Darsat fi alsirah
دراسة في السيرة
Издатель
دار النفائس
Номер издания
الثانية
Год публикации
١٤٢٥ هـ
Место издания
بيروت
Жанры
الفصل الثاني الدعوة في عصرها المكي
[١]
أخذت خلوات الرسول ﷺ وانعزاله عن مجرى الحياة المكية الصاحب تزداد وتتسع وهو يقترب من الأربعين حيث أعده الله سبحانه لأول لقاء مع وحيه الأمين من أجل تكليفه مسؤولية النبوة وإخراج الناس- بها- من ظلمات الجاهلية ودنسها إلى نور الإسلام ونقائه. فكان يغادر مكة بين الحين والحين، مجتازا أسوارها الجبلية، منقلا خطواته الثابتة الواسعة عبر رمال الصحراء المترامية حتى تحجب عنه البيوت والأسواق ويغيبه الأفق وتستقبله شعاب مكة وبطون أوديتها ثم يلج بعيدا إلى جبل النور حيث ينتهي به المطاف إلى غار هناك يدعى (غار حراء)، فيمكث فيه الأيام والأسابيع الطوال لا يعود إلى مكة إلا ريثما يتزود بالطعام والماء ثم يقفل عائدا إلى المكان الذي سيبعث فيه إلى العالم كله. وتذكر الروايات أنه كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا فإذا قضى شهره ذاك انصرف إلى الكعبة فطاف بها سبعا ثم عاد إلى بيته «١» .
استغرق محمد ﷺ في تفكير عميق مركز، كان يشغله أمدا طويلا، تفكير في حالة قومه وفي أوضاعهم وفي تقربهم من الأوثان، وفي الكون والحياة ومصير الإنسان، والموت وما بعد الموت، وفيما شاكل ذلك من أمور تطوف برأس المفكر المتبصر في هذه الحياة فتصرفه إلى النظر فيها وتبعده عن التفكير في التماس الملذات التي يقع في غرامها الإنسان في هذه السن على المعتاد. كان
_________
(١) ابن هشام ص ٤٥- ٤٦ الطبري: تاريخ ٢/ ٣٠٠، ابن سعد ١/ ١/ ١٢٩، البلاذري: أنساب ١/ ١٠٥.
1 / 47