(بسم الله الرحمن الرحيم)
ــ
(بسم الله الرحمن الرحيم)
نحمدك اللهم على ما علمتنا من الأحكام، ونشكرك على ما بينته من الحلال والحرام، ونصلي ونسلم على نبيك محمد المبعوث بأشرف البيان، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والعرفان.
(أما بعد) فيقول الفقير لعفو ربه وكرمه، أسير الذنوب والخطايا، حجازي ابن عبد المطلب العدوي المالكي -غفر الله ذنوبهما- وستر في الدارين عيوبهما: لما كان أول ما يعتني بتحصيله الطالبون، ويصرف فيه نفائس الأعمار الراغبون، علم الفقه العذب الزلال، المتكفل ببيان الحرام من الحلال؛ إذ هو المقصود بعد إفراد المعبود من الإرسال، وقد كثرت فيه التصانيف والدواوين. وكان من أعظم ما صنف فيه مجموعة أستاذنا المدقق العلامة النحرير، سيدي محمد بن محمد الأمير؛ فإنه مع صغر حجمه ووجازة لفظه، جامع لمعظم المسائل وغرر الفوائد، مع مزيد الضبط
ــ
(بسم الله الرحمن الرحيم)
لك الحمد يا رفيع الدرجات، ومنزل الكتاب بالحكام الشرعيات، ونشهد أن لا إله إلا أنت رب الأرض والسماوات، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدك أرسلته رحمة للعالمين، يحرم عليهما الخبائث، ويحل لهم الطيبات. اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وذريته وأحبابه وسلم.
أما بعد: فيقول العبد الفقير محمد بن محمد الأمير -أقال الله عثراته، وصفح عن زلاته: قد ألح جمع من الإخوان بطلب كتابتي على شرح مجموعي، فكان على ضعفي شروعي راجعًا إلى حول الله وقوته راجيًا القبول، وأن أبلغ المأمول من فضله ورحمته، إنه جواد كريم رءوف رحيم حليم ستار عفو غفار.
1 / 13
الأنسب التكلم عليها من الفن.
ــ
والبيان. ولله در القائل:
لاح من نحو شباب ... نثرد وزبرجد
خلته لما بدا لي ... عقد ياقوت منضد
زانه حسن اختصار ... وبالإتقان تقلد
وتحلى بفروع ... كنجوم تتوقد
صاغه صوغ حكيم ... من لجين ثم عسجد
حاكه نسج خليل ... وبالاكمال تفرد
وكاد شرحه لوجازة عبارته، ودقة أشارته، أن تقصر عنه الأفهام، وتحجم عن تعاطيه همم الطلبة الأعلام، وقد يسر الله ببضع ما يتعلق بهما حين تذاكرته مع بعض الإخوان، فجمعته في هذه الأوراق لنفسي، ولمن هو قاصر مثلي، وأرجو أن يكون من العمل المقبول يوم لا ينفع مال ولا بنون.
هذا وأنا قليل البضاعة قليل الاطلاع، قاصر الذهن كثير الخطأ والزلل عديم العرفان والعمل، فرحم الله امرءًا رأى فيه غير الصواب فأصلحه، ودعا لي بالمغفرة والرحمة.
قال حفنا الله وإياه بألطافه: (بسم الله الرحمن الرحيم) اكتفى بها كالحمد والصلاة عن بسملة الشرح مسارعة للمقصود، ولأنهما كالشيء الواحد، وهو وإن أسقطتها خطًا أتى بها لفظًا مع بعض أدعية على ما أخبرنا به.
(قوله: الأنسب)؛ أي: الأولى واللائق. (قوله: من الفن)، أي: فن الفقه، فأل للعهد؛ لأن الأولى لكل شارع في فن أن يتكلم على البسملة من الفن الذي وقعت في ابتدائه إن كانت مندرجة في موضوعه كما هنا؛ فإنها من أفعال المكلف التي
1 / 14
فأصل حكمها الندب في غالب ذوات البال
ــ
هي موضوع الفقه، فإنه العلم الباحث عن أحكام المعبود في أفعال العبيد، وإنما كان الأولى ذلك لما فيه من العمل بمقتضاها والفن والوفاء بحقهما، حتى قيل: التكلم عليها من غير الفن المشروع فيه قصورٌ، إن كان لا يحسن التكلم عليها منه، أو تقصير إن كان يحسنه، وعدل إلى غيره. وقولنا: إن كانت مندرجة في موضوعه للاحتراز عن نحو علم الحساب، والفرائض، والعروض؛ فإن موضوع الأول: العدد، وموضوع الثاني: التركات، وموضوع الثالث: الشعر، وليست البسملة شيئًا من ذلك.
(قوله: فأصل حكمها الندب)؛ أي: الحكم المتأصل لها الثابت لها لذاتها بقطع النطر عن العوارض بدليل ما يأتي الندب: وذلك؛ لأنها من الأذكار وأدنى مراتب الذكر الندب، ويبعد كون المراد بالأصل الغالب، والإضافة في (قوله: حكمها) لأدنى ملابسة، أو فيه مضاف مقدر حذف للعلم به؛ أي: حكم الإتيان بها، فإن لأحكام إنما تتعلق بالأفعال. والفاء فصيحة لإفصاحها عن مقدر؛ أي: إذا أردت بيان ذلك فأقول: أصل حكمها إلخ. ب (قوله: في غالب ذوات البال)؛ أي: في ابتداء أكثر ذوات البال؛ أي: الحال المعتد به شرعًا، وهو ما ورد الأمر بالابتداء بها فيه، أو جرى العمل به عبادة كان؛
ــ
(قوله: في غالب ذوات البال) اقتصار على الأهم المتأكد من الندب؛ تخلصًا لما في بعضه من الخلاف بعد، وتأكده لا يخرج عن حكم الأصل أعني الندب من حيث هو، كما قالوا: الأصل بعد البعثة في المضار الحظر، وظاهر أن كل ما اشتد ضرره اشتد حظره، وهذا لا ينافي أن الحظر من حيث هو أصل المضار، فلا تخالف بين ما هنا وبين زيادتنا في حاشية الزرقاني: ويتأكد في غالب ذوات البال، ولا يرد على ما هنا شيء، وهذا الكلام له التفات لكلام المناطقة في المقول بالتشكيك، وأن حقيقته واحدة وإن تفاوت. واقتصرنا في الرسم على بسملة الأصل؛ لأنا جعلنا الشرح معه كالشيء الواحد؛ إسراعًا بالمقصود مع أنا أتينا بها عند الشروع في الشرح نطقًا مع ما يسره الله تعالى من ذكر.
كما أنا اقتصرنا على الأحكام التكليفية لبعد الوضعية في البسملة، لكن
1 / 15
ولو شعرًا على ما انحط عليه كلام (ح)، وحكى خلافًا قبل عن الشعبي والزهري،
ــ
كالغسل والوضوء والتيمم والتأليف والذكاة والقراءة أو مباحًا كالأكل والشرب والجماع، وغير الغالب ما جرى العمل بعدم ابتدائه بها، كالصلاة، والأذان، والحج فلا يندب ابتداؤها بالبسملة. والفرق بين الصلاة والوضوء اشتمالها على القراءة والذكر دونه، وهي من المقاصد وهو من الوسائل، وطلت في القراءة للتعبد أو للتحصن من الوسوسة فيما يجب في حق التنزل من لإتقان والضبط والتدبر، والخشوع. وتسميته ﵊ مع حفظ قلبه للتشريع وقوله تعالى: ﴿وإما ينزغنك من الشيطان نزغ﴾ الخطاب له والمراد أمته، أو أنه للتحصن من تعرضه له بلا وسوسة، فإنه قد تعرض له في صورة هرة كما في (الشفاء) وظاهره أن الثابت لما في ذوات البال هو الحكم الأصلي فقط، مع أن الثابت فيها ندب خاص أكيد للأمر به بخصوصه فكان الأولى وتتأكد في غالب إلخ، وعلم من هذا أن العموم في قوله ﵊: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم" إلخ مخصوص. وقال: ذوات بالألف والتاء مع أن الوارد التذكير؛ لأن الأمور غير عاقلة تأمل.
(قوله: ولو شعرًا)؛ أي: ولو كان ذو البال شعرًا. (قوله: على ما انحط إلخ)؛ أي: على القول الذي انحط كلام (ح) على ارتضائه. (قوله: وحكى خلافًا قبل إلخ) خلاف بمعنى مخالف؛ أي: وحكى قولًا مخالفًا لما انحط عليه كلامه قبل ذلك، عن الشعبي والزهري، وهو المتبع، فلا يقال: ظاهره أنه حكى خلافًا بين الشعبي، والزهري مع أن الذي يفيده (ح) اتفاقهما على المنع، ومخالفهما سعيد بن جبير، والجمهور، وكأنه ذكر ذلك مع أنه يفهم من قوله: (على ما انحط عليه) كلام (ح)
ــ
أرخينا العنان في الحاشية، فذكرنا عروض السببية في الكفارة مثلًا: إن حلف على تركها، والشرط في الزكاة بتسمُّح؛ لما أن الشرط في الحقيقة مطلق ذكر الله؛ وفي فاتحة الصلاة عند بعض العلماء، على أنها في ذلك من قبيل الركن. والمانع كالسبب في عروضه بواسطة اليمين؛ نحو: إن نطقت بالبسملة فلا أضربك والله، لكنه بعد في الاصطلاح عن حقيقة المانع، نعم من المانع ما يأتي عن الدر
1 / 16
وحمله على غير شعر العلم والوعظ، ويعرض لها الوجوب بخصوصها إذا نذرت، وهل ولو في الفرض وإن كرهت نظرًا لذات الذكر كصوم رابع النحر، وأما الواجب في الذكاة فمطلق اسم الله، وتحرم في المحرمات على الأظهر.
ــ
لبيان الخالف ولإفادة أن (ح) جعل الخلاف لفظيًا بحمل كلامهما على الشعر غير ذي البال (قوله: وحمله)؛ أي: الخلاف (قوله: على غير شعر العلم والوعظ) إذا لا وجه للمنع فيهما لكونهما من ذوات البال، وما ورد من ذم الشعر محمول على غير الجائز. قال المؤلف: ومن جل شعر العلم والوعظ ما مدح به ﷺ.
(قوله: ويعرض لها إلخ) مقابل قوله: فأصل حكمها، وهذا على مشهور المذهب، وقال ابن نافع: بوجوبها لذاتها في التفريضة. (قوله: بخصوصها)؛ أي: بلفظها المخصوص، وأما من حيث اندراجها تحت مطلق ذكرٍ، فالوجوب الذاتي للمطلق دون الخصوص كما يأتي (قوله: إذا نذرت؛ لأن النذر يلزم به ما ندب، والأصل فيها الندب (قوله: وهل ولو في الفرض إلخ)؛ أي: وهل الوجوب بالنذر ولو كان نذرها في صلاة الفرض، وهذا هو الأظهر، ولذلك صرح به وطوى مقابله (قوله: وإن كرهت)؛ أي: وإن كانت مكروهة في صلاة الفرض فلا يمنع الوجوب بالنذر؛ لأنه ليس من حيث ذاتها، وغير متفق عليه. (قوله: نظرًا لذات الذكر) علة للزوم بالنذر وعدم منع الكراهة له؛ أي: وذات الذكر عبادة تلزم بالنذر، وهذا إن لم ينذرها خروجًا من الخلاف، وإلا فلا خلاف في الوجوب بالنذر؛ لأن مراعاة الخلاف مندوبة (قوله: كصوم رابع النحر)؛ أي: فإنه مكروه ويلزم بالنذر نظرًا لذات العبادة كما يأتي. (قوله: وأما الواجب في الذكاة إلخ) دفع لما يقال: ظاهر ما تقدم أنه لا يثبت لها الجوب الذاتي بخصوصها من أنه يأتي أنها تجب في الذكاة، وحاصل الدفع أو الواجب في الذكاة ليس خصوص البسملة بل مطلق ذكر اسم الله التي هي من أفراده، والكلام في خصوصها .. (قوله: وتحرم)؛ أي: عروضًا كما هو السياق؛ ولما مر من أن الحكم الأصلي لها الندب. (قوله: على الأظهر)، وذلك لوجوب صون اسم
ــ
المختار فإنها مانع من حل الشاة فيه، كبعد الصحة والفساد فإنهما إنما عهدا في العقود والعبادات ذوت الشروط والأركان، نعم إن اكتفى بمطلق موافقة الشرع
1 / 17
وفي ابتدءا براءة عند ابن حجر. وقال الرملي بالكراهة، وأما في أثنائها فتكره عند الأول، وتدب عند الثاني، ولا أعلم نصًا لأصحابنا، والظاهر موافقة الرملي فإن
ــ
الله عن الاقتران بخساس الأمور، ولأن الاستعانة أو التبرك به فيها مناف لواجب تعظيمه. (قوله: وفي ابتداء براءة)؛ أي: وتحرم في ابتداء براءة لفظًا وخطًا؛ لأنها نزلت بالقتال والانتقام وذلك ينافي الرحمة، وفي كبير الخرشي أنه يقال: بسم الله والله أكبر، وفي العتبية من سماع أشهب: جواز كتبها في اللوح لمجرد التبرك، ولا يلزم منه قراءتها (قوله: عند ابن حجر)؛ أي: الهيثمي.
ــ
ومخالفته أمكنا فيها. (قوله: وفي ابتداء براءة) لبلاغة القرآن، وذكر الرحمة لا يطابق مقتضى حال سبب النزول قال الشاطبي:
ومهما تصلها أو بدأت براءةً ... لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
ولا نعرف الاقتصار على صدرها في الأداء أعني بسم الله فقط، والقراءة سنة متبعة حتى أنها في مصحف أبي سورة واحدة مع الأنفال، نعم التكبير في السور وارد، وفي (تفسير الخطيب) قال بعض أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه: لعل الله تعالى لما علم أن بعض الناس ينازع في كون البسملة من القرآن أمر ألا تكتب في سورة براءة ليعلم أنها منه؛ لأنها لما لم تكن آية من هذه السورة وجب أن تكون آية في غيرها. هذا ما نقله، وأنا أعجب من هذا القول ومن السكوت عليه بعد نقله؛ فإنه لا وجه للملازمة في الشرطية التي ادعى وجوب تاليها إذ تركها في أول سورة لمقتضٍ صادق كانت آيةً أو فاتحةً تبرك لا علاقة له بأحدهما على الخصوص، فإن أراد أن النفي لما كان دليل النفي كان الثبوت علامة الثبوت ودليله، ففيه أنه لا يلزم من انتفاء العلامة، والدليل انتفاء المعلم والمدلول، بل قد يثبت لعلامة ودليل آخر كسقوطها في الوصل بين السورتين، فلو قال المقابل: لما علم الله أن بعض الناس يخفى عليه كون البسملة فاتحة تبرك للفصل، ويظن أنها من الآيات الأصلية أذن في القراءة بتركها عند الوصل بين السورتين؛ تنبيهًا على أنها فاتحة تبرك فقط كان أظهر مما نقله الخطيب، ومعلوم أن كثيرًا من السبعة يتركها في الوصل بين
1 / 18
الحرمة إنما تظهر على جعلها أول كل سورة من القرآن فكأنه أدخل فيه ما ليس منه وليس ذلك مذهبنا. قال الخادمي في بسملته: إن قال بسم الله إلخ عند شرب الخمر ونحوه يكفر على ما في (الخلاصة) لأن التبرك والاستعانة بذكره لا تتصور إلا فيما فيه إذنه ورضاه، ويؤيده ما في آخر صيد الدر المختار، ورأيت بخط ثقةٍ: سرق شاة
ــ
(قوله: أول كل إلخ) ظرف لجعل، و(قوله: من القرآن) مفعول جعل الثاني (قوله: فكأنه أدخل إلخ)؛ أي: فكان المسمى في أول براءة أدخل في القرآن ما ليس منه وهو لا يجوز، ولعله أتى بالكأنِّيَّة؛ لأنه لا يلزم أنه أدخل في القرآن ما ليس منه، إلا إذا أتى بها على أنها جزء منها، وقد يأتي بها للاستعانة أو التحصن مثلًا.
(قوله: وليس ذلك مذهبنا)؛ أي: ليس ما ذكر من جعلها أول كل سورة من القرآن مذهبنا معاشر المالكية؛ فإن مذهب مالك، وعليه القراء من أهل المدينة، والكوفة، والبصرة، والأوزاعي، وقدماء الحنفية أنها ليست من القرآن في غير النمل؛ فلا يلزم من الإتيان بها أنه أدخل في القرآن ما ليس منه، وإنما كره لأنه مخالف للعمل والوارد (قوله: الخادمي) هو محمد بن سعيد؛ من متأخري الحنفية، تكلم على البسملة من ثمانية علوم (قوله: ونحوه)؛ أي: من الحرام القطعي (قوله: لأن التبرك) على جعل الباء للمصاحة التبركية و(قوله: والاستعانة) على جعلها للاستعانة (قوله: لا تتصور إلا فيما فيه إذنه ورضاه): أي: فيلزم من تسميته عند المحرم اعتقاد أنه تعالى أذن فيه ورضيه، وذلك كفر. (قوله: ويؤيده)؛ أي: ما في الخلاصة (قوله: الدر المختار) من كتب الحنفية (قوله: ورأيت بخط ثقة) بيان لما في آخر صيد الدر
ــ
السورتين، والقراءة سنة متبعة ﴿كلٌ من عند ربنا﴾ ولم يعهد حذف مثل هذه الجملة من القرآن لأحد، نعم مثل حرف أو كلمة. (قوله: فكأنه أدخل فيه إلخ) وجه الكأنية أنه تقرر في ذلك المذهب أن البسملة أول السورة من القرآن؛ فإذا ذكرها أول براءة أوهم أنها على الحكم المعهود المتقرر لها. (قوله: الخادمي) هو: أبو سعيد محمد، كذا في ديباجته بالكنية لأن سعيدًا لقبه، من فضلاء العجم
1 / 19
فذبحها بتسمية فوجد صاحبها هل تؤكل؟ الأصح لا لكفره بتسميته على الحرام القطعي بلا تملك ولا إذن اهـ.
ومذهبنا الأكل؛ وعلة التكفير ممنوعة فإنه المعين على الخير والشر على أن لازم المذهب ليس بمذهب. خصوصًا في مثل كفر المسلم. نعم إن تهاون أو استحل بل القول بالكراهة وجيه. فإن القاعدة: الحسنات يذهبن السيئات لا العكس.
ــ
(قوله: فوجد صاحبها) الظاهر أنه نص على المتوهم.
(قوله: الأصح لا)؛ أي: لا تؤكل) (قوله: لكفره إلخ)؛ أي: والمرتد لا تؤكل ذبيحته (قوله: بل تملك إلخ) بيان لكونه حرامًا قطعيًا (قوله: ومذهبنا الأكل)؛ لأنا لا نكفره بالتسمية على الحرام القطعي، وإنما غايته الفسق، والفاسق تؤكل ذبيحته (قوله: وعلة التكفير مم)؛ أي: ممنوعة (قوله: فإنه المعين على الخير والشر)؛ أي: في الواقع، وإن كان لا يجوز أن ينسب إليه الإعانة على الشر لمخالفته لظاهر الشرع، وإذا كان هو المعين على الخير، والشر في الواقع فلا يلزم من الاستعانة، أو التبرك به اعتقاد أنه أذنه ورضيه، وإذا لم يلزم ذلك لم يلزم الكفر. (قوله: على أن لازم المذهب إلخ)؛ أي: على أنا لو سلمنا أن الاستعانة والتبرك به لا تتصور إلا فيما هو إذنه ورضاه فهو أمر لم يقصده، وإنما هو لازم لما فعله، ولازم المذهب ليس بمذهب إذا لم يكن اللزوم بينًا كما هنا. (قوله: خصوصًا في مثل إلخ)؛ أي: أخص ما ذكر من كون لازم المذهب ليس بمذهب في مثل كفر المسلم خصوصًا، فإن كفر المسلم لا يقدم عليه إلا إذا لم يحتمل عدمه بوجه (قوله: نعم إن تهاون إلخ)؛ أي: نعم يظهر القول بتكفيره إن كان متهاونًا بتسميته عند المحرم أو مستحلًا له، وقد نقل ابن حجر الهيثمي في كتابه: (الإعلام بقواطع الإسلام) التكفير عن الحنفية مقيدًا بالاستخفاف فانظره. (قوله: بل القول بالكراهة إلخ)؛ أي: كراهة التسمية عند المحرم كما للقرافي في (الفروق) ورجحه (شب) في الوضوء؛ وتبعه شيخنا العدوي في حاشية الخرشي. (قوله: وجيه)؛ أي: له وجه. (قوله: الحسنات يذهبن السيئات)؛ أي: يكفرنها (قوله: لا العكس)؛ أي: إذهاب الحسنات بالسيئات، وإذا لم تذهب الحسنة لم
ــ
المتأخرين، والخادم: بلدة (قوله: فإن القاعدة إلخ) يعني: الغالب قوة ناموس الحسنة
1 / 20
وإن كان التحريم أوجه كما قلنا لما ورد أن الله يذكر عبده بمثل ما ذكره، وحال التحريم يماثله منه العقاب جزاءً وفاقًا، وأما الإباحة فتبعد وإن ادعاها الخادمي في نحو القيام والقعود إذ هي في ذاتها ذكر.
ــ
تثبت الحرمة؛ فإنها لا تجامعها، بخلاف الكراهة كما في صوم النحر (قوله: وإن كان التحريم أوجه) إن وصلية، والواو للحال، أو شرطية، والجواب محذوف؛ أي: فلا يقدح في وجاهة الكراهية (قوله: كما قلنا)؛ أي: في قوله على الأظهر، وعليه فقاعدة إذهاب الحسنات لسيئات لا العكس أغلبية؛ فإن بعض السيئات يذهب الحسنات كالرياء والعجب على ما يأتي، نعم يخف الأمر في الحرام العارض كوطء الحيض (قوله: يذكره عبده إلخ)؛ أي: يجازيه ويعامله بمثل الحال الذي ذكره عليه، ففي بعض الآثار: "يا داود. قل للظالمين لا يذكروني؛ فإنهم إن ذكروني ذكرتهم، وإن ذكرتهم مقتهم". (قوله: وأما الإباحة إلخ) مقابل لمحذوف؛ أي: أما الندب، والوجوب، والتحريم، والكراهة فقد علمتها، وأما الإباحة؛ أي: استواء الطرفين إلخ (قوله: من نحو القيام إلخ)؛ أي: مما ليس معتبرًا شرعًا من المباحات (قوله: إذ هي في ذاتها ذكر)؛ أي: وأقل مرتبه الندب وهو مطلوب الفعل، والمباح غير مطلوب الفعل فلا يفارقها الندب العام، وإن انتفى الندب الخاص، وقد يقال: المراد الإباحة من حيث
ــ
على السيئة، بدليل كثرة الكفارات من الطاعات للذنوب؛ ولذا كانت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة، وناهيك بحديث بطاقة التوحيد، حيث ترجح في الميزان على سجلات كثيرة، والبسملة حسنة لأنها في ذاتها ذكر فلا يتسلط عليها ناموس السيئة حتى تنحط لرتبة التحريم، قصارى الأمر الكراهة للمجاورة، وقد رجح الكراهة شيخنا في حاشية الخرشي في مبحث تسمية الوضوء، تبعًا للشبرخيتي وغيره، ولم نتبعه لما علمت من قول بعضهم بالكفر، نعم ربما خف الأمر في الحرام العارض كالوطء في الحيض. (قوله: بمثل ما ذكره إلخ) فحال التحريم إعراض عن رض الله وملابسة لما يكرهه، والعقاب إبعاد للعبد وإيصال ما يكرهه إليه.
وقد روي "يا داود قل للظالمين لا يذكروني؛ فإنهم إن ذكروني ذكرتهم، وإذا
1 / 21
وتعارض مقتضيين بعيد. وقول المختصر: وجازت كتعوذ بنفل، الظاهر أنه أراد عدم الكراهة وعدم الندب الخاص.
ــ
الإتيان بها في هذا المحل؛ لأنها إنما ندب الإتيان بها فيما هو معظم شرعًا، وإن كانت في ذاتها ذكرًا؛ فإن الذكر قد يكره في غير محله وإن لم يكن فيه ما ينافي التعظيم كما في التلبية في غير الحج؛ فتأمل.
(قوله: وتعارض مقتضيين إلخ) جواب عما يقال: إن الإباحة ظاهرة إذا تعارض مقتضى الندب وعدمه؛ لأنهما بتساقطهما يرجع الأمر للإباحة، وذلك كما في الوضوء بالماء المغصوب؛ فإن عبادة الوضوء تقتضي ندب التسمية، ومعصية الغصب تقتضي كراهته، فتعارضا فتساقطا ويرجع الأمر للإباحة. ويحتمل أنه دفع لما يقال: إن نحو القيام والقعود تعارض فيه مقتضى الندب والكراهة لعدم اعتبارها شرعًا؛ فيتساقطان ويرجع الأمر للإباحة، فلا تكون بعيدة (قوله: بعيد) لما علمت أنها في ذاتها ذكر وفيه ما تقدم، وهذا إن لم يقصد التحصن، وإلا فهي مندوبة لرجوعه للأمر ذي البال (قوله: الظاهر أنه أراد عدم الكراهة إلخ)؛ أي: من حيث خصوص المحل بدليل قوله: وكرهًا بغرض، وهذا لا ينافي ثبوت الندب العام، وهو نقيض الإباحة
ــ
ذكرتهم مقتهم" (قوله: وتعارض مقتضيين بعيد) يعني أن كونها ذكرًا يقتضي الأمر، وصون الاسم عن اقترانه بالمحقر يقتضي النهي، فيرجع لاستواء الطرفين، ووجه البعد أن الأصل أقوى فأراد بعد العمل بالتعارض في التساقط، نعم إن حمل الخادمي على ما حمل عليه المختصر والشاطبي، لكن كلامه في الإباحة التي هي أحد الأحكام الخمسة أعني استواء الطرفين، والقول بأن ذلك باعتبار خصوص المحل لا يجدي، فإن كل مندوب تخصيصه ببعض الأزمنة أو الأمكنة أو الأحوال المباحة دون بعضها مباح، ولا يخرجه ذلك عن كونه مندوبًا، والأصح أن يقال: التسمية حال الوضوء من هذا الماء بخصوصه مباحة من حيث تخصيصه عن الماء الآخر؛ فإن الحكم الأصلي في البسملة عام كما عرفت، وأما كراهة ذكر في غير محله، فذلك لخصوصية قصرته على محله، ككون التلبية شعار الحج وعدم ورودها في غير؛ فليتأمل.
1 / 22
ومثله قول الشاطبي:
ولا بد منها في ابتدائك سورةً ... سواها وفي الإجزاء خير من تلا
وأراد بلابد تحتم الرواية، وينبغي لمن أتى بها عند محقر أن يقصد التحصن والتبرك لنفسه صونًا لاقتران اسمه تعالى بالمحقرات كما في الخادمي.
(تنبيهات) الأول: يسوغ القول باشتقاق الرحمن الرحيم من الرحمة ولا يغتر بما في (ح) من أن شرط المشتق أن يكون مسبوقًا بالمشتق منه، وأسماء الله تعالى قديمة فإن ألفاظ الأسماء حادثة قطعًا، وقد بسطنا ذلك في حواشي الجوهرة.
ــ
(قوله: ومثله قول الشاطبي إلخ)؛ أي: مثل ما قاله المختصر قول الشاطبي في أنه لم يرد بالتخيير الإباحة واستواء الطرفين، بل عدم التحريم أو الكراهة، وعدم تحتم الرواية، فلا ينافي ثبوت أصل الندب لها؛ لأنها ذكر.
قوله: ولا بد منها): أي: من البسملة (قوله: وأراد بلا بد تحتم الرواية)؛ أي: لا الوجوب الشرعي؛ لما تقدم أن الحكم الذاتي لها الندب؛ وأن الوجوب لا يثبت لها إلا عروضًا (قوله: أن يقصد التحصن)؛ أي: ليرجع للأمر ذي البال، ولا ينظر لمثل هذا في المحرم لشدة النهي. (قوله: باشتقاق الرحمن إلخ)؛ أي: اشتقاقًا صغيرًا، وهو: المراد عند الإطلاق، وهو: أن يشترك اللفظان المتناسبان في الحروف الأصول والترتيب، وأما الكبير فهو الاشتراك فيها من غير ترتيب مع اتحاد المعنى أو تناسبه كالحمد والمدح، والأكبر اشتراكهما في أكثر الحروف الأصول فقد مع ما ذكر، كالفلق، والفلج هنا الشق وزنًا ومعنًى (قوله: وأسماء الله قديمة)؛ أي: لم يسبقها شيء، فلا يصح القول باشتقاقها، وإنما يقال فيهما معنى الرحمة. (قوله: فإن ألفاظ الأسماء حادثة) فإن الأسماء مركبة من الحروف، وهي حادثة. أي: والاشتقاق في الألفاظ، وقدم الأسماء. قيل: إنه باعتبار المدلول، وقيل: باعتبار الكلام القديم. وقيل: بمعنى أن الله خلقها من غير مدخل فيه لأحد من خلقه، ومحل بسط ذلك كتب الكلام.
ــ
(قوله: وينبغي إلخ) فإذا أتى بها عند امتخاطه مثلًا فلا يقدر المتعلق: أمتخط، بل بسم الله أتحصن من ضرر هذا الفعل، أو أستنزل البركة عليَّ، فيرجع لذوات
1 / 23
الثاني: تفسير الرحمة بالإنعام أو إرادته مجازًا لغوي على الأظهر المشهور وإن صار حقيقة عرفية شرعية. ولا عبرة بما نقله (ح) في التشنيع على الزمخشري في ذلك وأنه من الاعتزال.
الثالث: المبالغة في أسماء الله تعالى حقيقة وهي لغوية نحوية
ــ
(قوله: بالإنعام أو إرادته)؛ أي: على أنها صفة فعل أو صفة ذات؛ لاستحالة معناها الحقيقي، وهو رقة في القلب تقتضي التفضل، ولإحسان في حقه تعالى؛ لأنه من الأعراض النفسية. وقد قال الرازي: كل وصف ستحال على الله باعتبار مبدئه أطلق عليه باعتبار غايته.
(قوله: مجاز لغوي)؛ أي: مرسل من إطلاق السبب على مسببه القريب أو البعيد، فإن الإنعام أو إرادته يتسبب عن الرحمة بحسب الشأن، أو استعارة بأن شبه الإنعام، أو إرادته بالرقة بجامع حصول النفع مع كل (قوله: على الأظهر)؛ أي: خلافًا لمن قال: إنه حقيقة.
(قوله: وإن صار حقيقة عرفية إلخ) بناء على إثبات الحقائق الشرعية. وقد خالف فيه بعض الأصوليين (قوله: ولا عبرة إلخ) لأن الزمخشري لم ينفرد بذلك، بل قاله غيره من أئمة أهل السنة، وأنهم إنما أولوها بذلك لدليل، وهو استحالة المعنى الحقيقي عليه تعالى فلا وجه لربطه بالاعتزال. (قوله: وإنه من الاعتزال)؛ أي: في إنكار الصفات الذاتية، وردها إلى صفات الأفعال. (قوله: المبالغة في أسماء الله تعالى إلخ)؛ أي: كما في رحمن رحيم، فإنهما يفيدان المبالغة بلفظهما، وإن لم يكونا من صيغ المبالغة. (قوله: وهي لغوية نحوية)؛ أي: لا بيانية، وهي أن يدعى لشيء وصف مستحيل، أو مستبعدٌ للدلالة على كمال النهاية فيه، كما في قول امرئ القيس:
ــ
البال، وعلى الأخير من يتخذها وردًا (قوله: وأنه من الاعتزال) كأن شبهة التشنيع مثارها أنا إذا فسرنا الرحمة بالإرادة كانت صفة ذاتية حقيقية وجودية، ومذهب الاعتزال إنكارها وردها إلى النسب والإضافات، وهي ليست صفات حقيقية زائدة
1 / 24
معناها: الكثرة في نفس صفات الأفعال كوهاب وتعلقات الذاتية خلافًا لما في (ح) عن الدماميني من أنها مجاز مجردة عن معنى المبالغة.
الرابع: الحق أن اشتقاق الاسم من السمة أو السمو لا تعلق له بقدم أسمائه تعالى ولا حدوثها ولا يظهر ما في (شب) من الحدوث على السمة وجعله فائدة الخلاف.
ــ
فعادى عداءً بين ثورٍ ونعجةٍ ... دراكًا فلم ينضح بماء فيغسل
وقول الآخر:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق
(قوله: معناها الكثرة)؛ أي: في الكم، أو في الكيف. (قوله: في نفس صفات الأفعال) بناء على قول الأشعري بحدوثها، وعلى قول الماتريدي بقدمها، وأنها ترجع لصفة التكوين، فالكثرة باعتبار التعلقات. (قوله: من أنها مجاز إلخ) بناه على أن المبالغة: إعطاء الشيء أكثر مما يستحقه، وليس في قدرة أحد أن يعطيه سبحانه ما يستحقه، فضلًا عن الأكثر، وليس هذا اصطلاح النحاة في معنى المبالغة: قال البليدي: على أن هذا تلفيق من اصطلاح النحاة وأهل البديع في معنى المبالغة (قوله: مجردة عن معنى المبالغة) بيان لكونها مجازًا، أي: فقد استعمل اللفظ في بعض معناه. (قوله: من السمة)؛ أي: من فعلها، فإن هذا مذهب الكوفيين، والاشتقاق عندهم من الأفعال. (قوله: لا تعلق به إلخ)؛ لأن الاشتقاق من عوارض الألفاظ، والعلامة تكون قديمة وحادثة.
ــ
الوجود على الذات، لكن هذا غير الحقيقة والمجاز اللغويين (قوله: مجردة عن معنى المبالغة) سرى له معنى المبالغة البيانية؛ أي: البديعية؛ لأنهم قد يطلقون البيان على ما يشمل البديع، وهي عطاء الشيء أكثر مما يستحق وهذا في حق الله تعالى محال؛ إذ لا يمكن القيام بحقه فضلًا عن الأكثر. (قوله: وجعله فائدة الخلاف) فيقال: قد تكون السمة قديمة فإنها الصفة الخاصة، كما أن السمو قد يكون حادثًا، نعم إذا جعل ذلك مجرد مناسبة، يعني أن الشأن أن السمة إنما يحتاج لها وتوجد عند التعدد والالتباس، وكان الله في الأزل ولا شيء معه، حتى تكون العلامة، وأما السمو والعلو المعنوي فثابت له أزلًا بأسمائه القديمة من كلامه
1 / 25
(نحمدك الله والحمد)؛ أي: حمدنا لأنك الخالق أو اللائق.
ــ
(قوله: نحمدك اللهم)؛ أي: نصفك، ونثني عليك يا الله بجميل صفاتك؛ فإن الحمد لغةً، الثناء بالجميل، وكل من صفاته تعالى جميل؛ فيتعين إرادة جميعها على سبيل الإجمال؛ لأن تخصيص البعض دون البعض تحكم؛ ولأنه أليق بمقام الشيء المراد به التعظيم؛ وعدم وجود آلة العموم لا تنفيه؛ فإن الآلة معينة له فقد، ألا ترى النكرة في سياق الإثبات، والنون إن كانت للعظمة؛ فالمقصود الدلالة على لازمها وهو تعظيم الله له بتأهيله للعلم تحدثًا بنعمة الله عليه، وإن كانت للمتكلم مع غيره فالغير إما آلات الحمد، أو إخوانه من المؤمنين أو العلماء، أدرج نفسه في عداهم تواضعًا، ورجاءً للقبول، للإشارة إلى أنا لثناء على ملك الملوك أمر عظيم لا يقدر على القيام به، واختار الخطاب للتلذذ بخطاب الله تعالى، والتنبيه على القرب، فإن اللائق بحال الحامد أنت يلاحظ المحمود أولًا حاضرًا ومشاهدًا؛ لأنه أعون على الإخلاص إشارة إلى مقام الإحسان، وعدل عن الاسمية مع أنها الشائعة في الحمد، وإن كانت في الأصل خبرًا؛ لأنها تدل على جميع الصفات التزامًا، وما ذكره يدل عليه مطابقةً.
وفي (ح) أن البداءة بالحمد مندوبة (قوله: أي حمدنا) بنًاء على أن (أل) عوض عن المضاف إليه أو للعهد الذكرى (قوله: لأنك الخالق) فإن أفعال العباد مخلوقة له؛ فلا حامد في الحقيقة غيره، فهو الحامد، وهو المحمود (قوله: أو اللائق)؛ أي: بناء على أن (أل) للعهد والكمال؛ أي: الحمد الكامل اللائق به ﷾ منه إليه، فإن الثناء على قدر المعرفة، وكمالاته لا نهاية لها، ولا يعلمها غيره، فلا يمكن أن يثني عليه أحد حق ثنائه غيره؛ ولذلك قال سيد الحامدين: "لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" قال الشاذلي: بل أنت أجل من أن يثنى عليك.
وعلى هذا فهو اعتذار من المصنف عن التقصير في الحمد، ودفع لتوهم أنه قام بحق الثناء.
ــ
القديم، وقد تعرضنا لبسط ذلك في حواشي الجوهرة لكن لا تصل هذه الإشارة إلى أن تكون مبنى الخلاف وثمرته (قوله: أي: حمدنا إلخ) الأول: تبرؤ من الحول
1 / 26
أو هو حمد ثان (منك إليك) في (ح) صيغ في أفضل المحامد يأتي بها من حلف ليحمدن الله بأفضل المحامد وقد يقال: الظاهر حنثه فإن الأفضل في البلاغة لا يضبط
ــ
(قوله: أو هو حمدٌ ثانٍ) أي: أنه ثناء بالجملة الاسمية بأن الحمد منه وإليه على أن الجملة للإنشاء معنًى، أو على أن الإخبار بالثناء ثناء (قوله: منك إليك) أي منك صدوره، وإليك انتهاؤه (قوله: صيغ في أفضل المحامد) هي الحمد لله بجميع محامده كلها، ما علمت منها، وما لم أعلم، على جميع نعمه كلها، ما علمت منها وما لم أعلم؛ أو اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أو الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. (قوله: يأتي بها من حلف إلخ) وأما من حلف ليصلين على النبي ﷺ بأفضل الصلوات فقيل: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كلما ذكره الذاكرون، وكلما سها عن ذكره الغافلون، وقيل: الصيغة التي علمها النبي ﷺ لأصحابه.
وقال المصنف في شرح البسملة: الظاهر صلاة ابن مشيش؛ لأن من جملة ما فيها: صلاة تليق بك منك إليه، وهدية عظيم كريم لعظيم منه له بلا واسطة، أعظم ما يكون ما فيها من المحاسن المشهورة. ومثله ذكره ابن ذكرى في شرحها. (قوله: لا يُضبط بحد) فإن البلاغة لا تضبط، والإنسان لا يضبط أحوال نفسه. (قوله: وفي
ــ
والقوة، واعتراف بالوحدانية في التأثير، والثاني: اعتراف بالعجز عن اللائق ولو نظر لظاهر الكسب، والثالث: على أنه استئناف ثناء عليه بثنائه على نفسه من غير اعتبار واحد منهما. في (ح) تبعًا للسنوسي: وجوب الحمد في العمر مرة كالشهادتين والحج، وتوقف الزرقاني على العزية في العقاب عليه، ومال إلى أن معنى وجوبه أن يثاب عليه ثواب الواجب، استنادًا لكلام شيخ الإسلام زكريا، ورد على الفيشي في العقاب، وقد تغالى بعضهم حتى قال: يحتاج كل مكلف إلى نية الفرضية بمرة بعد بلوغه يخرج بها من العهدة. والأظهر قول اللقاني على الجوهرة: لا دليل على توقفه على نية بل هو من قبيل أداء الديون.
(قوله لا يضبط) ولو بالنسبة لحال الشخص نفسه؛ فإن حاله يختلف في
1 / 27
بحد وفي الثواب مغيب في الحقيقة.
(ونصلي ونسلم على نبيك محمد خير من دعا لك وفقه) بشد القاف
ــ
الثواب مغيب) فإنه لا اطلاع لنا عليه، وقد يثيب المولى على القليل كثيرًا، ولا يلزم من ورود شيء نفي زائد عليه في الواقع إن قلت: يعتبر الظاهر قلنا: الأيمان إنما تبنى على الواقع كما يأتي. (قوله: ونصلي إلخ)؛ أي: نطلب منك أن تنعم عليه بما يليق بكرمك وكماله. وشرعت الصلاة في السنة الخامسة من الهجرة، ولا يشكل على ذلك تقدم الصلاة في حديث الإسراء، وعند قدومه المدينة؛ لاحتمال الاستعمال قبل ورود الأمر، ذكره البليدي (قوله: على نبيك) عبر به دون رسولك مع أن وصف الرسالة أفضل خلافًا لعز الدين بن عبد السلام؛ لموافقة الآية؛ ولأنه أكثر استعمالًا.
ولفظه بالهمز من النبأ وهو الخبر، لأنه مخبر عن الله ومن الله، وبلا همز وهو الأكثر. قيل: إنه مخفف المهموز بقلب همزته ياء، وقيل: أصلٌ برأسه من النبوة بفتح النون وسكون الباء أي: الرفعة؛ لأن الله رافع رتبته، وهو رافع رتبة من اتبعه (قوله: محمد) علم منقول من اسم مفعول المضعف، سمي به نبينا لكثرة محامده والحامدين له (قوله: خير من دعى لك) أي: لتوحيدك، والإقرار بك، أي: أفضلهم بتفضيل الله لا لما فيه من المزايا التي لم توجد في غيره على ما قاله السنوسي وغيره، لأن أفعال الله لا تعلل، وله أن يفضل من شاء بما شاء؛ ولما فيه من عدم إساءة الأدب في نسبة النقص لغيره بطريق المفهوم، وإن كانت لا بد منه في الواقع، وهذا محمل حديث الصحيحين: "لا تفضلوا بين الأنبياء" وأصل خير أخير: أفعل تفضيل، نقلت حركة الياء إلى الساكن قبلها؛ وحذفت الألف تخفيفًا. وإذا كان خير الداعين فهو خير المدعوين بالأولى (قوله: وفقه) أي: فهم؛ فإن الفقه في اللغة: الفهم (قوله
ــ
الأوقات كثيرًا، فقد يظن أن الأبلغ كذا ثم يظهر خلافه، ومثله: حلفه ليصلين على النبي ﷺ بأفضل صيغة (قوله: ونصلي) واجبة في العمر مرة، وقيل: كلما ذكر. قال أبو إسحاق الشاطبي: إنها من الأعمال المقطوع بقبولها، لا يبطلها رياء ولا غيره
1 / 28
(أحكامك) براعة استهلال (ودل عليك) دلالة العرفان والأسرار، وقوله أولًا: دعا إشارة لدعاية الإسلام العامة فهو ترقٍ. و(على آله وأصحابه أفضل من وعى) فيه مع دعا السابق جناس لاحق.
ــ
أحكامك) جمع حكم، وهو: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، وتفقيهها بتبليغها وبيان معانيها (فوله: براعة استهلال)؛ أي: أن قوله: فقه أحكامك فيه براعة استهلال، وهي أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يشعر بمقصوده، ولا شك أن ذلك يشعر بأن مقصوده التأليف في الفقه (قوله: دلالة العرفان)؛ أي: المعرفة (قوله: وقوله: أولًا دعا إلخ)؛ أي: وما بعده إشارة للدعاية الخاصة (قوله لدعاية الإسلام العامة)؛ أي: الشاملة لجميع المكلفين، وهو: التوحيد (قوله: فهو ترق) من الدعاية إلى التوحيد إلى العبادة، ثم إلى الأسرار والمعارف، وكلٌّ ثمرة ما قبله (قوله: وعلى آله)؛ أي: أتابعه من المؤمنين، وإن عصاة، فإن مقام الصلاة مقام دعاء، والأولى فيه التعميم، وخصه (عياض) بالأتقياء كأنه لما في الصلاة من الإشعار بالتعظيم لكونها شعار الأنبياء، والتبعية لا تخرجها عن إفادة التعظيم بالمرة. ويأتي بيان الآل في مقام الزكاة (قوله: وأصحابه) جمع صحب بالسكون؛ كبغل، وأبغال، وقرء، وأقراء على ما في (التوضيح)، أو صاحب بناء على ما نقل عن سيبويه من جمع فاعل على أفعال كجاهل وأجهال.
وارتضاه الرضي، والزمخشري وغيرهما، أو صحب بكسر ثانيه مخفف صاحب والصحابي: من اجتمع به ﷺ مؤمنًا وإن لم يطل الاجتماع، أو يكن الاجتماع متعارفًا على أحد القولين (قوله: وعى)؛ أي: حفظ (قوله: جناس لاحق)
ــ
واستشكله السنوسي بأن مقتضاه أن يقطع للمصلي بحسن الختام، بناء على أن القبول يستلزم الثواب في الجنة. وأجيب بأنه قبول مقيد بحسن الختام، أي: إذا مات مسلمًا لم ترد بخلاف بقية الأعمال فقد وقد، وبأنه يكفي في القبول النفع ولو بتخفيف العذاب، كقصة أبي لهب بعتق جاريته ثويبة لما بشرته بولادته ﷺ وأرضعته، وبأن القبول للدعاء له ﷺ فيصلي الله عليه، ولا محالة إذا طلبت ذلك ومن حيث الإثابة كغيرها (قوله دلالة العرفان) كقوله ﷺ: "الإحسان أن تعبد الله
1 / 29
(عنه وناداه إذ أداه) ولون بواسطة فشمل غير الصحابة. (لبيك) معمول نادى، وفيه تلميح لحديث: "خيركم قرني" ونحوه (وبه نضرع إليك يا ربنا في)
ــ
لاختلافهما بحرفين متباعدي المخرج (قوله: وناداه): أي: ﷺ؛ أي: أجابه (وقوله: إذ أداه) ظرف لناداه؛ أي: وقت تأدية النبي ﷺ الحكم وتبليغه، فالضمير البارز له ﷺ، والمستتر للحكم (قوله: ولو بواسطة) مبالغة في قوله: وعى عنه .. إلخ. وإنما احتاج لذلك؛ لأن القصد تفضيل الصحابة على غيرهم، والغير لم يحفظ عنه مباشرة، فلو قصر على من وعى عنه بدون واسطة كان قاصرًا عليهم، ولم يكن ثم من يفضل عليه تأمل (قوله: لبيك) كناية عن المسارعة للامتثال (قوله: تلميح إلخ) التلميح: الإشارة إلى شيء من كلام الله، أو كلام رسوله ﷺ، أو قصة، أو مثل من كلام العرب (قوله: ونحوه) كحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وحديث "نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فأداها كما سمعها" وحديث "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" وحديث "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وفي رواية "سيد النبيين" (قوله: وبه نضرع إليك)؛ أي: ندعو بخضوع وذلة متوسلين به إليك، وتقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر، فإنه أعظم الوسائل والوسائط، وصاحب الشفاعة العظمى. وهذا مما لا ينبغي التوقف فيه، وقد توسل به آدم قبل وجوده وذهب عز الدين بن عبد السلام إلى أن هذا قاصر عليه ﷺ، وما ابن عرفة إلى خلافه محتجًا بقول عمر ﵁: "اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك"، ولم يخالف في هذا أحد إلا ابن تيمية فإنه ذهب إلى ما صار بهم ثلة بين أهل الإسلام،
ــ
كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فإن هذا من جوامع كلمه ﷺ في التسليك في طريق الحقيقة، وكثير من أحاديثه القدسية التي يرويها عن حضرة ربه العلية كقوله: "يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر" أي: خالق جميع ما فيه فعلام يسبه؟ وأذواق الصوفية كلها في الإشارات النبوية، ولذلك قال: "إنما أنا قاسم والله معطي" (قوله ولو بواسطة إلخ)؛ أي: فتحقق كون (أفعل التفضيل) بعض ما يضاف إليه (قوله ونحوه) كحديث "الله الله في أصحابي، فلو أنفق أحدكم جبلًا لم يساو مد أحدهم ولا نصيفه" وإيضاحه أن الدال على الخير كفاعله، وهم الذين نقلوا هديه؛ فلهم
1 / 30
إصلاح شأن (حياتنا ومماتنا)؛ أي: حال الموت (وقبورنا ونشورنا وعرضنا بين يديك) وبعد: فيقول عبد مولاه.
(محمد بن محمد الأمير) سبب تلقيبنا به أن جدي الأقرب أحمد ووالده
ــ
وخرج به عن الطريق القويم من منع التوسل به ﵇، وهو قول المبتدعة، وقد بسط الكلام في هذه المسألة الفاسي في شرح مختصر حصن الحصين (قوله: إصلاح .. إلخ) إنما قدر ذلك؛ لأن الحياة نفسها حاصلة لا تتغير فلا معنى للضراعة فيها (قوله: أي حال الموت لا بعده) فلا يتكرر مع ما بعده ولا في الموت نفسه (قوله: ونشورنا)؛ أي: خروجنا من القبور (قوله: بين يديك)؛ أي: في حضرتك (قوله: وبعد) الكلام فيها شهير (قوله: فيقول) الفاء إما لنيابة الواو عن أما أو لتوهمها أو تقديرها في الكلام على أن الواو عاطفة أو استئنافية، والظاهر: أن المراد القول بالكتابة، فإن القلم أحد اللسانين أو بالكلام النفسي، لأن إثبات الشيء في التأليف لا يكون إلا بعد تخيله واستحضاره وإجرائه على القلب بألفاظ مختلفة، فإن تعقل المعاني الصرفة صعب جدًا كما يشهد به الوجدان، وإرادة القول اللفظي تتوقف على أن المصنف تلفظ بكل جملة وضعها ودون خرط القتاد.
(قوله: عبد مولاه) من العبودية وهي: إظهار التذلل والخضوع، لا من العبادة التي هي غايته لما فيه من شائبة تزكية النفس (قوله: محمد بن محمد الأمير) العالم العلامة ذو التصانيف العديدة والتآليف المفيدة كهذا المجموع وشرحه، وشرح مختصر الشيخ خليل وحاشية مغني ابن هشام، وحاشية الشيخ عبد الباقي على مختصر الشيخ خليل، وعلى العزية، وحاشية على شرح الشيخ عبد السلام لجوهرة والده الشيخ إبراهيم اللقاني في التوحيد، وحاشية على شرح ابن هشام لشذوره، وحاشية على شرح الشنشوري على الرحبية في الفرائض، وحاشية على شرح ابن تركي على العشماوية، وحاشية على المعراج، وحاشية على شرح الملوى على
ــ
ثواب من عمل به، ويزيدون ثواب السبق، والمباشرة، وأعمالهم وما حصل لهم من بركات صحبته (قوله في إصلاح شأن حياتنا)؛ أي: أن هذا هو المراد ليظهر المعنى في جميع المعاطيف لا أنها ظرف للتضرع فإنه واقع الآن (قوله: بين يديك)؛ أي: في
1 / 31
عبد القادر كانا ذوي إمارة حكم في بلاد الصعيد، أخبرني أهلي أن أصلهم من المغرب، ونزلوا بمصر عند سيدي عبد الوهاب أبي التخصيص الوفائي، ورأيت ذلك في وثائق قديمة لنا، وأخبرني بنحوه شيخ السادات، ثم التزموا ببلاد منها: سنبو وبها ولدت يوم الأربعاء من ذي الحجة سنة أربع وخمسين ومائة وألف على ما أخبرني به الوالدان، وارتحلنا إلى مصر المعزية وأنا ابن تسع وقد ختمت القرآن، ثم اشتغلت في الأزهر ونسأل الله اللطف (المالكي عفا الله عنه لما كان مختصر مولانا الأستاذ أبي محمد ضياء الدين خليل بن إسحاق بن موسى) هذا هو الصواب كما في (ح) وغيره وقد وهموا ابن غازي في إبدال موسى بيعقوب، في (شب) وغيره أنه مكث في تأليف المختصر نيفًا، وعشرين سنة، ولخصه في حياته إلى النكاح وباقيه وجد في أوراق مسودة فجمعه أصحابه، وفي (ح) أن له شرحًا على بعضه قال: وذكر بعضهم أنه شرح ألفية ابن مالك ولم أقف عليه: قالوا مكث عشرين سنة بمصر لم ير النيل لاشتغاله بما يعنى، وكان يلبس لبس الجند المتقشفين ﵁
ــ
السمرقندية، وحاشية على شرح الأزهرية، ومطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين، وإتحاف الإنس في العلمين واسم الجنس، وغير ذلك.
(قوله: عبد القادر) هو ابن عبد العزيز بن محمد كما رأيته بخط المصنف (قوله: عفى الله عنه)؛ أي: تجاوز وصفح (قوله: ضياء الدين) قد شدد ابن الحاج في المدخل في منع مثل هذا اللقب؛ لأن الدين يكمل غيره ولا يتكمل به، ورده شهاب الدين أفندي الخفاجي في (الريحانة) وصوب أنه جائز فإنه يضيء الدين بتقرير أحكامه وتبيينها فانظره (قوله: ولخصه في حياته إلخ) هذا ما نقله ابن مرزوق عن الإسحاقي تلميذ الشيخ خليل، ورده (عج) بأنه رأى نسخًة بخطه ونسخة بخط ابن فرحون ذكر أنها من نسخة بخطه، وكان ابن فرحون عصريه واجتمع
ــ
حضرتك الخاصة، مع تنزهه ﷾ عن الجهة والمكان، فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (قوله: عبد القادر) هو ابن عبد العزيز بن محمد (قوله: شرحًا على بعضه) انظر هل هذا كقول بعضهم: رأيت نسخة بخطه ينافي
1 / 32