Исламское государство и неминуемое разрушение
الدولة الإسلامية والخراب العاجل
Жанры
كانت القدرة هي القوة المادية بإطلاق، بينما اليوم أصبحت القدرة مخزنا لقوانين العلم واصطلاحاته، فهي الفولت في الكهرباء، وهي الحصان أو الطن في المحركات، وهي الأمبير، وهي الأوم والوات في الصوتيات، وهي الريختر في الزلزال، وهي الأوزان الذرية ... إلخ، لكن أصحاب التهديد الإرهابي الذين ردوا على توقفي عن النشر برسالة الغفران، يحفظون اللفظ في لفائف دلالاته القديمة ليحمل ذات الدلالات القديمة، وهو أسلوب مفهوم متسق، لا يعمد للتزوير والخداع والمراوغة اللفظية، وهو خطاب يقف في مكانه الطبيعي داخل منظومته دون تنافض؛ لأنه يحدد إدراكه وفق ما تمت كتابته بفكر وعقل من كتبه يوم كتبه. المشكلة فيمن يزورون علينا وعلى المسلمين كذبا ونفاقا، ويقدمون لنا ألفاظا وتعابير من الماضي محملة بدلالات من فكر وعلم وتقاليد وعادات وقوانين اليوم. المثير للرعب أن هذا الخطاب المخاتل يجد صدى لدى من يملكون القوة في العالم اليوم من دول عظمى، وتنطلي عليهم خديعته لأنهم خارج كل تعقيدات الفرق الفقهية المتراكمة عبر الزمن، ومن ثم لا يملكون أدوات النفاذ للدلالات الحقيقة لما يطرحه الإسلام السياسي على عالمنا اليوم، فيتصورون ذلك اعتدالا بعكس التطرف الدموي، ويفهمون عنهم أنهم قوم وسطيون يدعون للمحبة والتسامح والمساواة، ويتلهفون على الديمقراطية تلهفا، بينما شاعرهم الأمجد يشرح شأن العرب قائلا:
نحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
لكن هذا الفريق المعتدل الوسطي الديمقراطي هو نفسه من يحدثنا عن المقاومة الشريفة في العراق الحزين، المقاومة بتفجير الأجساد، سواء كان الجسد جسد المفجر، أو جسد الأم الممزق وجسد طفلها الرضيع في حضنها يرضع ثديا ممزقا، سواء كان يهوديا أو مسلما أو أي ملة أو أي لون. ويقول لنا المعتدلون إن هذه المقاومة دفاع شرعي عن الوطن! فأي وطن يقصدون؟ يقولون إنهم يفعلون فعل فرنسا (مقاومة وطنية) عندما احتلها النازي! ولكن هل في الإسلام أي مفهوم عن الوطن كما هو حال فرنسا؟!
إن الإسلام لم يكن فيه معنى للوطن كما نفهمه اليوم، ولا حتى كما فهمه العراقي القديم، أو الشامي أو المصري القديم؛ لأن الإسلام هو الوطن ولا يعترف بالأوطان لأنه إنما المسلمون أمة لا إله إلا الله أينما كانوا بدون حدود وطنية، وحتى هذه اللحظة الراهنة لا يعترف هؤلاء بالوطن والمواطنة جميعا على اتفاق، من ابن قرضاوي إلى ابن عاكف إلى ابن هويدي إلى ابن باز، فلماذا إذن المقاومة؟! أم الصواب أن يتم الاعتراف أولا بالوطن وإعلاء شأن الوطنية على بقية القيم أرضية كانت أم سماوية حتى يمكن الحديث بعد ذلك عن المقاومة الوطنية. ورغم ذلك يستخدمون اللفظ المستحدث «المقاومة» للدلالة على جرائم حرب وإبادة جماعية بكل معنى الكلمة، فهي حرب بربرية يخوضها الإسلام السياسي والوهابي والشيعي بمنطق ما وراء ألف وأربعمائة عام مضت، على أرض العراق ضد العراقيين جميعا.
الملحظ الطريف أنهم وهم يتحدثون عن المقاومة في العراق لا يصفونها أبدا بالوطنية، إنما هي المقاومة الشريفة، هي المقاومة الباسلة، هي المقاومة الاستشهادية، هم أسود الله . أما المتكرر المعتاد فهو المقاومة الإسلامية، وهو ما يعني فورا أن الموتى من المسلمين على أيدي هذه المقاومة الإسلامية هم من غير المسلمين. هذا قول المعتدلين.
أما الأكثر طرافة فهبتهم هبة رجل واحد للحديث عن الحريات وحقوق المرأة وحقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية والعدل، وترديدهم ذلك من باب التأكيد أنهم قد آمنوا بهذه القيم الإنسانية الراقية، وأنهم سيشاركون في عملية الإصلاح، وهو ما يعني أن هناك فسادا يعرفه الجميع؛ لأن الجميع يدعون إلى الإصلاح، نحن، وهم، والدول الأجنبية، وحتى حكوماتنا تدعو للإصلاح، ولا نفهم لمن نوجه دعوتنا بالإصلاح، العالم كله يدعونا للإصلاح، وهذه الدعوة المخجلة المهينة موجهة للمسلمين دون شعوب العالم. والملاحظ أن المشايخ أو الكهنة والدولة التي هي الحكومة، والحكومة التي هي الدولة (هذا خط بلادنا)، والإخوان المسلمين، وجميع الأحزاب والهيئات يطلبون جميعا الإصلاح، كما لو أن أحدا قد منعهم قبل ذلك من الإصلاح عبر زمننا الطويل الأسود من قرن الخروب، كما لو أن هناك من اعترض محاولة تطبيق أي من تلك الألفاظ المحترمة التي يلوكونها منذ فجر الخلافة، وحتى يومنا الهباب الحالي، ولو مرة يتيمة واحدة.
مشكلتنا إذن هي مع فريق النصابين المشتغلين بالدين علينا، الذين يقومون باستحضار الألفاظ من أكفان 1425 عاما مضت ثم يحملونها بدلالات ومفاهيم زماننا، رغم أن دلالات لفظنا الحفري لا علاقة لها بدلالات اليوم، بل يصل التباعد بينهما إلى درجة النقيض الكامل. إنهم يعيدون فرش بيت أجدادنا المهجور العتيق الذي تسكنه الخفافيش والسحالي والغيلان والبراق وناقة صالح وصاحب الصيحة، من أرقى بيوت الخبرة الفرنسية من بيت ديكارت، وبيت روسو، وبيت فوليتر، ومن كبريات دور الحقوق والأمريكية المؤسسة كديكور حداثي متفوق، تقف جميعا في خدمة حرية المواطن الفرد. ثم يقولون لنا إن هذا هو ميراث أجدادنا. يقول الغرب: ديمقراطية نقول: عندنا شورى، يقول الغرب: انتخابات حرة نقول: عندنا بيعة، يكتشفوا فاكسينات للقضاء على معظم الأمراض القاتلة، نعيد نحن اكتشاف بول الناقة كسبق علمي لأنه فاكسين لكل ما اكتشف وما لم يكتشف بعد، فاكسين رباني لم يصنعه بشر .
هذا رغم أن المسلم زمن الدعوة لم يفهم من الشورى ما نفهمه اليوم من الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية بمعناها المعاصر هي شأن معاصر لم تكن له دلالات معلومة من المخزون الثقافي البشري قبل اكتشاف العقد الاجتماعي والمبادئ الحقوقية ثم الديمقراطية المعاصرة، نعم كان لها جذورها الأولى عند الرومان وقبلهم عند اليونان، إلا أن الإسلام ونصوصه لم يأتيا بذكر لهذه الديمقراطيات الأولى بالمرة.
وضم هذا الفريق المتفلسف الحداثي مجموعة لا تملك معها إلا الشعور باحتقار وازدراء حقيقيين، وهم من يطلعون علينا كل يوم بتفسير عصري جديد للقرآن والحديث، مع كل إضافة علمية أو مع أي كشف جديد يريدون تكريس وهم سار مسرى الحقائق بين المسلمين وهو صلاحية مأثورهم للعمل في كل زمان ومكان، بينما ما يفعلونه هو إعادة ترجمة اللفظ القديم وتحميله بثقافة ومعارف زماننا، التي لم تكن موجودة في مخزون المسلمين الثقافي قبل تلك الترجمة. الغريب والمثير للدهشة والقرف معا، هو أنهم مثل الجميع يؤمنون بحقيقة التخلف الذي آلت إليه أمة محمد في قاع العالم، وأنهم مثل الجميع يؤمنون بضرورة إجراء إصلاحات تحديثية لمجتمعنا على كل المستويات، حتى يمكن لبعض أمة محمد أن يلحقوا بآخر قاطرة في قطار الحضارة.
Неизвестная страница