي هي عنده حجج وقررناها، وهذبناها (11)، وأظهرنا من معانيها (12) ودقائقها ما كان مستورا، وإن كنا من بعد عاطفين على نقضها وإبانة فسادها، فهو على كل حال متقلب بين فائدتين مترددتين منفعتين.
فهذا الكتاب إذا أعان الله تعالى على إتمامه وإبرامه، كان بغير نظير (13) من الكتب المصنفة في هذا الباب. ولم نعن (14) في تجويد (15) وتحرير وتهذيب، فقد يكون ذلك فيما سبق إليه من المذاهب والأدلة،
Страница 5
وإنما أردنا (1) أن مذاهبنا في أصول الفقه ما اجتمعت لأحد من مصنفي كتب أصول الفقه. و(2) على هذا فغير ممكن أن يستعان بكلام أحد من مصنفي الكلام في هذه الأصول، لأن الخلاف في المذاهب والأدلة والطرق والأوضاع يمنع (3) من ذلك، ألا ترى (4) أن الكلام في الأمر والنهى الغالب على مسائله والأكثر والأظهر أخالف (5) القوم فيه، والعموم والخصوص فخلافي لهم، وما (6) يتفرع عليه أظهر، وكذلك (7) البيان والمجمل والإجماع والأخبار والقياس والاجتهاد مما خلافي (8) جميعه أظهر من أن (9) يحتاج إلى إشارة، فقد تحقق استبداد (10) هذا الكتاب بطرق مجددة (11) لا استعانة عليها بشيء من كتب القوم المصنفة في هذا الباب. وما توفيقنا إلا بالله تعالى.
وقد سميته (12) بالذريعة إلى (13) أصول الشريعة، لأنه سبب ووصلة إلى علم (14) هذه الأصول. وهذه اللفظة في اللغة العربية وما تتصرف إليه تفيد هذا المعنى الذي أشرنا إليه، لأنهم يسمون الحبل الذي يحتبل به
Страница 6
الصائد الصيد (1) ذريعة، واسم الذراع من هذا المعنى اشتق، لأن بها يتوصل إلى الأغراض والأوطار، (2) والذراع أيضا صدر القناة. وذرع القيء (3) إذا غلب، وبلغ من صاحبه الوطر. فبان أن التصرف يعود إلى المعنى (4) الذي ذكرناه. وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وإليه ننيب (5).
. باب الكلام في الخطاب وأقسامه وأحكامه
اعلم أن الكلام في أصول الفقه إنما هو على الحقيقة كلام (6) في أدلة الفقه، يدل عليه أنا إذا تأملنا ما يسمى بأنه أصول الفقه، وجدناه لا يخرج من أن يكون موصلا إلى العلم بالفقه أو (7) متعلقا به وطريقا إلى ما هذه صفته، والاختبار يحقق (8) ذلك. ولا يلزم على ما ذكرناه (9) أن تكون (10) الأدلة والطرق إلى أحكام فروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصولا للفقه، لأن الكلام في أصول الفقه إنما هو كلام في كيفية دلالة ما يدل من هذه الأصول على الأحكام على طريق الجملة دون التفصيل، وأدلة
Страница 7
الفقهاء إنما هي على تعيين المسائل، والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل.
وإذا كان مدار الكلام في أصول الفقه إنما هو على الخطاب وجب أن نبدأ بذكر أحكام الخطاب.
والخطاب (1) هو الكلام إذا وقع على بعض الوجوه، وليس كل كلام خطابا، وكل خطاب كلام. والخطاب يفتقر في كونه كذلك إلى إرادة المخاطب لكونه خطابا لمن هو خطاب له ومتوجها (2) إليه والذي يدل على ذلك أن الخطاب قد يوافقه (3) في جميع صفاته من وجود وحدوث وصيغة (4) وترتيب (5) ما ليس بخطاب، فلا بد من أمر زائد به كان خطابا، وهو قصد المخاطب. ولهذا قد يسمع كلام الرجل جماعة (6) ويكون الخطاب (7) لبعضهم دون بعض لأجل القصد الذي أشرنا إليه المخصص لبعضهم من (8) بعض، ولهذا جاز أن يتكلم النائم، ولم يجز أن يخاطب، كما لم يجز أن يأمر وينهى.
(9) وينقسم الخطاب (10) إلى قسمين. مهمل ومستعمل. فالمهمل: ما لم يوضع
Страница 8
في اللغة التي أضيف أنه مهمل إليها لشيء (1) من المعاني، والفوائد. و(2) أما المستعمل: فهو الموضوع لمعنى، أو فائدة. وينقسم إلى قسمين.
أحدهما: ما له معنى صحيح وإن كان لا يفيد فيما سمى به كنحو الألقاب مثل قولنا: زيد وعمرو، وهذا القسم (3) جعله القوم بدلا من الإشارة ولهذا لا يستعمل في الله تعالى. والفرق بينه وبين المفيد أن اللقب يجوز تبديله وتغييره (4)، واللغة على ما هي عليه، والمفيد لا يجوز ذلك فيه.
ولهذا (5) كان الصحيح أن لفظة شيء (6) ليست لقبا، بل (7) من (8) قسم مفيد (9) الكلام، لأن تبديلها وتغييرها لا يجوز، واللغة على ما هي عليه.
وإنما لم تفد لفظة شيء، لاشتراك جميع المعلومات في معناها، فتعذرت (10) فيها طريقة الإبانة والتمييز. فلأمر يرجع إلى غيرها لم (11) تفد، واللقب لا يفيد لأمر (12) يرجع إليه.
والقسم الثاني من القسمة المتقدمة: هو المفيد الذي يقتضى الإبانة.
وهو على ثلاثة أضرب. أحدها: أن يبين (13) نوعا من نوع، كقولنا:
Страница 9
لون، وكون، واعتقاد، وإرادة. وثانيها: أن يبين (1) جنسا من جنس كقولنا: جوهر، وسواد، وحياة، وتأليف. وثالثها: أن يبين عينا من عين كقولنا: عالم، وقادر، وأسود، وأبيض.
البحث في الحقيقة والمجاز (2)
وينقسم المفيد من الكلام إلى ضربين: حقيقة ومجاز. فاللفظ الموصوف بأنه حقيقة هو ما أريد به ما وضع ذلك اللفظ لإفادته إما في لغة، أو عرف، أو شرع. ومتى تأملت ما حدت به الحقيقة (3) وجدت (4) ما ذكرناه أسلم وأبعد من القدح (5). وحد المجاز (6) هو اللفظ الذي أريد به ما لم يوضع لإفادته في لغة، ولا عرف، ولا شرع.
ومن حكم الحقيقة وجوب حملها على ظاهرها إلا (7) بدليل. والمجاز بالعكس من ذلك، بل يجب حمله على ما اقتضاه الدليل. والوجه في ثبوت هذا الحكم للحقيقة أن المواضعة قد جعلت ظاهرها للفائدة المخصوصة، فإذا خاطب الحكيم قوما بلغتهم وجرد كلامه عما يقتضى
Страница 10
العدول عن ظاهره، فلا بد من أن يريد به (1) ما تقتضيه (2) المواضعة في تلك اللفظة التي استعملها.
ومن شأن الحقيقة أن تجري (3) في كل موضع تثبت (4) فيه فائدتها من غير تخصيص، إلا أن يعرض عارض سمعي يمنع (5) من (6) ذلك. هذا إن (7) لم يكن في الأصل تلك الحقيقة وضعت لتفيد (8) معنى في جنس دون جنس، نحو قولنا: أبلق، فإنه يفيد اجتماع لونين مختلفين في بعض الذوات (9) دون بعض، لأنهم يقولون: فرس أبلق، ولا يقولون:
ثور (10) أبلق.
وإنما أوجبنا اطراد الحقيقة في فائدتها، لأن المواضعة تقتضي (11) ذلك، والغرض فيها لا يتم إلا بالاطراد، فلو لم تجب (12) تسمية (13) كل من فعل الضرب بأنه ضارب، لنقض ذلك القول بأن أهل اللغة إنما سموا (14) الضارب ضاربا، لوقوع هذا الحدث المخصوص الذي هو الضرب منه.
Страница 11
و(1) إنما استثنينا المنع السمعي (2) لأنه ربما عرض في إجراء الاسم على بعض ما فيه فائدته مفسدة، فيقبح إجرائه، فيمنع (3) السمع منه، كما قلنا في تسميته تعالى بأنه فاضل (4).
واعلم أن الحقيقة يجوز أن يقل استعمالها، ويتغير حالها فيصير (5) كالمجاز. وكذلك المجاز غير ممتنع أن يكثر استعماله في العرف (6) فيلحق بحكم الحقائق وإنما قلنا ذلك، من حيث كان (7) إجراء هذه (8) الأسماء على فوائدها في الأصل ليس بواجب، وإنما هو بحسب الاختيار، وإذا صح في أصل اللغة التغيير والتبديل، فكذلك (9) في فرعها (10)، والمنع من جواز ذلك متعذر. وإذا كان جائزا، فأقوى ما ذكر في وقوعه وحصوله أن قولنا: غائط (11)، كان في الأصل اسم للمكان المطمئن (12) من الأرض، ثم (13) غلب عليه الاستعمال العرفي، فانتقل إلى الكناية عن قضاء الحاجة والحدث المخصوص، ولهذا لا يفهم من إطلاق هذه اللفظة في العرف إلا ما ذكرناه، دون ما كانت
Страница 12
عليه في الأصل. وأما استشهادهم على ذلك بالصلاة والصيام، وأن المفهوم في الأصل من لفظة (1) الصلاة الدعاء، ثم صار بعرف الشرع المعروف سواه، وفي (2) الصيام الإمساك، ثم صار في الشرع لما كان (3) يخالفه، فإنه يضعف، من حيث أمكن يقال إن ذلك ليس بنقل، وإنما هو تخصيص، وهذا غير ممكن في لفظة (4) الغائط (5).
وأقوى ما يعرف به كون اللفظ حقيقة (6) هو نص أهل اللغة، وتوقيفهم على ذلك، أو يكون معلوما من حالهم ضرورة.
ويتلوه في القوة أن يستعملوا اللفظ (7) في بعض الفوائد، ولا يدلونا على أنهم متجوزون بها مستعيرون لها، فيعلم (8) أنها حقيقة، ولهذا نقول: إن (9) ظاهر استعمال أهل اللغة اللفظة في شيء دلالة (10) على أنها حقيقة فيه إلا أن ينقلنا ناقل عن هذا الظاهر.
وقد قيل فيما يعرف به الحقيقة أشياء (11) غيرها (12) عليها- إذا تأملتها (13)
Страница 13
حق التأمل- طعن، وفيها قدح. وما ذكرناه أبعد من الشبهة (1).
ويمضى في الكتب كثيرا أن المجاز لا يجوز استعماله إلا في الموضع الذي استعمله (2) فيه أهل اللغة من غير تعد له. ولا بد من تحقيق هذا الموضع فإنه تلبيس (3).
والذي يجب، أن يكون المجاز مستعملا فيما استعمله فيه (4) أهل اللغة أو في نوعه وقبيله. ألا ترى أنهم لما حذفوا المضاف، وأقاموا المضاف إليه مقامه في قوله تعالى: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا (5) فيها، أشعرونا بأن حذف المضاف توسعا جائز، فساغ لنا أن نقول سل المنازل التي نزلناها، والخيل التي ركبناها، على هذه الطريقة في الحذف. ولما وصفوا (6) البليد (7) بأنه حمار تشبيها له به (8) في البلادة، والجواد بالبحر تشبيها له به في كثرة عطائه، جاز أن نصف البليد بغير ذلك من الأوصاف المنبئة (9) عن عدم الفطنة، فنقول:
إنه صخرة، وإنه جماد، وما أشبه ذلك. ولما أجروا (10) على الشيء
Страница 14
اسم ما قارنه (1) في بعض المواضع، فقلنا مثل (2) ذلك للمقارنة (3) في موضع آخر. ألا ترى أنهم قالوا (4) سل القرية في قرية معينة، وتعديناها إلى غيرها بلا شبهة للمشاركة في المعنى. وكذلك في النوع والقبيل.
وليس هذا هو القياس في اللغة (5) المطرح، كما لم يكن ذلك قياسا في تعدى العين الواحدة في القرية.
وبعد فإنا نعلم أن ضروب المجازات الموجودات (6) الآن في اللغة لم يستعملها القوم ضربة واحدة (7) في حال واحدة، بل في زمان بعد زمان، ولم يخرج من استعمل (8) ذلك- ما لم يكن بعينه مستعملا- عن قانون اللغة، فكذلك (9) ما ذكرناه.
واعلم أن الخطاب إذا انقسم إلى لغوي، وعرفي، وشرعي، وجب بيان مراتبه وكيفية تقديم بعضه على بعض، حتى يعتمد ذلك فيما يرد منه تعالى من الخطاب.
وجملة القول فيه أنه إذا ورد منه تعالى خطاب، وليس فيه عرف، ولا شرع، وجب حمله على وضع اللغة لأنه الأصل.
.
Страница 15
فإن كان فيه وضع، وعرف، وجب حمله على العرف دون أصل الوضع، لأن العرف طار على أصل الوضع، وكالناسخ له والمؤثر فيه.
فإذا كان هناك (1) وضع، وعرف، وشرع، وجب حمل الخطاب على الشرع دون الأمرين المذكورين. للعلة (2) التي ذكرناها. ولأن الأسماء (3) الشرعية صادرة عنه (4) تعالى-، فتجري مجرى الأحكام في أنه لا يتعدى (5) عنها.
واعلم أن الناس قد طولوا في أقسام الكلام، وأورد بعضهم في أصول الفقه ما لا حاجة إليه.
وأحصر (6) ما قسم الكلام المفيد إليه، أنه أما أن يكون خبرا أو ما معناه معنى الخبر. وعند التأمل يعلم دخول جميع (7) أقسام الكلام تحت ما ذكرناه. لأن الأمر من حيث دل على أن الآمر مريد للمأمور به، كان في معنى الخبر. والنهى إنما كان نهيا لأن الناهي كاره لما نهى عنه، فمعناه معنى الخبر. ولأن المخاطب غيره إما أن يعرفه حال نفسه، أو حال غيره، وتعريفه حال غيره يكون بالخبر دون الأمر، وتعريفه حال نفسه يكون بالأمر والنهى، وإن (8) جاز أن يكون بالخبر.
Страница 16
واعلم أن المفيد من الأسماء إما أن يختص بعين واحدة ولا يتعداها، أو يكون مفيدا لما زاد عليها. فمثال الأول قولنا (1): إله وقديم وما جرى مجرى ذلك مما يختص به القديم تعالى ولا يشاركه (2) فيه غيره. فأما ما يفيد (3) أشياء كثيرة فينقسم (4) إلى قسمين: إما أن يفيد في الجميع فائدة واحدة، أو (5) أن يفيد (6) فوائد مختلفة، فمثال الأول قولنا: لون، وإنسان. ومثال الثاني قولنا (7): قرأ (8)، وعين، وجارية.
ومن خالف في جواز وقوع الاسم على مختلفين أو على ضدين (9)، لا يلتفت إلى خلافه، لخروجه عن الظاهر من مذهب أهل اللغة.
و(10) اعلم أنه غير ممتنع أن يراد باللفظة الواحدة في الحال الواحدة (11) من المعبر (12) الواحد المعنيان المختلفان. وأن يراد بها أيضا الحقيقة والمجاز.
بخلاف ما حكى عمن خالف في ذلك من أبي هاشم وغيره. والذي يدل على صحة ما ذكرناه أن ذلك لو كان ممتنعا لم يخل امتناعه (13) من أن يكون
Страница 17
لأمر يرجع إلى المعبر (1)، أو لما يعود إلى العبارة، وما يستحيل لأمر (2) يرجع إلى المعبر (3)، تجب (4) استحالته مع فقد العبارة، كما أن ما صح لأمر يعود إليه، تجب (5) صحته مع ارتفاع العبارة، وقد علمنا أنه يصح من أحدنا أن يقول لغيره لا تنكح ما نكح أبوك، ويريد به لا تعقد على من عقد عليه ولا (6) من وطئه. ويقول أيضا لغيره إن لمست امرأتك فأعد الطهارة، ويريد به (7) الجماع واللمس باليد. وإن كنت محدثا فتوضأ (8)، ويريد (9) جميع الأحداث. وإذا جاز أن يريد الضدين في الحالة الواحدة، فأجوز منه أن يريد المختلفين. فأما العبارة فلا مانع من جهتها يقتضى تعذر ذلك، لأن المعنيين المختلفين قد جعلت هذه العبارة في وضع اللغة عبارة عنهما، فلا مانع (10) من (11) أن يرادا بها. وكذلك (12) إذا استعملت هذه اللفظة في أحدهما (13) مجازا (14) شرعا أو عرفا، فغير ممتنع أن يراد بالعبارة الواحدة، لأنه لا تنافي ولا تمانع (15).
Страница 18
وإنما لا يجوز أن يريد باللفظة الواحدة (1) الأمر والنهى، لتنافي موجبيهما، لأن الأمر يقتضى إرادة المأمور به، والنهى يقتضى كراهة (2) المنهي عنه، ويستحيل أن يكون مريدا كارها للشيء الواحد على الوجه الواحد.
وكذلك لا يجوز أن يريد باللفظة الواحدة الاقتصار على الشيء وتعديه، لأن ذلك يقتضى أن يكون مريدا للشيء وأن لا يريده.
وقولهم لا (3) يجوز أن يريد باللفظة الواحدة استعمالها فيما وضعت له والعدول بها (4) عما وضعت له، ليس بصحيح، لأن المتكلم بالحقيقة والمجاز ليس يجب أن يكون قاصدا إلى ما وضعوه وإلى (5) ما لم يضعوه، بل يكفي في كونه متكلما بالحقيقة، أن يستعملها فيما وضعت له في اللغة، وهذا القدر كاف في كونه (6) متكلما باللغة، من غير حاجة إلى قصد استعمالها فيما وضعوه. وهذه الجملة كافية في إسقاط (7) الشبهة.
واعلم أن الغرض في أصول الفقه التي بينا أن مدارها إنما (8) هو على الخطاب- وقد ذكرنا مهم (9) أقسامه، وما لا بد منه من أحواله.- لما كان لا بد فيه من (10) العلم بأحكام الأفعال، ليفعل ما يجب فعله، ويجتنب
Страница 19
ما يجب اجتنابه، وجب أن (1) نشير (2) إلى العلم ما هو، و(3) ما يشتبه (4) به من الظن، وما يقتضى كل واحد منهما من دلالة أو أمارة بأخصر قول، فإن الجمل (5) المعقولة في هذه المواضع (6) كافية.
فأما الأفعال وأحكامها ومراتبها، فسيجيء (7) القول فيه من هذا الكتاب عند الكلام على أفعال النبي (صلى الله عليه وآله) وكيفية دلالتها بإذن الله تعالى (8) ومشيته.
واعلم أن العلم ما اقتضى سكون النفس . وهذه حالة معقولة يجدها الإنسان من نفسه عند المشاهدات، ويفرق فيها (9) بين خبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأن (10) زيدا في الدار وخبر غيره. غير (11) أن ما (12) هذه حاله، لا بد من كونه اعتقادا يتعلق بالشيء على ما هو به. و(13) إن لم يجز (14) إدخال ذلك في حد العلم، لأن الحد يجب أن يميز (15) المحدود، ولا (16) يجب أن يذكر في جملة ما يشاركه فيه ما خالفه. ولئن جاز لنا أن
Страница 20